“في 29 حزيران الماضي قدّمتُ إلى فخامة الرئيس تشكيلة للحكومة”… بهذه العبارة “البريئة” استهل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تصريحه المقتضب، إثر لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، ليذكّر الداخل والخارج بأنّ تشكيلته الحكومية ما زالت محتجزة في قصر بعبدا منذ قرابة الشهرين رهينة مباحثات “الإفراج المشروط” عنها من قبل دوائر العهد وتياره، لا سيما وأنه بدا شديد الحرص على الإشارة إلى كون البحث لا يزال محصوراً بهذه التشكيلة دون سواها… و”للحديث صلة“.
وبعد 47 يوماً على القطيعة بينهما منذ تاريخ آخر زيارة قام بها إلى قصر بعبدا، خرج الرئيس المكلف إثر لقاء لم يدم أكثر من نصف ساعة مع رئيس الجمهورية أمس ليطمئن اللبنانيين إلى أنّ “وجهات النظر كانت متقاربة”، الأمر الذي أدرجته مصادر مواكبة لكواليس الملف الحكومي في خانة “ترجمة المساعي التي بذلت في الأيام الأخيرة لفرض وقت مستقطع في مبارزة النفس الطويل التي يخوضها ميقاتي مع عون بانتظار نهاية العهد”، كاشفةً لـ”نداء الوطن” أنّ “ضغوطاً من غير اتجاه داخلي وخارجي هي التي أفضت إلى إعادة الحرارة إلى قنوات التواصل على خط بعبدا – السراي، بحيث شكّل عيد انتقال السيدة العذراء المخرج لمعضلة انتظار الرئيس المكلف دعوة رئيس الجمهورية لزيارة بعبدا، فقضى السيناريو التسووي الذي تم التوصل إليه بين الوسطاء بأن يتولى الأول الاتصال بالثاني للمعايدة على أن يتولى الثاني دعوة الأول لزيارته أثناء الاتصال“.
ونقلت المصادر أنّ “حزب الله” لعب دوراً أساسياً على المستوى الداخلي في الدفع باتجاه استئناف اللقاءات بين عون وميقاتي “واتفاقهما أقله على تعويم حكومة تصريف الأعمال إن لم يكن على تأليف حكومة جديدة”، أما على المستوى الخارجي “فتعددت قنوات الضغط انطلاقاً من حاجة لبنان إلى حكومة دستورية وقانونية قادرة على الاجتماع واتخاذ القرارات لا سيما ما يتصل بالإصلاحات التي التزم بها لبنان لإتمام الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، ولكي يكون لبنان جاهزاً أيضاً لإقرار اتفاق الترسيم البحري لحدوده الجنوبية في حال التوصل إلى الصيغة النهائية لهذا الاتفاق مع إسرائيل عبر الوساطة الأميركية“.
وتحت سقف تقاطع الضغوط الداخلية والخارجية، عقد لقاء بعبدا “بنوايا إيجابية متبادلة لاستكمال النقاش الحكومي من النقطة التي توقف عندها في لقائهما الأخير”، وأوضحت المصادر أنّ “الرئيس المكلف أعاد خلال اللقاء شرح الأسباب الموجبة التي كانت قد دفعته إلى الإسراع في تقديم تشكيلته غداة تكليفه، وجدد إبداء انفتاحه على أي تصور مشترك مع رئيس الجمهورية ضمن الثوابت التي اعتمدها في هذه التشكيلة”، مشيرةً إلى أنه “بنتيجة النقاش تم التفاهم على الحاجة إلى التفاهم على تشكيل الحكومة والتوافق على بعض الحقائب والأسماء، على أن يقوم كل منهما بمروحة اتصالات من جانبه لتحقيق هذه الغاية تمهيداً لعقد لقاء قريب بينهما فور تحقيق هذه الاتصالات نتائج ملموسة تصب في سياق إعادة تحريك ملف الحكومة وكسر حالة الجمود التي سيطرت عليه“.
وفي هذا الإطار، نقلت المصادر في ما خص حقيبة الطاقة أنّ “رئيس الجمهورية لا يزال يفضّل إبقاءها من حصة المسيحيين، كون بقية الطوائف حافظت على الحقائب الأساسية التي كانت من حصتها في الحكومة الحالية، أما الرئيس المكلف فقارب الموضوع بانفتاح من زاوية التأكيد على أنه لا يهمّ إلى من تؤول “الطاقة” وإلى أي طائفة تُسند إنما الأهم وجود خطة واضحة وصريحة وبمواقيت محددة لمعالجة أزمة الكهرباء التي تستنزف المالية العامة وتوسّع هوة العجز في الموازنات العامة”، لافتةً إلى أنّ “عون أعاد خلال اللقاء مجدداً طرح توسيع الحكومة الراهنة من خلال ضم ستة وزراء دولة من السياسيين تحسباً لأي احتمالات دستورية لاحقة، غير أنّ ميقاتي كرر عدم تحبيذه هذا الطرح“.
من ناحية ثانية، وضع ميقاتي عون في أجواء الاجتماع الوزاري التشاوري الذي عقد أمس الأول في السراي الكبير وبحث في القضايا الاجتماعية لا سيما منها أزمتا الكهرباء والطحين، كما جرى التأكيد في ما خص الدولار الجمركي على الاتفاق السابق لجهة أن يكون تحديد تسعيرة التعرفة الجمركية الجديدة من مسؤولية وزير المال وحاكم مصرف لبنان، مع الاتجاه في هذا المجال نحو اعتماد دولار جمركي بقيمة عشرين ألف ليرة.
في الغضون، واصلت المحكمة البريطانية العليا إنصافها المودعين اللبنانيين على أراضيها، فأصدرت قراراً قضى بإلزام “بنك بيروت” تسديد وديعة الدكتور جورج بيطار المصرفية، البالغة 7 ملايين و 790 ألف دولار، مع فائدة سنوية قدرها 9% من قيمة الوديعة.
وفي متن القرار لوحظ أنّ المحكمة البريطانية لم تتردّد في توبيخ المصارف اللبنانية على “حماية مصالح مجالس إداراتها على حساب المودعين”، بحسب ما نقلت جمعية المودعين، إضافةً إلى تأكيدها على أنّ قرارات حجز الودائع من جانب هذه المصارف “لا تتوافر فيها المشروعية القانونية“.