كتبت صحيفة “الديار” تقول: لا ينتظر لبنان انفراجات قريبة، لا في عملية تشكيل الحكومة التي سلّم الجميع أنها لن تحصل قبل الانتخابات الرئاسية، ولا في ملف ترسيم الحدود البحرية العالق في «اسرائيل»، والمؤكد لا انفراجات في الأزمة المالية والاقتصادية التي باتت شبه مستعصية في ظل الجمود المسيطر على المفاوضات مع صندوق النقد، نتيجة الخلافات الداخلية حول مقاربة عدد من الملفات الاصلاحية وأبرزها الدولار الجمركي، الموازنة و»الكابيتال كونترول».
وباتت معظم القوى السياسية تتعاطى مع المرحلة الحالية كأنها مرحلة لتقطيع الوقت الضائع، فلا أحد يرغب بمنح العهد في أيامه الأخيرة أي نقاط يعوض بها ولو جزء بسيط من خساراته المتراكمة منذ 6 سنوات، ما يرجح بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه لجهة السير بحلول ترقيعية حتى نهاية شهر تشرين الأول المقبل، فإما تأتي الحلول سلة واحدة مع موعد الانتخابات الرئاسية أو يكون الانفجار الكبير لكل الأزمات دفعة واحدة، خاصة في ظل الشح الكبير لاحتياطات مصرف لبنان، والتي تجاوزت منذ مدة الخطوط الحمراء في ظل استمرار الصرف بغياب اي موارد مالية جدية قادرة على تغطية النفقات.
عون يرفع الصوت..وميقاتي يستعجل
ويجد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نفسه مكبّل اليدين في الاسابيع الأخيرة من عهده، خاصة وأن الخلاف مع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي قلّص اي دور قد يقوم به في عملية الانقاذ المنتظرة، لذلك ارتأى التوجه بالأمس الى قضاة لبنان مطالبا اياهم بـ»الانتفاض والتحرر الكامل من اي ترغيب وترهيب»، قائلا: «لا تهابوا ظلم اصحاب النفوذ، وواجهوا من يقيّد عدالة القضاء في المصرف المركزي وفي انفجار مرفأ بيروت». واعتبر الرئيس عون أنه «منذ 9 حزيران الماضي يتقاسم القضاة التهرب من المسؤولية في الادعاء وفق الاصول على حاكم مصرف لبنان بجرائم ماليّة خطيرة».وتابع: «من يقيّد القضاء يكون متضررا من عدالته وهو حتما صاحب نفوذ».
وترجح مصادر سياسية مطلعة أن يعمد الرئيس عون في الايام والاسابيع المقبلة لـ»رفع الصوت أكثر فأكثر وتسمية الأمور بأسمائها بعدما لم يعد هناك ما يخسره»، لافتة في تصريح لـ «الديار» الى انه «بعدما تم افشال عهده، وقد بات محسوما انه غير قادر على تأمين وصول صهره النائب جبران باسيل لخلافته في بعبدا، لم يعد هناك ما يخسره وسيلجأ لسياسة «عليي وعلى أعدائي»، وسيكون معارضا شرسا من جديد بعد انتقاله مجددا الى الرابية».
بالمقابل، ورغم ما تردد عن ان رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي أبلغ الوزراء خلال اجتماع وزاري يوم أمس، أنه سيزور الرئيس عون لبحث ملف التشكيل، رجحت مصادر مطلعة ان يقوم بذلك لـ»رفع العتب ورفع المسؤولية عنه والقول بأنه يقوم بما عليه، لكن العرقلة تتحمل مسؤوليتها بعبدا»، واوضحت المصادر في تصريح لـ «الديار» ان «اللقاء الذي عقد بالأمس ليس اجتماعا للحكومة انما لقاء تشاوريا بين الوزراء ورئيس الحكومة تم خلاله بشكل اساسي بحث ملف رفع الدولار الجمركي لأنه دون ذلك ستتعمق الأزمة المالية أكثر فأكثر». وأضافت: «الرئيس عون لا يزال عند موقفه الرافض السير بالدولار الجمركي عبر مرسوم ويدفع للسير به من ضمن الموازنة او بقانون في مجلس النواب، ويبدو ان التفاهم النهائي لم يحصل بعد حول هذا الموضوع».
الرئاسة الى حائط مسدود!
