اذا كان لقاء كليمنصو الذي جمع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والوفد الرفيع المستوى ل”حزب الله” استحوذ على الاهتمامات السياسية لجهة دلالاته وابعاده وما يؤسس له لاحقا، فان هذا التطور على أهميته لم يرق الى مستوى الخطورة العالية التي ارتسمت بإزاء “عملية الحمراء” التي قام بها مودع مسلح فاتحا على الغارب ازمة الودائع بكل توهجها ماليا واجتماعيا وامنيا. ذلك ان تحصيل الحقوق في “الودائع الرهائن” لدى المصارف بقوة السلاح بدا اخطر الإنذارات اطلاقا الى التداعيات المتفاعلة لازمة الودائع التي لا تزال الدولة والحكومة ومجلس النواب والمصارف ومصرف لبنان سواء بسواء يتصرفون بإزاء تفاعلاتها وتداعياتها المدمرة باستهانة وتاخير قاتلين، بحجج وذرائع لم تعد تقنع أحدا ولا تحمي من غائلة سلوكيات عنفية كتلك التي اتبعها المودع المسلح الذي عاشت الحمراء على اعصابها طوال نهار امس مترقبة نهاية غير دراماتيكية لعملية الاطباق المسلح على المصرف. ولم يكن اخطر من العملية بذاتها سوى التعاطف الشعبي مع المودع المسلح بما يكشف عمق المعاناة التي يكابدها اللبنانيون منذ بدء الازمة المالية وأزمة الودائع المرتهنة لدى المصارف. جرس الإنذار المتقدم هذا في الحمراء فجر ازمة احتجاز اموال الناس في المصارف على شكل احتجاز مواطن الموظفين والزبائن داخل مصرف فيدرال بنك، بقوة السلاح، حيث طالب المودع المسلح بالحصول على 200 الف دولار من امواله. وهدد المودع بسام الحاج حسين الذي حمل معه مادة البنزين، بإشعال نفسه وقتل مَن في المصرف، وقد شهر سلاحه في وجه مدير الفرع. ورفض المودع المسلّح مبلغ 10 آلاف دولار عرضه عليه المصرف، بحسب ما افاد احد المفاوضين. واذ حضرت عناصر من القوى الأمنية والجيش الى المكان، تجمع ايضا عدد من المودعين في الخارج دعما للحاج حسين.
وجرت مفاوضات لاحقا مع المودع المسلّح لتسليمه مبلغ 30 ألف دولار من وديعته، إلا أنّه رفض مصرًا على استرداد وديعته كاملة. وبعد مفاوضات شاقة، تمكنت القوى الأمنية من إخراج المودع المسلح من المصرف بعد الاتفاق على إعطاء شقيقه 35 الف دولار من اصل وديعته البالغ قيمتها 209 آلاف دولار وتسليم نفسه .
واخرج الموظفون المحتجزون من المصرف تباعا. وقام المودعون المتظاهرون أمام المصرف برشق القوى الأمنية بعبوات المياه بالتزامن مع إخراج المحتجزين.
وقد حمّلت جمعية المودعين مسؤولية ما حصل لأصحاب المصارف والحكومة ومجلس النواب ومصرف لبنان مجتمعين محذرة من ان “سرقة جنى عمرنا ستؤدي الى مزيد من ردات الفعل“.
لقاء كليمنصو
اما في المشهد السياسي فبرز لقاء كليمنصو كتطور يرصده الوسط السياسي لجهة احتمالات تأثيره على ملف الاستحقاق الرئاسي في المقام الأول . وقد استقبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو وفد “حزب الله” الذي ضم المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل ومسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا، في حضور عضو كتلة “اللقاء الديمقراطي” النائب وائل أبو فاعور، والوزير السابق غازي العريضي.
وأشار خليل بعد اللقاء الى أن “هناك أموراً في السياسة نختلف عليها وهذا لا يفسد في الود قضية وهذا لا يمنع الفرقاء جميعاً من الوقوف على حل وهناك مساحة مشتركة اللبنانيون قادرون على النقاش فيها”. وأضاف ان جنبلاط ” أبدى وجهة نظره حول ملف ترسيم الحدود البحرية ونأخذها بعين الاعتبار وعرّجنا على غالبية الاستحقاقات السياسية لكننا لم ندخل في التفاصيل“.
