كما كان متوقعاً ربط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تصحيح أجور القطاع العام بإقرار الدولار الجمركي، بتسهيلٍ مزدوج من وزير ماليته يوسف خليل ورئيس مجلس النواب نبيه بري. انتظر ميقاتي حتى استفحل الشلل في إدارات الدولة بعد 6 أسابيعٍ من الإضراب، وجعل من الموظفين حصان طروادة لإقرار الدولار الجمركي وسلّة ضرائب جديدة بغطاء يشرعن الخطوة.
عقد أمس اجتماعاً في السراي الحكومية خصّص لبحث ملف إضراب موظفي القطاع العام. وتوافق المجتمعون على أن الحلّ الشامل سيكون من خلال إقرار الموازنة بما فيها من زيادات ضريبية أبرزها الدولار الجمركي الذي يوفّر واردات مالية إضافية للخزينة تتيح تمويل زيادة الأجور للعاملين في القطاع العام. كما تم الاتفاق على إقرار مشاريع قوانين عبر سلّة من الواردات الأخرى تؤمن واردات إضافية أيضاً للخزينة العامّة.
بري وميقاتي والخليل صنعوا هذه الفرصة على حساب إضراب العاملين في القطاع العام. لذا دار نقاش في الاجتماع محوره تمويل زيادة الأجور المنوي القيام بها، وذلك من دون أي التزام بهذه الزيادة. فقد خلُص الاجتماع إلى أن لا أموال في الخزينة، وبالتالي الحاجة ملحة لإقرار الموازنة العامة. وبحسب مصادر مطلعة، اتصل ميقاتي ببري واستحصل منه على تعهد بالدعوة إلى مناقشة مشروع الموازنة العامة في مجلس النواب أيام الأربعاء والخميس والجمعة من الأسبوع المقبل، وأن يضعها على جدول أعمال الهيئة العامة لإقرارها الأسبوع الذي يليه. تسهيل بري المفاجئ بعد أكثر من شهرٍ على إضراب موظفي الإدارة العامة، تبعه موقف ليوسف خليل يتخطاه غرابةً؛ فوزير المال وعد بإبلاغ الحكومة يوم غدٍ بسعرٍ محدد للدولار مقابل الليرة، لاعتماده في مشروع الموازنة، خلافاً لكلام له في لجنة المال والموازنة التي عقدت أمس ظهراً وطلب فيها مهلة 10 أيام لإجابتها عن سعر الدولار الذي سيعتمد في مشروع الموازنة.
توزيع الأدوار هذا، للقول بأن لا مخارج سوى بالانقضاض على جيوب اللبنانيين عبر الدولار الجمركي من دون أي التزام مقابل، رغم أن السلطة لم تمانع قيام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتحويل رواتب القضاة على سعر صرف يبلغ 8000 ليرة. لا بل إن ما قيل عن أن الحاكم أوقف هذه العملية، تبيّن أن عدداً من المصارف يواصل تطبيقها لحساب القضاة.
السلطة تقترح زيادة الضرائب ولا تكفل تلبية المطالب جميعها
على أي حال، لم يقدّم ميقاتي ووزراؤه أي التزام بزيادة الأجور، بل بمواصلة ترقيعها. فبحسب تصريح وزير العمل مصطفى بيرم إثر الاجتماع، فإنه مقابل إقرار الموازنة وفق سعر الدولار الجديد، «يمكن النظر في مضاعفة الرواتب بعد إقرار الموازنة، وفي ضوء الواردات التي سيجري تحصيلها». ما يعني أن اقتراحات الموظفين لجهة الأجور والتقديمات لن تتحقق بالشكل المطلوب، وهو ما يؤكده كلام ميقاتي الرافض لتصحيح الأجور دفعة واحدة، واصفاً إياه بـ«الأمر المستحيل، ويتسبب بانهيار أوسع للأوضاع، ونحن لسنا في هذا الوارد».
الأنكى من ذلك، أنه لم يحصل أي تقدّم في الاجتماع الذي حضره إلى جانب ميقاتي وبيرم وخليل وزراء الأشغال العامة والنقل علي حمية، والعدل هنري خوري، والتربية عباس الحلبي، والبيئة ناصر ياسين، والصحة فراس الأبيض، والصناعة جورج بوشكيان، والداخلية بسام المولوي، والشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار، ووزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية الاجتماعية نجلا رياشي، ورئيس مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي، والمدير العام لوزارة المالية جورج معراوي. جل ما خلص إليه فضلاً عن الإعلان الصريح بأن لا عمل في مؤسّسات الدولة إلا عبر زيادة الضرائب، هو استصدار مرسوم استثنائي يقضي بصرف مساعدة اجتماعية توازي راتباً كاملاً اعتباراً من شهر تموز، كما تقرر دفع المساعدة الاجتماعية المقررة سابقاً لموظفي القطاع العام، وإعطاء بدل نقل يومي بقيمة 95 ألف ليرة يومياً لكل موظف، وربط زيادة بدل النقل والمساعدة الاجتماعية بالحضور إلى العمل يومين في الأسبوع على الأقل. وهي النقاط التي جرى الاتفاق عليها في اجتماع السراي في الرابع من الشهر الحالي، ورفضتها رابطة موظفي الإدارة العامة ومستمرة بإضرابها، وكان ذلك الاجتماع الأخير لبيرم كوسيط مفاوض بين ميقاتي والموظفين.
عملياً، عادت الحكومة بعد أسبوعين لتحوّل اقتراحات الترقيع الشفهية إلى واقع ليس إلا، علّها تفلح في فضّ إضراب الموظفين الذّين على ما يبدو سيرفضونها مجدداً. وهو ما يؤكّده عضو رابطة الموظفين إبراهيم نحال باعتبارها «طروحات لا تقدّم جديداً»، مشدداً على رفض تمويل أي زيادة في الأجور على حساب اللبنانيين، والطبقات الفقيرة منهم، مذكراً بما يمكن جنيه من حركة الترانزيت في مطار بيروت، وعبر ضبط التهرّب الضريبي، والتخفيف من تمويل الجمعيات الوهمية لزوجات السياسيين.