عندما تكون ادارة البلاد في ايدي رجال يُفرّطون في مقدرات الدولة وحقوقها، من الطبيعي ان تضيع الثروات، وينهار الهيكل، وتعم الفوضى، ويسود الاحباط واليأس، وتنتشر كل الموبقات، مع تصاعد مخيف في حالات الفلتان الاخلاقي، الذي لم يشهد اللبنانيون مثيلا لها حتى في عز الحرب الاهلية، هذا ما كشفته التقارير الامنية عن انتشار كارثي للمخدرات بين صفوف الشباب، وحالات الشذوذ الجنسي، بالاضافة الى تراجع معدلات الزواج، وتزايد مخيف لحالات الطلاق، مما يهدد جوهر العلاقات الاجتماعية والعائلية التي قام عليها لبنان طوال تاريخه.
علما ان الباحثين في علم الاجتماع يعزون انتشار هذه الظواهر الى الاحباط التي يعيشه اللبنانيون وتحديدا الشباب منهم، جراء الازمة الاقتصادية المفتوحة، وانعدام فرص العمل وضياع المستقبل، بينما المسؤولون من رأس الهرم الى أصغر مسؤول في الدولة غارقون في شهواتهم وملذاتهم وسياساتهم في افقار البلد، وايصاله الى مرحلة بات فيها الاصلاح شبه مستحيل، مصحوبا بفراغ قاتل وشلل في القطاع العام وتوقف معاملات المواطنين.
عداد اسعار المحروقات لا يتوقف، وربطة الخبز مقطوعة، والطحين المدعوم للأزلام والمحاسيب والافران المحظية، مع عودة النفايات المكدسة الى الشوارع، كما ان الطرقات لا تصلح حتى « للدواب»، والمياه «بالقطارة»، ويبقى الاخطر عدم المباشرة بتصحيح الامتحانات الرسمية حتى الآن، رغم تطمينات وزير التربية، وهذا ما قد يحرم الطلاب من الالتحاق بالجامعات في الخارج، والانكى من كل ذلك، العتمة الشاملة بعد توقف معملي دير عمار والزهراني عن العمل، لكن مؤسسة كهرباء لبنان اعلنت مساء امس، ان مصرف لبنان قام بصرف مستحقات مشغل المعملين «فريش دولار»، وعلى الفور طلبت المؤسسة من المشغل معاودة العمل الى المعملين، مما أدى الى عودة الكهرباء تدريجيا.
لكن لبنان لن يرى النور الحقيقي، طالما بقيت مقدرات البلد في يد عصابة طائفية وسياسية، لم يشهد التاريخ الحديث والقديم مثيلا لها، وغطت بمساوئها على كل الذين رسموا مسارات سوداوية لشعوبهم. طبقة لا تعرف الا «النميمة» و «الحرتقات» و «السرقات» و «المال الحرام»، وبث السموم الطائفية من اجل المناصب والكراسي، اخذوا كل شيء ودفنوا معهم الوطن الجميل لصالح دويلات ومحميات، فهل يعقل ان شركة «لازار» المالية التي تم التعاقد معها لدرس المالية العامة للدولة، حددت الفجوة المالية بـ ٢٥٦ مليار دولار؟ فيما المسؤولون الماليون في الدولة يشككون في هذا الرقم، ويعترفون بأن الفجوة المالية تصل الى ١٥٦ مليار دولار، والرقمان مخيفان، ولو سمع هؤلاء السياسيون، حتى المصنفين في خانة الحلفاء للرياض ما يقوله السفير السعودي البخاري امام زواره عن الفساد السياسي في لبنان، لدفنوا رؤوسهم في الرمال. يقول البخاري: «لا مساعدات للدولة اللبنانية في ظل الطاقم السياسي الفاسد حاليا، الدعم للجمعيات والمبادرات الاهلية فقط وباشرافنا، لا يهمنا اسم رئيس الحكومة وشخصيته، بل ما يقوم به من اجل الدولة وحفظ قرارها ووقف فسادها»، ولم يخل الامر من اطلاق «الطراطيش» على سعد الحريري وأدواره، مع التأكيد بأن كل الملفات متوقفة حتى العهد الجديد.
مرسوم التجنيس
ورغم كل ما يعانيه اللبنانيون، فقد كُشف وبشكل مؤكد، عن وضع اللمسات الاخيرة على مرسوم التجنيس الذي يستفيد منه الآلاف، ويشمل رجال اعمال سوريين وفلسطينيين وعربا واجانب. وفي المعلومات ان المرسوم لن يثير الاعتراضات نتيجة مشاركة كل القوى السياسية في تقديم لوائح اسمية، ولم تعرف المعايير التي أعتمدت للتجنيس، وكيف تمت وحجم السمسرات، ومن يحق له الاستفادة، ويطبخ المرسوم على نار هادئة.
وسيصدر المرسوم، بحسب المعلومات، أواخر شهر اب، علما ان كل رؤساء الجمهورية اصدروا مراسيم تجنيس في أواخر عهودهم، وهذا التبرير اعطي للمرسوم الحالي الذي ترتفع ارقامه يوميا.
المسيّرات وموقف الحكومة
أعلن الرئيس ميشال عون، ان نتائج الترسيم ستكون ايجابية بوساطة أميركية لما فيه مصلحة الطرفين. وقال عون: «لو لم تكن الاجواء ايجابية لما كنا تابعنا عملية التفاوض»، ورغم ذلك تؤكد مصادر متابعة للملف، ان الحكومة ضيّعت الفرصة لاستخراج الغاز سريعا، بعد تعاملها «الطفولي» مع مسيّرات حزب الله فوق كاريش التي قلبت المعادلات لصالح لبنان، ونقلت زمام الامور اليه.
ويرد المتابعون للملف على تبني هذه المعادلة ويؤكدون بأن ميقاتي ضيع الفرصة الذهبية، فلو تناغم موقف الحكومة مع المقاومة لفرض لبنان شروطه فورا على هوكشتاين، ولو تعاطت الحكومة مع الملف كما تعاطى رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بعد خروجه من عين التينة وقوله «بأن العدو غير مقصر في خرق اجوائنا»، لتبدلت المعطيات كليا، خصوصا ان موقف المقاومة «العقلاني» في توجيه الرساله، هدفه دعم المفاوض اللبناني، وليس الانزلاق نحو الحرب وتفجير الامور.
وقد فهمت «اسرائيل» الرسالة اكثر من الجانب اللبناني، وارسلت الأشارات الى فرنسا بأن الاستخراج لن يبدأ قبل ايلول وقبل استئناف مفاوضات الترسيم، كما ان «اسرائيل» تدخلت لدى باريس لتهدئة الاجواء، وارسلت واشنطن اشارات في هذا الاتجاه، ولكنها ضغطت على ميقاتي وابو حبيب لاصدار بيان يتمايز عن حزب الله لإضعاف الموقف اللبناني و «زرك» حزب الله، دون الاخذ من قبل الحكومة الحاجة الاميركية للاسراع في استخراج الغاز من المتوسط، وتسهيل وصوله الى اوروبا قبل شهر آب، لقطع الطريق على اي استفادة روسية من هذه الورقة. هذا هو الاساس عند واشنطن والباقي تفاصيل.
مصادر متابعة للملف تضع رسالة ميقاتي الايجابية للاميركيين، في خانة تقديم الاوراق للعهد الجديد والمرحلة الجديدة للعودة الى السرايا برفقة ابو حبيب، لكن رسالة حزب الله وصلت الى من يعنيه الامر، ولا يمكن تجاوزها، ويبدو ان ميقاتي وضع الملف امام مشكلة حقيقية في ايلول، واكدت المصادر ان المقاومة بعد المسيرات لا يمكن ان تسمح باستخراج الغاز قبل بدء لبنان باستثمار غازه، ولو كان موقف ميقاتي سليما لتحققت معادلة الردع مع انطلاق المسيرات، بدلا من انتظار التطورات في ايلول، لكن هذا الملف لن يبدل في موقف حزب الله الداعم لتشكيل الحكومة سريعا، ولن يؤدي الى القطيعة بين حارة حريك والسرايا في ظل مواقف المقاومة الداعمة لتجاوز تعقيدات هذه المرحلة، رغم ان الدائرين في فلك حزب الله وحلفاؤه يصفون بيان ميقاتي من المسيّرات، بانه أخطر من بيان السنيورة بعد عملية الأسر في الـ ٢٠٠٦، وان سياسة لبنان الخارجية يحددها رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعا.
استحالة ولادة الحكومة
لا حكومة في الافق، ولا تعديلات على حكومة تصريف الاعمال، الا اذا وافق ميقاتي على رفع العدد الى ٣٠ وزيرا واضافة ٦ وزراء دولة من جميع الاحزاب، وهذا مرفوض من السرايا. وبالتالي، فأن ميقاتي وباسيل خطان لا يلتقيان مطلقا في اي ملف، حتى ان باسيل قال لاصدقاء قبل بدء ميقاتي استشاراته «لاحكومة بشروط رئيس الحكومة».
كما ان «الترويكا « الجديدة التي تضم بري وجنبلاط وميقاتي، بعد اعتكاف سعد الحريري، لن تعطي باسيل اي ورقة حكومية قد يستفيد منها رئاسيا، لأن تشكيل الحكومة دخل في صلب معركة رئاسة الجمهورية، وحتى لو تألفت حكومة جديدة لن تخرج عن تصريف الاعمال بعد تجميد كل الملفات الى العهد الجديد، وتحديدا خطة التعافي باعتراف كل المتعاطين في هذا الملف، وهذا ما يفتح المرحلة الانتقالية على كل انواع التصعيد الكلامي من قبل القوى السياسية، التي تحاول ترتيب اوراقها وتوجيه الرسائل الى العهد الجديد، ورسم اطارات التحرك، دون اغفال احتمال الفراغ، كون معركة رئاسة الجمهورية القادمة تتحكم بها المعادلات الدولية والاقليمية ومحورها «اي لبنان نريد»، ولن يكون هناك رئيس للبلاد من دون تسوية كبرى «لا غالب ولامغلوب»، وهذا العنوان قد يشطب اسماء بارزة من طريق بعبدا. علما ان باسيل بات مقتنعا انه أصبح خارج السباق الرئاسي، لكنه غير متحمس لاعطاء اصواته الى سليمان فرنجية كونه مرشح بري الاول.
النازحون السوريون
كشف وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين لـ «الديار» عن قيامه بزيارة الى دمشق بعد عيد الاضحى المبارك لبحث ملف النازحين، مشيرا الى ان دولا اوروبية طرحت دمج النازحين السوريين بالمجتمع اللبناني كما الفلسطينيين في الاردن، وهذا ما رفضه لبنان، واقترحت تركيا اقامة مخيمات للنازحين داخل الاراضي السورية وعلى الحدود مباشرة مع لبنان وتركيا والاردن، وهذا ما رفضه لبنان أيضا، كما اقترح الاتراك تشكيل لجنة تركية عراقية – اردنية – لبنانية – أممية لمعالجة هذا الملف والضغط على الامم المتحدة لزيادة مساعداتها، بعد ان تقلصت بسبب النزوح الاوكراني الى اوروبا، علما ان تركيا هي المستفيد الاول ماليا وبشكل مباشر، رغم ان اعداد النازحين يشكلون نسبة قليلة من عدد السكان، بينما تصل النسبة في لبنان الى ٣٥٪، كما ان المساعدات توزع عبر الامم المتحدة بسبب الفساد كما يدعون.
اضاف شرف الدين: الاردن يؤيد اللجان الثنائية وليس الرباعية او الخماسية، وبالتالي ليس هناك تصور موحد حول هذا الملف بين الدول التي تستضيف النازحين السوريين، فلبنان يستضيف مليون ونصف مليون نازح، تركيا ثلاثة ملايين و٧٠٠ الف نازح، الاردن ٦٧٠ الفا والعراق ٢٤٠ الفا .
وتابع شرف الدين: قدمنا اقتراحا، اعمل على تسويقه مع المسؤولين السوريين والمفوضية العليا، يقضي باعادة النازحين أو ترحيلهم بشكل تدريجي وشهري على قاعدة جغرافية، قرية وراء قرية وضاحية وراء ضاحية، على ان نبدأ بالمناطق القريبة من الحدود اللبنانية، بعد ان تقوم الدولة السورية بتأمين مراكز أيواء بكل المستلزمات، وهذا يفرض تقديم الامم المتحدة والدول العربية والاوروبية المساعدات للدولة السورية نتيجة ظروفها الصعبة وهذا يقابل بالرفض.
اشار الى ان « الدفعات الاولى من العائدين من المفترض ان تشمل الذين ليس بحقهم اية ملاحقات قانونية، واسقاط الذريعة عن عدم ضمان سلامتهم، اما المطلوبين والملاحقين قانونيا فيمكن ترحيلهم الى اي دولة يختارونها، واضاف شرف الدين: «طلب مني الرئيس عون متابعة الاتصالات مع المسؤولين السوريين والامميين من اجل ايجاد حل في ظل تداعياته الخطيرة، ولا أفهم اصرار المفوضية العليا للنازحين على تقديم المساعدات في لبنان والتوقف عن دفعها اذا عادوا الى بلدهم، علما ان مساعدات الامم المتحدة حاليا تبلغ ٢٧ دولارا لكل فرد لعائلة مؤلفة من ٦ اشخاص، بالاضافة الى مساعدات تعليمية وصحية: ٨٥٪ من قيمة الفاتورة، ومحروقات وتحسين ظروف العيش، وبالتالي فان هذا الملف صعب وحساس، وتدخل فيه عوامل محلية وعربية ودولية، ويحتاج اولا الى موقف موحد من الحكومة اللبنانية. علما ان شرف الدين لم يحدد اية خطوة عملية قبل انتهاء اتصالاته كونه مكلف من الحكومة اللبنانية في هذا الملف الحساس والخطير.
دعوات للعصيان المدني
وجهت مجموعات شبابية وحزبية الدعوات الى العصيان المدني بعد عيد الاضحى المبارك، والعودة الى الشارع وتنظيم تظاهرات يومية، احتجاجا على الاوضاع الاقتصادية والاهتراء في كل المؤسسات، بدءا من الضمان الاجتماعي الى تعاونية موظفي الدولة، والمستشفيات الحكومية، فيما الاجتماعات بين ميقاتي والنقابات لم تصل الى نتيجة في ظل رفض رئيس الحكومة التفاوض تحت الضغط بالاضراب، معتبرا ان حكومته نفذت للقطاع العام العديد من مطالبه، لكن «حججه» لم تقنع موظفي القطاع العام الذين أكدوا على الاستمرار بالاضراب مدعومين من كل القطاعات، مما يؤدي الى الاستمرار في عدم انجاز معاملات المواطنين . ويتم درس رفع الاضراب ليومين لانجاز المعاملات المهمة واخراجات القيد، والمعلوم ان وزير العمل مصطفى بيرم انسحب من المفاوضات التي كان يجريها لعودة القطاع العام عن قرار الاضراب، نتيجة تمسك الاطراف بشروطها.