كتبت صحيفة “النهار” تقول: مع ان الاستحقاقات الداخلية في لبنان تكفي وحدها لابقائه متقلباً على جمر انتظار مساراتها الدستورية والسياسية والاجتماعية، زادت المواجهة العسكرية الجارية في غزة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي على هذه الاستحقاقات، همّ القلق من تداعيات محتملة للمواجهة على الساحة اللبنانية. وإذا كان مستبعدا تمدد المواجهة ميدانيا الى الجنوب اللبناني، خصوصا مع بروز احتمال وقف المواجهة بهدنة جرى العمل عليها بكثافة، فان ذلك لم يحجب تأثيرات أخرى مرجحة من بينها إقليميا وتيرة الزخم الذي يطبع ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في ظل المعطيات الإسرائيلية الانتخابية التي برزت من خلال مواجهة غزة. واما على الصعيد الداخلي، فلا يمكن تجاهل الأثر السلبي التصاعدي للنبرة التهديدية التي يتعالى عبرها خطاب “حزب الله” أخيرا بما ينذر بمزيد من مناخات محتقنة تظلل الاستحقاقات الداخلية.
والحال ان الاجواء الإيجابية التي كانت طبعت جولة الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين الاخيرة، بدت امام شكوك متجددة باعتبار أن الوصول إلى تفاهم أو تسوية انطلاقاً من الطلب اللبناني بالخط 23 وحقل قانا كاملاً لا يزال غير متاح، إذ أن إسرائيل لم توافق على طلب لبنان حتى الآن. وهذا التعقيد يحتاج إذا جرى التوصل إلى تهدئة في غزة، إلى مزيد من الجولات المكوكية للوسيط الأميركي لمعالجة عدد من النقاط على المستوى التقني، وربما يبدأ هوكشتاين من نقاط جديدة، إذا حدثت تطورات على مختلف الجبهات مع إسرائيل، وإن كان الأميركيون يضغطون لمنع الحرب أو التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل والذي ينعكس على المنطقة. وقد أظهرت التطورات في غزة أن الحكومة الاسرائيلية ربما تحاول التأجيل أو حتى الهروب من استحقاقات ضاغطة عليها الى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية . فبعد قرارها إرجاء استخراج الغاز من حقل كاريش، قد تتسبب الحرب في غزة باستبعاد البحث في ملف الترسيم، ولكن لا يبدو أن اسرائيل تريد تصعيداً مع لبنان .
كل هذا اثار مزيدا من الغموض والقلق حيال المواجهة الناشبة في غزة، علما ان ما زاد القلق في هذا السياق هو امعان ايران في توظيف هذه التطورات لرفع سقف التصعيد من خلال اظهار “حزب الله” بانه الذراع العسكرية الجاهزة لاشعال مواجهة مع إسرائيل، في حين لم تقصر أصوات مسؤولي “حزب الله” ومواقفهم في ترسيخ صورة المغامرة بلبنان مجددا لحسابات ارتباطهم الكامل بتوجهات الحرس الثوري الإيراني. ولعل الأسوأ في هذا السياق ان يمر كلام إيراني مستبيح للسيادة اللبنانية بهذا الشكل، من دون ان يجد مسؤولا رسميا واحدا يتصدى له او يرد عليه كما في كل مرة يتنطح فيها مسؤولون إيرانيون بمواقف تسخر تبعية “حزب الله” لطهران باستباحة تستسلم لها السلطة اللبنانية على طريقة طمر الرؤوس في الرمال.
وتزامن ذلك مع اقحام ايران لنفوذها في لبنان في معترك هذه التطورات، اذ ان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي العميد إسماعيل قاآني، اعلن أن “حزب الله يخطط لتوجيه آخر ضربة للكيان الصهيوني وإزالته من الوجود في الوقت المناسب”، معتبراً أن “أمن إسرائيل آخذ في التراجع ولن نتوقف عن القتال في ميادين المقاومة وسنواصل الصمود” مضيفاً: “نخطط للتعامل مع جرائم أميركا والكيان الصهيوني وسنرد عليها بشكل حاسم في الوقت المناسب”.
وفيما اندفع مسؤولون ونواب في “حزب الله” في الأيام الأخيرة بخطاب هو اشبه بحملة “تخوين ناعمة” لمعظم خصومه اللبنانيين ذهب نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم بعيدا في خطاب تهويلي على من وصفهم بـ”الشركاء” في الوطن من دون أي تمييز. وعزا المراقبون تصعيد هذه النبرة التهويلية الى ملاقاة “حزب الله” الشهادات التي تعاقبت عليه من قادة الحرس الثوري الإيراني في الأيام الأخيرة لتوظيف الساحة اللبنانية واستحقاقاتها لحساب الأهداف الإقليمية الإيرانية.
