كتبت صحيفة “البناء” تقول:
تبدو علامات الإرهاق على أوروبا وقد بدأت تفعل فعلها، مع الارتفاعات المتصاعدة في الأسعار وبلوغها نسبة متوسطة تعادل 50%، وبدأ البحث بتقنين الكهرباء لساعات النهار مطروحاً في المناقشات العلنية لحكومات عدد من الدول الأوروبية، وبدأت الحركات الاحتجاجية تصبح مشهداً مألوفاً في الشوارع التي كانت تزهو بالسياح والمتسوّقين، وصار الاضطراب السياسي والحزبي قاسماً مشتركاً بين العديد من الحكومات، بينما روسيا تتماسك أكثر وتتمسك بمصادر قوتها. وبعدما كانت معادلة اليورو والدولار مصدر التباهي الأوروبي صارت المعادلة فضيحة للتراجع الأوروبي، بينما سقطت الرهانات على دفع الروبل الى الأزمات، ويكفي القول إن الروبل كسب منذ الحرب تقريباً 40% من قيمته، وإن اليورو خسر 20% من قيمته بالمقابل لنعرف طبيعة التوازن الحاكم للعلاقة الأوروبية الروسية، بعدما تورطت أوروبا لخيار التصعيد ضد روسيا، وارتضت أن تكون ساحة الحرب الأميركية مع روسيا. ومع المتغيرات الزاحفة على أوروبا بدأ التموضع السياسي يظهر بإشارات علنية، أولها كان إعلان الاتحاد الأوروبي مطالبته لحكومة ليتوانيا بوقف الإجراءات التي اتخذتها لتطبيق العقوبات الأوروبية على حركة البضائع بين كالينينغراد الروسية والبلد الأم روسيا اللذين تفصلهما الأرض الليتوانية، فيما أطلقت موسكو مطالبتها بضمانات مشابهة من مولدوفا بخصوص الاتصال بين روسيا وإقليم ترانسيستريا الواقع على الحدود المولدوفية الأوكرانية.
مع الإنهاك الأوروبي كان الانهماك الأميركي بتدبير فرص النجاح لزيارة الرئيس جو بايدن أملاً بحصاد عائد جيد في التصويت الإيجابي لصالح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأميركية النصفية بعد ثلاثة شهور ونصف، بأمل الإفادة من التطابق مع الروزنامة الإسرائيلية بتصويت يهودي كثيف لصالح المرشحين الديمقراطيين، بعدما سدد بايدن فاتورة التطابق مع حكومة الكيان في الصمت على تهويد القدس وتأكيد اعتبارها عاصمة موحدة لكيان الاحتلال، وتوفير التغطية لسياسة الاستيطان، رغم التشدق بالحديث عن صيغة حل الدولتين ودولة فلسطينية متصلة، فيما لم يبق فيها مجال للاتصال بوجود الجزر الاستيطانية التي تقطع أوصالها. ووصل باين جدة أملاً بمواصلة الإفادة من فرص كسب أصوات الأميركيين بمزيد من تخفيض أسعار النفط، بمطالبة الحكام الخليجيين بضخ المزيد من نفطهم في الأسواق، دون أن ينسى السعي لرفع منسوب ومساحة التطبيع بين حكومات الخليج وكيان الاحتلال.
لبنانياً لا يزال خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، محور الأحداث، في ظل اهتمام أميركي بتنشيط المسار التفاوضي وخشية من التصعيد، بينما لا يزال الصمت يخيم على الموقف الإسرائيلي، بانتظار الانتهاء من البحث بكيفية السير في ظل المعادلات الصعبة بين التراجع أمام المقاومة أو خوض مواجهة معلومة سلفاً درجة خطورتها واحتمالات خروجها عن السيطرة.
نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تحدث ليل أمس، لقناة المنار، ورد على الذين يعتبرون أن الأولوية لا تزال بنزع سلاح المقاومة، بقوله عندما يستطيع الجيش اللبناني مواجهة “إسرائيل” والدفاع عن لبنان فليناقشوا سلاح المقاومة، مضيفاً ان الثروة النفطية لكل اللبنانيين وهي حاجة ماسة في ظل الأوضاع الراهنة، والمقاومة تتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على حقوق لبنان وثرواته.
بينما لا يزال المشهد الداخلي متأثراً بحالة الجمود السياسي والحكومي التي فرضتها عطلة عيد الأضحى، وبانتظار عوة الرئيس المكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي الى بيروت، طغى ملف ترسيم الحدود البحرية على الحركة السياسية وفرض ترتيباً جديداً لجدول أولويات الداخل والخارج، في أعقاب خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرسائل الهامة والخطيرة التي تضمنته والتي فتحت ملف الترسيم على احتمالين لا ثالث لهما، وفق ما تقول مصادر مطلعة على الملف لـ»البناء»:
* تكثيف الحركة الخارجية الأميركية – الأوروبية على خط بيروت – كيان الاحتلال للم الملف وإعادته الى سياقه التفاوضي والرضوخ لمطالب لبنان وحقه في استثمار ثرواته وتجنب كأس التصعيد العسكري.
* استمرار التصعيد التدريجي الذي سيلجأ اليه حزب الله ما قد يؤدي الى عرقلة تنفيذ مشروع استخراج وتصدير الغاز الاسرائيلي الى أوروبا مطلع أيلول وذهاب المنطقة الى الحرب.
وعلمت «البناء» أن الأميركيين كثفوا اتصالاتهم بالمسؤولين اللبنانيين المعنيين بملف الترسيم خلال اليومين الماضيين، للاطلاع منهم على آخر تطورات الملف وموقف الدولة من خطاب السيد نصرالله الأخير. كما رجحت مصادر «البناء» أن يعود الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت لاستئناف التفاوض حول ملف الترسيم فور انتهاء زيارة الرئيس الأميركي الى المنطقة، لكنها شككت بإمكانية أن يحمل في جعبته الرد الاسرائيلي الرسمي على المقترح اللبناني أو اي مقترح آخر في الزيارة المرتقبة.
وأشارت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان أمس الى «أننا ملتزمون بتسهيل المفاوضات بين لبنان و»إسرائيل« للتوصل إلى قرار بشأن ترسيم الحدود البحرية«. ولفتت الخارجية، الى أنه «لا يمكن تحقيق التقدم نحو حل إلا من خلال المفاوضات بين الجوانب»، مؤكدةً «أننا نرحّب بالروح التشاورية للتوصل إلى قرار نهائيّ يؤدي لمزيد من الاستقرار للبنان و»إسرائيل»».
ولم ترَ أوساط سياسية في بيان الخارجية الأميركية أي تغيّر أو تحوّل في الموقف الأميركي حيال ملف الترسيم الذي يراوح عند معزوفة «ملتزمون تسهيل التفاوض»، علماً أن الموفد الأميركي زار لبنان ولم يقدم أي جديد ولم يحمل أي مقترح ولا حتى تمكن من انتزاع رد إسرائيلي على المقترح اللبناني أو إجبار الكيان على العودة الى طاولة التفاوض، ما يعني بحسب ما تشير الأوساط لـ»البناء» الانحياز الأميركي الواضح للطرف الاسرائيلي والمماطلة والخداع لتمرير الوقت وذر الرماد في عيون المفاوض اللبناني حتى انقضاء المهلة المحددة لبدء استخراج الغاز وبعدها تصبح المواجهة مع «تحالف مشروع الغاز» الأميركي – الإسرائيلي – المصري – الاوروبي أكثر صعوبة بكثير من المواجهة الآن. لذلك تجزم الأوساط بأن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي وكلام السيد نصرالله كان واضحاً لجهة استمرار العمليات في منطقة أعمال الاستخراج حتى تراجع العدو ورحيل الباخرة اليونانية والعودة الى التفاوض لترسيم الحدود وتمكين لبنان من استثمار ثروته من خلال الضغط على تحالف الشركات الأجنبية لاستكمال أعمال الحفر والاستخراج.
وإذ رجحت الأوساط أن تلعب «اسرائيل» على حافة الهاوية كعادتها في الملفات المصيرية والحيوية بالنسبة لها، رجحت أن ينجح التدخل الاميركي في لجم الاندفاعة الاسرائيلية لكون لا مصلحة أميركية بتصعيد الوضع في الجنوب واندلاع حرب قد تمتد الى المنطقة بأكملها في ظل المفاوضات مع إيران حول النووي الايراني والتصعيد على الساحة الدولية بعد الحرب الروسية الاوكرانية وأزمة الطاقة العالمية والحاجة الاوروبية الماسة لغاز المتوسط.
على الصعيد الحكومي، من المرتقب أن يزور ميقاتي بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون مطلع الأسبوع المقبل لاستئناف المشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة التي لا يبدو أنّها ستبصر النور قبل نهاية العهد الحالي لأسباب داخليّة وخارجيّة عدة.
وحتى عودة ميقاتي تنشغل دوائر القصرين الجمهوري والحكومي بترطيب الأجواء بعد حرب البيانات الإعلامية والسياسية على خط بعبدا – السرايا.
وأشارت أوساط مقرّبة من ميقاتي لـ»البناء» الى أن «البيانين اللذين صدرا عن بعبدا، ومكتب ميقاتي أكدا على حصر عملية تأليف الحكومة بالرئاستين الأولى والثالثة وهذا ما ينص عليه الدستور»، لافتة الى أن «أي جديد في الملف الحكومي سيظهر فور عودة الرئيس ميقاتي من الخارج»، مرجّحة حصول لقاء بين الرئيسين عون وميقاتي مطلع الأسبوع المقبل لاستكمال البحث بعملية تشكيل الحكومة». مشدّدة على أن الأهم في البيانات الأخيرة تهدئة أي توتر وقطع الطريق على المشوّشين على عملية التأليف والعودة الى الحوار مع الانفتاح على كافة الاقتراحات المطروحة لإنتاج حكومة تنجز ما استطاعت إليه سبيلاً من ملفات أساسيّة وتكون محصنة دستورياً وسياسياً لإدارة مرحلة الفراغ في رئاسة الجمهورية إن تعذّر انتخاب رئيس جديد».
في المقابل لفت مصدر نيابي في التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى أن «الرئيس عون من أشدّ الحريصين على تأليف الحكومة وإنجاز الملفات الأساسية على المستويين الاقتصادي والمالي، لكن هناك مَن لا يريد تأليف حكومة في ما تبقى من الولاية الرئاسية امتداداً لسياسة حصار العهد وعزله ومحاربته واستنزافه حتى النهاية لدفن أي أمل بالإصلاح ومكافحة الفساد واقرار القوانين الاصلاحية واستعادة الاموال المهربة والمحولة والودائع المصرفية»، مشدداً على أن «عون من أشد الحريصين على صلاحية رئيس الحكومة وعلى التوازنات السياسية والطائفية»، متسائلاً: هل فعلاً يريد الرئيس المكلف تأليف حكومة جديدة ام انتزع الثقة النيابية لإدارة المرحلة الجديدة؟ وتمنى المصدر على ميقاتي تقديم تشكيلة حكومية جديدة تكون بعيدة عن مصادر التفجير، على غرار التشكيلة الأخيرة. وحذّر المصدر من أن الدخول الى مرحلة الانتخابات الرئاسية المقبلة بحكومة تصريف أعمال سيخلق مشاكل وازمات سياسة ودستورية فضلاً عن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة.
ورأى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، خلال خطبة الجمعة أنّ «البلدَ مغلقٌ سياسياً، والحسابات السياسية الضيقةُ عند أصحاب العقول الضيقة تضعنا بعين العاصفة، لا سيما أننا بلحظة تصريفٍ حكومي يكاد يتصلُ بجنون مرحلة فراغ رئاسي، ودون تسويةٍ سياسية جريئة، نحن متّجهون نحو كارثة وطنية تضعُ البلدَ بقعر الأزمات، وبالتالي دون قرار سياسيّ لا إنقاذ للبلد».
واعتبر قبلان أن «المنطقة تنوءُ تحت ضغط مشروع أميركيّ يريد تفجيرَ المنطقة، وبصراحة أكثر: معادلة المنطقة خطيرة أمنيًا وسياسيًا، وتضعُ الجميعَ على حافة الهاوية السحيقة، والحصارُ المضروب على لبنان مشروعُ معاداة على طريقة تهويد المنطقة، هو مشروع أميركي خطير وكبير تسير به مجموعة من الدول العربية، ما يفترض بنا أن نحسم هويتنا السياسية وخيارنا الإنقاذي، ودون الربط مع الشرق، ودون الضرب بيد من حديد بخصوص حقوقنا النفطية البحرية نكون كمن يخنق نفسه بيده».
وأشار قبلان إلى «وجود مشروع هدفه استنزاف لبنان كل لبنان، لأنّ الحصار يبدو أنه طويل، وأزمة المنطقة كبيرة، والتسويات إذا كانت ستكون خجولة»، محذراً من أن «النزوح المتروك يشكّل أسوأ كارثة وطنية في تاريخ لبنان، وسياسة مفوضية اللاجئين هي حرب على لبنان، وهي تعمل على تمرير سياسات دولية تدميرية للبلد».
وفيما اتهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم دولاً كبرى بعرقلة عودة النازحين السوريين، حذّر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية هنغاريا بيتر سيارتو، من موجة نزوح جديدة، مؤكدًا أهمية إيجاد حل لأزمة النازحين السوريين بما يؤدي بهم الى عودة كريمة الى بلادهم.
في غضون ذلك، تستمر معاناة المواطنين جراء تصاعد حدة الأزمات الحياتية، في ظل غياب الحلول لأزمات الخبز والطحين والمياه والكهرباء.
وصدر جدول جديد لأسعار المحروقات أمس، وقد لحظ انخفاضاً بكافة الأسعار التي جاءت على الشكل الآتي: بنزين 95 أوكتان: 627000 ليرة (-9000) – بنزين 98 أوكتان: 639000 ليرة (-9000) – المازوت: 675000 ليرة (-4000 – الغاز: 323000 ليرة (- 4000).
وفيما كشفت جهات نقابية لـ»البناء» عن أن البلاد مقبلة على أزمة خبز كبيرة في ظل احتكار الطحين وتقنين استيراده من الخارج ونفاد كميات منه جراء الحريق الذي حصل في مرفأ بيروت، خفّض وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، أمين سلام، «حصص الأفران الكبيرة من الطحين المعدّ لإنتاج الخبز العربي منعاً لاستعماله في صناعة المعجنات الأخرى المتنوّعة والموجودة أكثر لدى الأفران ذات الحصص الكبيرة، وتشجيعاً للأفران الصغيرة المتوزعة في القرى والمناطق البعيدة على زيادة إنتاجها وحمايتها من المنافسة والمضاربة». وأكّد سلام، أن «هذا الإجراء هو جزء من ورشة إصلاح ترمي إلى إعادة تقييم جداول التوزيع ومراقبة الكميات التي توزع في السوق، حفاظاً على خبز المواطن ولوضع حدّ لتجّار الأزمات، على أن تنشر كل هذه الجداول أمام الرأي العام التزاماً بالشفافية».