في غياب الاهتمامات الرسمية بمتابعة الملفات الاساسية التي تساهم في وقف الاذلال اليومي للبنانيين، تتوالد الازمات السياسية والوطنية، المفتعلة في اغلبها، فتخاض «حروب» الانتهازية، وتستنفر المنابر، وتنقسم البلاد، وتتوزع اتهامات الخيانة يمينا ويسارا، ويصبح كل شيء كالعادة وجهة نظر، لتنتهي الامور بعد عدة ايام «بلفلفة» الملفات وضبضبتها على «الطريقة» اللبنانية المعتادة. وهو ما يرجح ان يحصل في ملف المطران موسى الحاج الذي سينضم الى ملف احداث الطيونة، وجريمة المرفأ، وغيرها من القضايا الخلافية التي لا يصل فيها احد الى اي نتيجة مرجوة، الا ابراز انقسام اللبنانيين وخلافاتهم الطائفية المقيتة على كل شيء.
في هذا الوقت يحاول البعض ملء الفراغ بالتعلق بآمال غير واقعية لحل من الخارج، مع العلم ان لبنان ليس بعد على «طاولة» احد. فبعد سقوط الرهان على زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة، والقمة «الثلاثية» في طهران، تتجه الانظار الى لقاء سعودي- ايراني علني مرتقب، وزيارة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى باريس. ولان لا شيء محسوم داخليا وخارجيا تتواصل المناورات الرئاسية من المرشحين الطبيعيين والمفترضين، في الوقت «بدل عن ضائع»، واذا كان الجميع يستكشف حظوظه قبل ساعات الحسم، علمت «الديار» ان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل يتمسك راهنا «بمعادلة» مفادها: «اذا كنتُ خارج السباق، فكل «الاقوياء» إذاً يجب ان يكونوا خارجه»…
وحتى تنقشع «الغيوم» الداكنة، يبدو ان سكان بيروت المنكوبة بانفجار المرفأ على موعد مع «غيمة» غبار مقلقة، بعد فشل الجهات المعنية بايجاد مخرج مناسب للاهراءات المهددة بالسقوط، وسط تحذير من وزارتي البيئة والصحة من تداعيات صحية توجب اتخاذ اجراءات وقائية ستربك حياة سكان المنطقة المحاذية وتجعلهم في قلق مستمر، فوفقا للتوصيات، اذا انهارت الاهراءات» أغلقوا النوافذ والابواب وارتدوا الكمامات..!
من اين التفاؤل اللبناني؟
وفي ملف «الترسيم»، وبانتظار عودة «الوسيط» الاميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت، لا احد يملك معلومات حاسمة بما سيحمله، واذا كان لبنان ينتظر اجوبة حاسمة لتظهير الحل المفترض، شككت «اسرائيل» بتفاؤل لبنان الرسمي حول ملف «ترسيم» الحدود البحرية، وقالت صحيفة «هارتس»: «لا نعرف في اسرائيل من اين جاء كلام الرئيس اللبناني ميشال عون بأن اتفاق ترسيم الحدود يتقدم بشكل جيد، وكيف تنبأ وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، بتوقيع الاتفاق في أيلول». واضافت «تصعب معرفة على ماذا تستند هذه التقديرات المتفائلة في الوقت الذي لم يتسلم فيه لبنان بعد جواب إسرائيل على خارطة الحدود التي طرحها».
«فخ» التطبيع!
ووفقا لمصادر مطلعة، فان جميع الاطراف تحتاج الى «مخرج»، واذا لم يحمل هوكشتاين معه الموافقة «الاسرائيلية» على الطرح اللبناني بالحصول على خط الـ23 وحقل قانا كاملا، فان ثمة احتمالين:
– الاول : العودة الى مفاوضات الناقورة غير المباشرة، لكن دون ذلك عقبات تتعلق باحتمال حصول مماطلة محفوفة بالمخاطر.
– اما الاحتمال الثاني المفخخ ، فتروج له السفارة الاميركية في بيروت وهو يقوم على «اغراء لبنان باستخراج الغاز في وقت قياسي، عبر الاستفادة من البنية التحتية «الاسرائيلية» للتصدير، والتي اقامتها شركة «انرجين» التي تعمل في حقل «كاريش»، وهذا شكل غير مباشر «للتطبيع» الذي يرفضه لبنان على نحو كامل.
كيف نمنع «رياح الحرب»؟
من جهتها انشغلت بعض الاوساط «الاسرائيلية» بالاجابة عن سؤال جوهري حول كيفية منع «رياح الحرب القادمة من الشمال»، مع مخاوف متصاعدة من «مفاجآت» حزب الله. وفي هذا السياق، اكدت صحيفة «اسرائيل اليوم»ان «الخلاف حول الترسيم يمكن حله بسهولة نسبية، لكن الحديث يدور عن لبنان، دولة فاشلة يتحكم بها سياسيون فاسدون، كل همهم جني المكاسب لجيوبهم، ولتذهب الدولة الى الجحيم». ولذلك لا يتبقى امل برأي الصحيفة «الا أن يصحو الأميركيون ويوضحوا للبنانيين بان لبنان سيصبح «منبوذاً» مثل سوريا أو روسيا، لكن ثمة شكاً في الاعتماد عليهم بهذا الشأن؛ إذ إنهم لا يزالون يؤمنون بأن لبنان وحزب الله ليسا الأمر ذاته. وكبديل، يمكن الأمل في أن يعمد شركاء نصر الله وحلفاؤه وأبناء طائفته للوقوف في وجهه في اللحظة الأخيرة. لكن هذا لم يحصل في الماضي ولن يحصل هذه المرة أيضاً».
«الكرة» في ملعب «اسرائيل»؟
«الكرة» إذن في ملعب «إسرائيل». وللحقيقة، تقول الصحيفة، إذا كانت لا تعتزم الصدام مع حزب الله فمن الأفضل أن تتخلى عن المواجهة مسبقاً. فالهجمات مهما كانت دقيقة على مدى بضعة أيام قتالية ضد مواقع إطلاق النار وورشات ومعسكرات التدريب، لن تغير شيئاً. مثل هذه الهجمات لا توقف نار الصواريخ، وفي نهاية المطاف تترك النصر، في الوعي على الأقل، لدى الطرف الآخر. فالمس بـ «تل ابيب» مثلا لا تساوي في الوعي وبالصورة ألف إصابة لمنصات إطلاق الصواريخ أو مخازن السلاح. واملت الصحيفة بأن تستعد «إسرائيل» بما يتناسب مع ذلك، كي لا يتكرر مرة جديدة السلوك الفاشل للقيادة السياسية والعسكرية في حرب لبنان الثانية.
الاستعداد للمفاجآت
بدورها، اكدت صحيفة «معاريف» ان «الجيش الإسرائيلي» ملزم بافتراض السيناريو الأخطر لمفاجأة أساسية والاستعداد لها. وتخوفت الصحيفة من السيناريو الاكثر قتامة وقالت: لم تشهد «إسرائيل» احتلال بلدة بسكانها منذ «حرب الاستقلال». مشكوك أن يكون المجتمع «الإسرائيلي» اليوم قادراً على احتواء مثل هذا الحدث الذي يسيطر فيه حزب الله على بلدة على مدى بضعة أيام، وعندما يخرج يأخذ معه بضعة مواطنين أسرى. هذا حدث سيتسبب بندبة عميقة في «العقلية الإسرائيلية»، لا يمكن لأي ضربة نار أو مناورة هجومية تأتي بعده أن تنجح في محوها. وخلصت الصحيفة الى القول» بينما نبني نحن خياراً هجومياً حيال إيران، مهم بقدر لا يقل تعزيز القدرة الدفاعية. عندما نرى الحجم وخبرة القوة التي يبنيها حزب الله في الشمال، نحن ملزمون بالاستعداد لحالة يفاجئنا بها. لقد سبق لحزب الله أن فاجأنا غير مرة – بالاختطاف في «هار دوف» في 2000، وفي الاختطاف في 2006 – فرضية العمل يجب أن تبنى على أنه قد يفاجئنا مرة أخرى».
لا حرب قريباً
لكن روني شاكيد، الباحث في الجامعة العبرية، يقول ان المبعوث الأميركي للوساطة بين «إسرائيل» ولبنان، سيعود في الأسبوع المقبل، وعندها سنرى ما إذا كان هناك اتفاق، لكن الثابتة الوحيدة المؤكدة انه لا «إسرائيل» ولا الحكومة اللبنانية ولا حزب الله، يريدون التصعيد العسكري. ولهذا لن تقع حرب بين «إسرائيل» ولبنان قريبا.!
«تجاذبات» في ملف المطران
في هذا الوقت، لا تزال قضية المطران موسى الحاج موضع تجاذبات في ظل تمسك بكركي وداعميها بالتصعيد، مقابل تمسك مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي وداعميه بموقفهم، والمفارقة ان هذه القضية لم تغب عن اهتمام الاعلام في «اسرائيل» الذي يستفيد طبعا من الانقسام الطائفي في لبنان، فصحيفة «هارتس» لفتت الى أن الضغط السياسي فعل فعله في قضية المطران، وربما سيتم حفظ الملف أو نسيانه. وربما يختفي الملف، ولكن التوتر الطائفي الذي أثاره سيتواصل صداه وسيخلق استثمارا سياسياً لدى اكثر من طرف.
من جهتها، لا تزال بكركي على موقفها لجهة التمسك باعادة الاعتبار للمطران عبر احالة القاضي عقيقي للتفتيش وكف يده، فضلا عن اعادة كل ما كان يحمله معه من اغراض مصادرة تعتبرها «امانات» يجب اعادتها لاصحابها. وفي تصعيد واضح، اشارت اوساط كنسية الى ان المطران سيعود الى «الاراضي المقدسة» حين يحين موعدها ولن يقف عند اي قرار قضائي يمنعه من ذلك.
عقيقي لا يتراجع
في المقابل، ابلغ القاضي عقيقي محامي المطران الحاج انه لم يخالف اي قواعد قانونية، وهو يطبق قانون مقاطعة «اسرائيل»، رافضا اعادة المقتنيات الخاصة به «راهنا» لانها لا تزال قيد التدقيق، وهي اصلا لا تعود الى الكنيسة. ووفقا لاوساط مطلعة، لن يتوسع عقيقي في ملاحقة المطران بعد الضجة التي تسود في البلد، بينما تمارس بعض الجهات ضغوطا على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات لسحب الملف من القاضي عقيقي لتخفيف التوتر، فيما لم يتدخل مجلس القضاء الاعلى في الملف حتى الآن.
جعجع يواصل التصعيد
من جهته، واصل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تصعيده في الملف، وقال: أنّ ما حصل في موضوع المطران الحاج غير مقبول بكلّ المقاييس، بغضّ النظر عن كلّ الحجج والقرائن التي صيغت، معتبراً أنّه انتهكت فيها كلّ أصول اللياقة والتعاطي مع المرجعيات الدينية، والسبب الرئيس وراء هذا التصرّف إيصال رسالة إلى بكركي أنّ مواقفها السياسية غير مقبولة. وبعد ان وصفه بالخائن، رأى جعجع أنّ القاضي فادي عقيقي قام بمخالفة كبيرة والجميع تنصّل من المسؤولية، لذلك يجب تحويل عقيقي إلى التفتيش القضائي لأنّه مفوّض قوى الممانعة وليس المحكمة العسكرية،حسب تعبير رئيس «القوات».
لا علاقة للامن العام
في المقابل، جدد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم نفي اي علاقة للامن العام بقضية المطران الحاج، وقال انه يكن كل الاحترام للبطريرك الراعي، ولكن كرئيس جهاز من ضمن مهامه متابعة حركة الدخول والخروج على الحدود وما يتبعها من تفاصيل، فمن ضمن عملي ايضاً تنفيذ اي اشارة قضائية..واذا كان هناك اي التباس فالجهة التي يتم مراجعتها هي القضاء وليست اي جهة امنية، نافيا تعرض المطران لاي اساءة وقال:» كان لديه 20 حقيبة لذا اخذ تفتيشها 8ساعات، وكل ما صادرناه اصبح بتصرف القضاء..ولا علاقة لي ولمديرية الامن العام بالحسابات السياسية.
لا مؤشرات خارجية
وفيما يغيب اي حديث عن لقاء ثالث مرتقب بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وسط انقطاع التواصل بينهما حول تشكيل الحكومة الجديدة، تستمر «المناورات» الرئاسية بين المرشحين المفترضين لرئاسة قبل نحو مائة يوم على نهاية ولاية العهد، وفيما تغيب الضمانات باجراء الاستحقاق في موعده، يستمر التعويل على اتفاق خارجي يعيد لبنان الى دائرة الاهتمام الاقليمي والدولي، وفيما يعول البعض على لقاء علني رفيع المستوى بين السعودية وايران، لا ترى مصادر سياسية بارزة وجود اي مؤشرات على حصول قواسم مشتركة قريبا حول الملف اللبناني، لانه ليس ضمن الاولويات، ولهذا لن تحصل اي حلحلة مفترضة ايضا عقب زيارة ولي العهد السعودي الى باريس قريبا. وكل ما يصل من «رسائل» الى بيروت وخصوصا من باريس هو تشديد على ضرورة اجراء الاستحقاق في موعده الدستوري.
باسيل «والسباق» الرئاسي
وفي الانتظار، لا شيء محسوما داخليا لان معظم القوى لا تريد التفريط «باوراقها الرابحة»، ولهذا تستمر التسريبات الخاصة بالاستحقاق، وفي هذا السياق، نقل زوار رئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل عنه التأكيد ان احدا لا يمكنه تجاوز حقيقة انه يترأس أكبر كتلة نيابية مسيحية، ولهذا لا يزال مرشحا طبيعيا للرئاسة، وكل من يقول عكس ذلك لا يستند الى اي معطى واقعي، فاذا كان الأقوى في طائفته هو من يتولى رئاسة الجمهورية، فهذا واضح ولا يحتاج الى كثير من النقاش، اما اذا كان ثمة «تسوية» تقوم على استبعاد المرشحين الطبيعيين او من يمتلكون تمثيلا حقيقيا، فهذا يعني ان كل مرشح طبيعي سيكون خارج السباق وليس فقط «انا» يقول باسيل الذي يشير الى انه» اذا كنتُ انا خارج السباق فهذا ينطبق على الجميع اي كل الاقوياء خارجه»، اي كل المرشحين الطبيعيين وعندها نبحث عن رئيس تسوية، لان التجربة علمتنا انه لا توجد اي ضمانات ولا احد يحترم اي تفاهم. ويصر رئيس «تكتل لبنان القوي» على اعتبار نفسه اساسيا في «صناعة» الرئيس المقبل في حال لم يكن في السباق!
شلل القطاع العام
في هذا الوقت، لم يتصاعد «الدخان الابيض» من السراي الحكومي في ملف اضراب موظفي القطاع العام، حيث يستمر الشلل على حاله بانتظار اجتماع جديد يوم الاربعاء. فقد ترأس رئيس حكومة تصريف الاعمال ميقاتي اجتماع اللجنة الوزارية لمعالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام ظهرا. ودرس خلال الاجتماعات عدة اقتراحات وتوصيات، لكن وزير المالية طلب التريث في بتّها الى حين دراسة كلفتها وانعكاساتها المالية، ولذلك اتفق على الاجتماع مجددا ظهر يوم غد لاتخاذ القرار النهائي…
لماذا الاضراب مستمر؟
ووفقا للصيغة الاولية، فان موظّفي القطاع العام سيحصلون على راتب ومنحة تعادل الراتب وبدل نقل ٩٥٠٠٠ ليرة وبدل إنتاج يومي تتراوح قيمته بين ١٥٠ ألف ليرة و٣٠٠ ألف ليرة مقابل حضور ٣ أيام على الاقل أسبوعيّاً. لكن رئيسة رابطة موظّفي الإدارة العامة نوال نصر اعلنت أن «الزيادة التي يتمّ الحديث عنها هي مساعدة، و85% من الموظفين يحصلون منها على مليونَيْ ليرة وأضافوا إليها ما يسمى براتب تحفيزي وهو فعلياً جزء من بدل النقل». ولفتت نصر إلى أن «الموظفين الذين خسروا 95% من رواتبهم يحصلون الآن في هذه المساعدة على ما بين 2 أو 5% إضافية ونصف بدل النقل ولمدة شهرين فقط». وشددت على أن «الإضراب مستمرّ إلى أن تزول أسبابه أو إلى أن نلمس جدية بإزالة أسبابه وهذا غير متوافر حتى الآن».