ومع اقتراب الموعد الدستوري للانتخابات الرئاسية، والتي يمكن ان تجري ما بين نهاية آب الجاري ونهاية تشرين الأول المقبل، يبدو اننا نتجه بخطوات واثقة الى فراغ طويل في سدة الرئاسة الأولى. فبعدما كان الحديث يتمحور في الاسابيع الماضية حول امكانية التفاهم على رئيس «تسووي»، باعتبار ان فريقي الصراع في لبنان مقتنعين بعدم قدرة اي منهما على تأمين فوز مرشحه، عادت الأمور الى نقطة الصفر مع تصعيد كل من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع بملف الرئاسة، رافعين السقف كثيرا. وقالت مصادر مواكبة للملف لـ «الديار» انه «بعدما كنا اقتربنا كثيرا من مرحلة طرح بعض الأسماء التي قد تشكل مخرجا للأزمة، خرج باسيل ليعلن تمسكه بالرئيس الذي يحظى بتمثيل نيابي ووزاري، وهو يعلم انها مواصفات لا تنطبق الا عليه وعلى جعجع، ليخرج الاخير قبل ساعات ليطرح انتخاب رئيس «تحدي»، وهو يعلم ان ذلك غير ممكن في ظل الاصطفافات النيابية الحالية التي لا تتيح تأمين نصاب اي جلسة لانتخاب رئيس من هذا النوع». وأشارت المصادر الى «اننا اقتربنا أكثر من أي وقت مضى من الحائط المسدود، مع صعود جعجع وباسيل الى أعلى الشجرة واستبعاد نزولهما عنها أقله في الاشهر القليلة المقبلة». وتضيف المصادر:»حتى ولو اتفق الجميع على اسم رئيس معين، لا يمكن السير به من دون غطاء احد المسيحيين الاقوياء اي جعجع او باسيل، وهو غطاء لا يبدو ان ايا منهما سيمنحه لاي كان مجانا».
الترسيم عالق؟
وكما الرئاسة مؤجلة كذلك ملف ترسيم الحدود البحرية، اذ قالت مصادر رسمية لبنانية لـ «الديار» أنه عالق حاليا في «اسرائيل» نتيجة مجموعة عوامل داخلية سياسية – قانونية – انتخابية، وأشارت الى ان «الوسيط الأميركي لا يزال ينتظر جوابا من «تل أبيب» حول طروحات لبنان الاخيرة، وهو أبلغ المسؤولين اللبنانيين بذلك، وطلب منهم عدم اصدار مواقف تصعيدية والتريث لأن اشارات ايجابية وصلت من «تل ابيب»، لكنها لا ترتقي لكونها جوابا نهائيا وحاسما».
وأشارت مصادر أخرى الى ان «حزب الله يترقب بكثير من الحذر المستجدات في هذا الملف، وهو يعد العدة للتعامل مع كل السيناريوهات المحتملة، وبات مستعدا لأي مواجهة عسكرية مهما كان حجمها»، لافتة الى انه «لن يسمح لاسرائيل بالاستفادة من ثروتها النفطية اذا كان لبنان ممنوعا من ذلك، وليس بوارد التنازل قيد أنملة في هذا المجال ايا كانت الضغوط الخارجية والداخلية».
البنزين..ازمة معلقة
في هذا الوقت، تستمر الازمات المعيشية وتلك المرتبطة بالواقع المالي والاقتصادي المتردي على ما هي عليه. فرغم الحلحلة التي طرأت على موضوع البنزين بعد عودة الطوابير في الساعات الماضية، رجحت مصادر مطلعة على الملف ان تنفجر الازمة مجددا في اي وقت، في ظل الآلية الجديدة التي فرضها حاكم مصرف لبنان والتي تقضي بعدم تسليم الشركات دولارات الاستيراد المدعومة على سعر منصة صيرفة إلا بعد انتهائها من توزيع البنزين وبيعه في السوق، وهو قرار يثير حفيظة شركات استيراد المحروقات.
وبالأمس ارتأى «المركزي» أيضا تخفيض نسبة تأمينه للدولارات إلى 70 بالمئة بدل 85 بالمئة، ما يستوجب تأمين الشركات 30 بالمئة من السوق السوداء، بدل 15 بالمئة. ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار. فارتفع سعر صفيحة البنزين بنوعيه 95 و98 أوكتان 16000 ليرة لبنانية، اما صفيحة المازوت فارتفعت 26000 ليرة وقارورة الغاز 9000 ليرة.
وقال معنيون في القطاع لـ «الديار» ان «البنك المركزي بدأ عملية رفع دعم تدريجي عن البنزين، على ان يكون على اصحاب المحطات وشركات الاستيراد تأمين دولاراتهم كاملة من السوق، ما يعني ارتفاع كبير بسعر صفيحة البنزين وتلقائيا بسعر صرف الدولار».