“كبيرة عليكم”
ففي كلمة له في مجلس عاشورائي قال قاسم “إن أحد لم يتمكن من تفكيك ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ولم تنجح عقوبات أميركا وحصارها في احداث الفتن وتعطيل قوة لبنان، ولم يتمكنوا من إثارة القلاقل بين الشعب والمقاومة، وقد كانوا يمّنون النفس ان يغيروا المعادلة بضغوط الشارع بتقريب الانتخابات النيابية وبتقريب الانتخابات الرئاسية، ولم يتمكنوا من ذلك، وتطلعّوا للإنتخابات النيابية على أنها الحل لكنهم صدموا وجاءت الانتخابات لتؤكد مكانة المقاومة وانتصار المقاومة وحلفاء المقاومة من الشعب اللبناني”. وتوجّه قاسم إلى من وصفهم ب”شركاء الوطن” قائلا” اذا كنتم تقبلون باسرائيل على أن لا يكون التحرير بيد حزب الله فكبيرة عليكم، لأننا شركاء في مركب واحد، وهذا وطن للجميع، ولن نسمح لاحقادكم غير المبررة ان تغرق سفينة الوطن، وما حدا يعطينا نظريات ويقول هذا وطننا، هذا وطنك ووطننا بنفس الوقت، وهذا مركب واحد لنا ولكم، اذا أردتم اغراقه نحن لا نقبل، وسنعمل من أجل أن نحميه لنا ولكم ولاطفالنا ولاطفالكم اعجبكم ذلك ام لم يعجبكم، على كل حال اللي طالع بايدكم اعملوه”.
لا حكومة ولا رئاسة!
في المقابل بدا واضحا ان الجولة الأخيرة من السجالات الحادة والعنيفة التي تبادلها “التيار الوطني الحر” ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي سترخي مزيدا من الجمود التام على مجمل المشهد السياسي الداخلي بحيث لن يبقى أي حيز بعد الان من الاهتمامات السياسية الا للاستحقاق الرئاسي. ولوحظ ان ثمة حملة بدأت تتصاعد من شخصيات ومراجع سنية للرد على “التيار” انطلاقا من اعتبار هجماته الشخصية والسياسية على ميقاتي استهدافا لموقع رئاسة الحكومة .
ووسط هذا المناخ التصعيدي اطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشار بطرس الراعي مواقف بارزة جديدة امس اذ تساءل :”أليس انقسام السلطة السياسية في لبنان، وانشطار الأحزاب عموديا وأفقيا، هما في أساس الإنحلال السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي والمعيشي؟ إن جرحا بليغا يصيبنا في الصميم، وكل الشعب اللبناني، فيما نشهد بألم وغضب اندلاع حملات إعلامية قبيحة بين مرجعيات وقوى سياسية مختلفة في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى الهدوء والتعاون. فإن من شأن هذه الحملات أن تخلق أجواء متوترة تؤثر سلبا على نفسية المواطنين الصامدين رغم الصعوبات، وعلى الاستقرار والاقتصاد والمال والإصلاحات، وعلى الاستحقاقين الدستوريين: تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهلة الدستورية”. وقال: “لو كانت النيات سليمة وصادقة لكان بالإمكان معالجة أي خلاف سياسي بالحوار الأخلاقي وبالحكمة وبروح بناءة بعيدا من التجريح والإساءات الشخصية. لكن ما نلمسه هو أن الهدف من هذه الحملات هو طي مشروع تشكيل حكومة والإلتفاف على إجراء الانتخابات الرئاسية بفذلكات دستورية وقانونية لا تحمد عقباها. لكن اللبنانيين ذوي الإرادة الحسنة، والمجتمعين العربي والدولي مصممون على مواجهة هذه المحاولات الهدامة وتأمين حصول إنتخاب رئيس جديد بمستوى التحديات ومشروع الإنقاذ. ومع إدراكنا كل الصعوبات المحيطة بعملية تشكيل حكومة جديدة، فهذه الصعوبات يجب أن تكون حافزا يدفع بالرئيس المكلف إلى تجديد مساعيه لتأليف حكومة ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية شرط أن تكون التشكيلة الجديدة وطنية وجامعة ومتوازنة… من المعيب أن تبذل السلطة جهودا للاتفاق مع إسرائيل على الحدود البحرية وتنكفئ في المقابل عن تشكيل حكومة؟ فهل صار أسهل عليها الاتفاق مع إسرائيل من الاتفاق على حكومة بين اللبنانيين؟”.
على صعيد اخر قرر امس مجلس ادارة جمعية المصارف تنفيذ الاضراب الذي قررته الجمعية ليوم واحد اليوم الاثنين على أن تبحث الجمعية العمومية الاربعاء المقبل كل مشاكل القطاع وتعلن قراراتها في هذا الشأن علما ان غدا الثلثاء هو يوم عطلة لمناسبة ذكرى عاشوراء بحيث تقفل المصارف أيضا .