يبدو أن قضية توقيف المطران موسى الحاج رئيس أساقفة أبرشيّة حيفا المارونيّة والنائب البطريركيّ على القدس والأراضي الفلسطينيّة وعمّان وأراضي المملكة الأردنيّة الهاشميّة لم تنته فصولها بعد.
البيان الشديد اللهجة الذي صدر اول من أمس عن البطريركية المارونية في الديمان بعد اجتماع استثنائي لسينودس الأساقفة أخذ القضية إلى بعد أكبر من مجرد عملية توقيف متعلقة بالمطران. السقف الذي ذهب إليه البيان كان يحمل رسائل كثيرة لعل أبرزها الإشارة المباشرة إلى أن الهدف من العملية استهداف بكركي ودورها وصولاً إلى المطالبة بإعادة الأغراض التي تمت مصادرتها. أهم ما في هذه المصادرات حجز جواز سفر المطران ومنعه من السفر الأمر الذي يعني حكماً التحكم بمكان وجوده، وكأن هذا الأمر يعني تجاوز قرار بكركي والفاتيكان بتحديد مهمة ووظيفة المطران والترويج لمسألة التعامل مع العدو الإسرائيلي، من دون الأخذ بالإعتبار المهمة الإنسانية التي كان المطران وسيطاً فيها. وكأن هناك من يريد أن يفرض على البطريركية المارونية ما يجب أن يفعله المطارنة وأن يكون شريكاً لها في اختيارهم واختيار ما يقومون به وفي تعيينهم، وهو الأمر الذي لم يحصل في الأزمنة السابقة التي تحدث عنها بيان الديمان.
فبحسب المعلومات ليست المرة الأولى التي يقوم فيها المطران بهذه المهمة. وقد سبق له وحضر إلى المحكمة العسكرية مطلع العام الحالي وتمّ الإستماع إليه لدى القاضية نجاة أبو شقرا في الموضوع المتعلق بتوقيف عسكري كانت وصلته مساعدة مالية. ولكن هذا الملف تمّ إقفاله بقرار من قاضي التحقيق العسكري فادي صوان قضى باعلان عدم اختصاص وعدم صلاحية القضاء العسكري اللبناني لملاحقته ومحاكمته جزائياً، سنداً للمادة 1060 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الصادرة عن الفاتيكان سنة 1990 والنافذة في لبنان منذ 1991 التي تمنح، حصراً، قداسة البابا في الفاتيكان حق محاكمة الأساقفة الملاحقين بقضايا جزائية. وقد أقفل الملف على هذا الأساس، ليتم فتح هذا الملف الجديد بعد توقيف المطران يوم الإثنين الماضي على معبر الناقورة، ويمكن أن يكون هذا الأمر رداً على إقفال الملف السابق من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، الذي لم يستأنف القرار الذي صدر عن القاضي صوان وكان يمكنه أن يفعل ذلك، والذي طالبت بكركي بتنحيته وخرج أمس عن موجب التحفظ عندما أدلى بحديث حول موضوع توقيف المطران مدافعاً عن نفسه وعما حصل مع المطران ونافياً أن يكون طلب موعداً من البطريرك الراعي.
أمس توجه المطران موسى الحاج إلى دير مار نهرا في قرنة الحمرا في المتن للمشاركة في القداس في ظل تسريب معلومات عن قوى أمنية يمكن أن تكون تنتظره. واليوم من المنتظر أن يلتقي في قصر بعبدا رئيس الجمهوية ميشال عون في موعد مقرر عند الساعة العاشرة بعدما تم التواصل مع القصر الجمهوري عن طريق المطران ميشال عون الذي قد يرافق المطران موسى الحاج. هذا اللقاء مع الرئيس يرفع حكماً التهمة التي تمحور حولها التحقيق مع المطران وهي التعامل مع العدو الإسرائيلي أو قبول نقل أموال وأغراض من داخل الأراضي المحتلة، إذ كيف لرئيس الجمهورية أن يستقبل متهماً بهذه التهمة؟
وعلى وقع الدعوات التي وجهت لحشد شعبي كبير في مقر البطريركية المارونية في الديمان يوم الأحد المقبل الساعة التاسعة والنصف ودعوة كل اللبنانيين السياديين للتجمع هناك استنكاراً للتعدي على المطران موسى الحاج ودعما لمواقف بكركي، ذكرت معلومات أن بعض من أُرسلت المساعدات لهم تلقوا اتصالات من أجل التحقيق معهم. وفي ظل هذا الوضع بدا المطران مرتاحاً لسياق الأمور خصوصاً بعد الموقف الكبير الذي صدر من الديمان أمس الأول وهو يعتبر أنه يقوم بمهمة إنسانية، وهو ينتظر أن تعاد أغراضه الشخصية إليه والأموال المصادرة لأنها ليست له وأن يسقط قرار منعه من السفر ليتمكن من العودة إلى أبرشيته. وهو متمسك باستكمال الرسالة التي يقوم بها ومؤمن بأن الحق سينتصر في النهاية، وبأن هذه القضية ستنتهي.
خارج هذا السياق لم يطرأ أي جديد في موضوع تأليف الحكومة حيث لا تزال العقدة في عدم طلب الرئيس المكلف نجيب ميقاتي موعداً لزيارة القصر الجمهوري وفي عدم تحديد القصر الجمهوري موعداً للرئيس المكلف من دون وجود حركة وسطاء بين الطرفين أو أي مبادرة، وكأن هناك تسليماً بأن هذه الحكومة الجديدة لن تولد. وفي ظل هذا الفراغ كانت أمس تسريبة حول احتمال أن يقوم الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بزيارة لبنان حاملاً ردوداً إسرائيلية بينما كانت الخارجية الأميركية أعلنت أن لا موعد محدداً لزيارته. ومن هنا تبدو الأنظار متجهة أكثر نحو التركيز على الإستحقاق الرئاسي ولا يمكن النظر إلى الهجمة على البطريرك الماروني من خلال المطران موسى الحاج إلا ضمن هذا السياق من أجل كسر هيبة بكركي، التي أعلنت سقف المواصفات الرئاسية واستقبلت أمس رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية في إطلالة أولى على رئاسة الجمهورية من مقر رئاسة الطائفة.