على بُعد أيام من الزيارة الجديدة المرتقبة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت نهاية الأسبوع الجاري حاملاً الأجوبة الإسرائيلية على الطرح اللبناني لترسيم الحدود البحرية، أعاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ترسيم “خط النار” الحدودي وتجديد الجهوزية العسكرية لخوض الحرب مع إسرائيل، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق يشمل الترسيم وضمان السماح للشركات الأجنبية باستخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية، منبهاً إلى أنّ المهلة الزمنية للتوصل إلى هذا الاتفاق “ليست مفتوحة” بل يجب أن تسبق حلول أيلول المقبل.
وانطلاقاً من قناعته بأنّ الفرصة المتاحة “الآن الآن وليس غداً” هي فرصة ذهبية أمام لبنان لاستخراج نفطه وغازه نظراً لحاجة الغرب إلى غاز بديل عن الغاز الروسي، بموازاة عدم وجود رغبة غربية بحصول حرب كبرى في المنطقة، حرص نصرالله على تأطير إطلالته “شكلاً ومضموناً” عبر قناة “الميادين” ضمن إطار يغلب عليه طابع العزم جدياً على اعتماد خيار الحرب، فأطلّ وإلى جانبه “أحد أجنحة الصاروخ الذي استهدف سفينة ساعر” الإسرائيلية في بداية حرب تموز 2006، ليؤكد في مضمون رسائله أنّ “حزب الله” وضع قائمة بإحداثيات الأهداف التي سيقصفها في الحرب الجديدة تتجاوز معادلة “كاريش مقابل قانا” وتضع “كل حقول النفط والغاز” الموجودة على الشواطئ والسواحل الاسرائيلية في “دائرة التهديد”، مشدداً على أنّه “لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو البرّ لا تطاله صواريخنا الدقيقة (…) ومن يعتبر “حزب الله” كذاباً فليلحقوا الكذّاب لباب الدار”، مع التلويح في حال اندلاع الحرب بأنه “ليس معلوماً ما إذا كانت ستبقى بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي… فهل ستتوسع على مستوى المنطقة؟ وهل ستدخل فيها قوى إقليمية أخرى؟ هذا وارد جداً”.
أما في ما يتصل بقضية المطران موسى الحاج، فسخر نصرالله من اتهام “حزب الله” بالوقوف خلف توقيفه ووضع القضية ضمن سياق عمل الأجهزة الأمنية في “ملاحقة شبكات التعامل مع إٍسرائيل” وقال: “نحن أخذنا علماً كما كل اللبنانيين بوجود مشكلة إسمها المطران فلان الفلاني”، مضيفاً في معرض تعليقه على مشهد الديمان الاحتجاجي: “هذه الحادثة تستخدم للتجييش الطائفي والمذهبي وأنا “صرت إضحك” عندما شاهدتهم يرددون شعارات “حزب الله” إرهابي” في باحة الصرح البطريركي. ورداً على سؤال أجاب: “ما فينا نتسامح في موضوع إسرائيل مع احترامي للبطريركية، إذا كان المطران الحاج يريد متابعة أحوال رعاياه في الأراضي الفلسطينية فليذهب إلى عمّان ومن هناك يذهب إلى أينما يريد أما أن يبقى “رايح طالع حامل 20 شنطة مليانة فلوس” عبر الحدود اللبنانية فهذا يخالف القانون”.
وأمس برز ما كشفه المطران الحاج أمام الرابطة المارونية أنّ ما تعرض له عند نقطة الناقورة الحدودية “كان متعمّدا وليس عرضياً” وأنها “ليست المرة الأولى التي يجري التضييق فيها” عليه لدى دخوله لبنان، بينما على الضفة المقابلة لفتت الانتباه محاولة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم تسخيف قضية توقيف النائب البطريركي وتفتيشه ومصادرة هاتفه والمساعدات المالية والدوائية الانسانية التي كانت بحوزته على اعتبار أنه “إذا مرّ والدي على الحاجز أو المعبر فسنقوم بواجبنا”، حتى كاد يحمّل المطران الحاج نفسه مسؤولية إطالة مدة احتجازه لأنه “كان لديه 20 حقيبة سفر استغرق تفتيشها 8 ساعات”.
لكن وبغض النظر عما تشيعه السلطة من “حجج وقرائن” لتبرير معاملة مطران تابع لأكبر الكنائس في لبنان “كلصّ قُبض عليه بالجرم المشهود وتوقيفه واقتياده إلى التحقيق”، دقّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ناقوس الخطر أمس أمام الرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، فحذر من وجود “نوايا سياسية كبيرة للمجموعة الحاكمة، “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وحلفائهما، هدفها وضع اليد على البلد بأشكال مختلفة”، واضعاً ما تعرّض له المطران الحاج ضمن هذا السياق، لا سيما وأن السبب الرئيسي وراءه كان “إيصال رسالة لبكركي بأن مواقفها السياسية غير مقبولة”.
وإذ أسف لعدم تحمّل رئيس الجمهورية ميشال عون مسؤولياته حيال ما تعرض له أحد مطارنة الكنيسة المارونية بذريعة أنه “خارج عن صلاحياته” في حين أنه لا يتوانى عن التدخل في “إيصال آخر موظف إذا رغب في تعيينه”، رفع جعجع منسوب التحدي والمواجهة مع “مفوّض الممانعة” لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي بوصفه “خائناً ومن خلفه خونة أكثر منه”، مجدداً المطالبة بكف يده وإحالته إلى التفتيش القضائي على خلفية مخالفاته المتكررة للقوانين.
وأمام تفاعل معركة “تطويع” بكركي وتعاظم تداعياتها على المستويين الكنسي والمسيحي، رأت مصادر معنية بهذه المعركة أنّ ما يجري عملياً يندرج ضمن إطار “خطة محكمة يقودها “حزب الله” لتطويق البطريرك الماروني بشارة الراعي شخصياً في محاولة لثنيه عن اتخاذ المواقف السيادية والحيادية الوطنية، وذلك بالتوازي مع السعي إلى عزل الكنيسة المارونية عن امتداداتها الكنسية والرعوية في سائر المشرق ودفعها إلى التقوقع ضمن الحدود الجغرافية اللبنانية”، مستغربةً في المقابل “موقف “التيار الوطني الحر” الذي لطالما رفع لواء تمثيله مسيحيي لبنان والمشرق” وتخاذله الواضح والصريح في التصدي للهجمة الممنهجة التي تتعرض لها الكنيسة والالتحاق بدلاً من ذلك بـ”أبرشية الممانعة” وأجندتها الواضحة في استهداف بكركي”.