وقال “نتمنى التوصّل إلى مرحلة يكون رئيس الجمهورية فيها جزءًا من إنقاذ البلد وهذا التلاقي ضروري” وقال ان “الخلاف كبير في السياسة والفهم والاستراتيجية بيننا وبين “القوات اللبنانية ” ولكن ما يجمعنا مع وليد بيك يختلف عن القوات“.
من جهته، قال جنبلاط “اللقاء كان ودياً وصريحاً وتركنا جانباً النقاط الخلافية وتحدثنا حول النقاط التي يمكن معالجتها بشكل مشترك في الاقتصاد والإنماء وهذه فرصة والحوار سيستكمَل للوصول إلى حد أدنى من التوافق على أمور بديهية تهم المواطن” .
في انتظار هوكشتاين
وسط هذه الأجواء حضرت قضية ترسيم الحدود البحرية في لقاء رئيس الجمهوية العماد ميشال عون ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي اعلن اثر اللقاء “ان الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين مستمر في جهوده، وذلك بناء على الاجتماع الاخير الذي حصل في بعبدا”، مشيرا الى ان “هوكشتاين انتقل الى اسرائيل يوم غادر بيروت ولم يعد اليها مرة ثانية، ونحن نتابع هذا الملف وعلى تواصل معه في هذا الموضوع”، لافتا الى ان “الاعتداء على قطاع غزة أخّر ملف الترسيم وليس لدينا وقت مفتوح الى ما لا نهاية وحفاظا على الاستقرار من المفترض ان تنتهي المهلة قبل ايلول“.
وفي سياق غير بعيد أعلنت قيادة “اليونيفيل” أن رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء أرولدو لاثارو ترأس امس اجتماعا ثلاثيا مع كبار ضباط الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي في موقع الأمم المتحدة في رأس الناقورة . ولفتت الى انه “في مناقشات الاجتماع الثلاثي ، ركز قائد اليونيفيل على الحوادث على طول الخط الأزرق والانتهاكات المستمرة للمجال الجوي، بالإضافة إلى التطورات والقضايا الأخرى المتعلقة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 والقرارات الأخرى ذات الصلة”. وفي سياق معالجة الحوادث على طول الخط الأزرق، حث لاثارو كلا الطرفين على “تجنب أي عمل من شأنه أن يعرض وقف الأعمال العدائية للخطر. فلا ينبغي اعتبار استقرار الخط الأزرق أمرا مفروغا منه. إن الخطاب العدائي يؤدي إلى تصعيد التوتر ويزيد من الشعور بالتوجس بين السكان المحليين”، وشجعهما على “الاستفادة الكاملة من هذا المنتدى لإيجاد حلول عملية وإيجابية كخطوة أولية تهدف إلى حل القضايا الجوهرية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 1701“.
اما التطور الإيجابي في ملف الطاقة فبرز مع اعلان المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي موافقة الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي في اجتماعها امس على الطلب الذي تقدم به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتمديد تزويد لبنان بالفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان لمدة سنة بالشروط نفسها التي كانت متبعة حتى الان.
شيا في معراب
ووسط هذه الاجواء، عرض رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركيّة في لبنان دوروثي شيا في معراب، للتطورات السياسية في لبنان والمنطقة. وبعد أن أطلعت شيا رئيس “القوّات” على المستجدات التي يشهدها ملف المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية، ناقش الطرفان ملف استجرار الطاقة من مصر، بحيث تبيّن أنّ هذا الأخير متوقفٌ اليوم عند مطلب تشكيل الهيئة الناظمة من قبل البنك الدولي، وهو أمر لم تحرز فيه الحكومة أي تقدم حتى الساعة، ممّا يحرم اللبنانيين من الكهرباء ويبقيهم في الظلمة. بدوره شدّد جعجع على ضرورة مواكبة لبنان في المرحلة الدقيقة المقبلة وضمان إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري .