كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول:
مريب الصمت اللبناني في هذه اللحظة الإقليمية المصيرية. كأنه هدوء ما قبل العاصفة التي بشّر بها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. وكأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. ذهب رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي إلى استنزاف المزيد من الوقت وكأن لا ضرورة للعجلة وكأنهما خارج سياق اللعبة الكبيرة حيث يغيب اللاعبون الصغار. لا حكومة جديدة في لبنان بينما تشهد المنطقة تحولاً كبيراً على المستوى الإستراتيجي سيحصل اليوم في قمة جدة. وأهم ما في هذه القمة أنها تتوج مرحلة جديدة من العلاقة بين المملكة العربية السعودية والإدارة الأميركية وأنها تأتي بعد التهديد الأميركي الإسرائيلي لإيران بأنه ممنوع عليها امتلاك السلاح النووي ولو اقتضى ذلك استعمال القوة.
في قلب هذه اللحظة التي يولد فيها هذا الإنفجار السياسي والأمني الكبير كان تهديد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بتغيير قواعد اللعبة في المنطقة وقلب الطاولة ومنع إسرائيل من استخراج النفط طالما لا يمكن أن يستخرجه لبنان مهدداً بما بعد بعد بعد كاريش. هذا التهديد تم تفسيره بأنه محاولة لدعم الموقف الإيراني الصعب أكثر مما يتعلق بدعم الموقف اللبناني الصعب، بل على العكس فقد أتى هذا التهديد ليزيد على الأثقال اللبنانية أثقالاً جديدة وليخيف اللبنانيين الذين أتوا إلى لبنان على أساس التطمينات الكثيرة التي أطلقتها السلطة الحاكمة والأمين العام لـ”حزب الله” على خلفية قضاء صيف هادئ “وأهلا بهالطلة”، فهل ينقلب المشهد ويبدأ الرحيل السريع و”يلّا عالفلّة”؟
قد يكون الصيف كذلك. في تموز 2006 كانت الصورة مشابهة لتموز 2022. كان “حزب الله” يعاني من آثار التحول الكبير الحاصل في لبنان والمنطقة. اتفق الرئيسان جورج بوش وجاك شيراك على إخراج سوريا من لبنان فكان القرار 1559 في أيلول 2004 بعد عام على إسقاط نظام صدام حسين في العراق وتمركز القوات الأميركية على الحدود السورية والإيرانية وبعد عامين على احتلال أفغانستان. في تلك اللحظة التاريخية من تغيير خريطة المنطقة اغتيل الرئيس رفيق الحريري في محاولة لمنع اكتمال التغيير في لبنان. قبل أن تتوجه اصابع الإتهام مباشرة إلى “حزب الله” بدأت حرب تموز، بعد العملية التي نفذها الحزب وراء الخط الأزرق، وانتهت في 13 آب بالقرار 1701 الذي جاء تطبيقاً تنفيذياً للقرار 1559 الذي طلب نزع سلاح “حزب الله”.
في تموز 2022 تكاد الصورة تكون مطابقة أيضاً. “حزب الله” يعاني من توجيه الشكوك إليه في قضية تفجير مرفأ بيروت ولذلك عطل التحقيق وطلب قبع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. وهو يواجه مجدداً حالة داخلية ودولية تطالب بنزع سلاحه بينما يراقب التحول الكبير الحاصل في المنطقة والذي يشبه إلى حد كبير التحول الذي كان في العام 2005. فهل يكرر المحاولة ويهرب نحو الحرب؟
في العام 2005 كان “حزب الله” في مواجهة أكثرية نيابية جديدة أتت على أصوات ثورة 14 آذار وفي مواجهة حكومة مثلت تلك الأكثرية وكان يريد أن يوقف عقارب ساعة التغيير. اندلاع تلك الحرب أعطاه الحجة ليتهم الحكومة وقوى 14 آذار بالخيانة وليتمسك بسلاحه ولينكر التهمة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. في العام 2022 أفقدته الإنتخابات النيابية الأكثرية الموصوفة التي كان يتمتع بها وهو يتخوف من أن التحول الكبير الحاصل في المنطقة قد ينعكس تحولاً على مستوى انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، ولذلك قد يجد أن أفضل وسيلة للدفاع هي الحرب والدخول في المجهول على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي يا رب”.
ولكن على رغم التهديد الذي أطلقه نصرالله فإن هناك أسباباً كثيرة تدعوه إلى تقدير أفضل للوضع. لقد تردد كثيراً قبل أن يقدم على هذه الخطوة ذلك أنه لم يكن قادراً على توقع رد الفعل الذي يمكن أن يحصل تجاه أي خطأ يمكن أن يرتكبه. فهو يعرف أن إسرائيل ليست دولة متهالكة. ما يعرفه غير ما يعلنه. ويعرف أيضاً أن أميركا ليست تلك الدولة العجوز. وإلا لماذا كل هذا التوجس من تغيير خريطة المنطقة ومن التهديد الموجه إلى إيران؟
في ظل تلك اللعبة الكبيرة تصغر الألاعيب الصغيرة في لبنان. ويصير التراشق الكلامي بين بعبدا والسراي كأنه مشهد عبثي في ساحة معركة كبيرة يتقرر فيها مصير المنطقة بما فيه مصير لبنان. وكأن هذا الإستنزاف للوقت يتحول أيضا إلى رقصة العاجزين فوق مقابر الأحياء الباحثين عن لقمة عيش وكيس طحين ورغيف خبز وحبة دواء، فكيف إذا وقعت الحرب؟