تراجع الاهتمام أمس بملف التأليف الحكومي رغم حديث بعض الاوساط السياسية المتابعة عن «أجوبة معينة» ينتظرها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في ضوء لقائهما امس الاول، في الوقت الذي عادت الازمات المالية والاقتصادية والمعيشية الى مزيد من التفاقم نتيجة الارتفاع المضطرد في سعر الدولار الاميركي الذي تجاوز أمس عتبة الـ 33 الف ليرة، وذلك على خلفية التوجه الى رفع سعر الدولار الجمركي من سعر الـ1500 ليرة الى عشرين الف ليرة، الامر الذي بدأ التجار والمحتكرون استغلاله لرفع اسعار كل المواد الاستهلاكية وغيرها، ما يزيد من وطأة الضائقة المعيشية التي يرزح تحتها اللبنانيون في غياب المعالجات الناجعة المطلوبة لوقف الانهيار.
وقد تنوعت الروايات حول اللقاء امس الاول بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تأليف الحكومة، ولم ترس على رواية محددة يمكن البناء عليها لتوقع ما سيؤول اليه ملف التأليف الحكومي، لكنها في نهاية المطاف انحصرت بين روايتين: الاولى، تقول انّ ميقاتي اقترح الابقاء على تركيبة حكومته الحالية باستثناء تغيير وزيرَي الاقتصاد والمهجرين. والرواية الثانية تقول ان رئيس الجمهورية اقترح توسيع التشكيلة لتصبح 30 وزيرا يكون بينهم 5 الى 6 وزراء دولة.
ولكن رشح انّ اقتراح ميقاتي هو المتقدم على الاقتراح الثاني، خصوصا ان اقتراحه تغيير وزيرَي الاقتصاد والمهجرين لا ينتقص من حصة «التيار الوطني الحر» الوزارية، وان تغيير وزير المهجرين يلحظ ان يكون من حصة الحزب التقدمي الاشتراكي بدلاً من ان يبقى من حصة الحزب الديموقراطي اللبناني حليف «التيار الحر».
عون ينتظر جواباً
لكنّ مصادر مطلعة تواكب حركة الاتصالات الجارية قالت لـ»الجمهورية» ان بعبدا تنتظر جواب الرئيس المكلف حول الاسمين البديلين من وزيري الاقتصاد امين سلام وشؤون المهجرين عصام شرف الدين، بعدما انحصر التعديل الوزاري بهما وطويت قضية تغيير وزير الطاقة نهائياً بحيث سيبقى وليد فياض فيها، كما ان الحديث بين عون وميقاتي لم يتناول اي وزراء آخرين ولا سيما منهم وزيري الصحة فراس الابيض والخارجية عبدالله بوحبيب كما تردد في بعض الأوساط ولن يطاولهما اي تعديل.
وقالت هذه المصادر ان البديل من وزير الاقتصاد ما زال مدار مشاورات لم تنته بعد، ولو انها انتهت لكان ميقاتي زار بعبدا أمس.
وفيما افادت معلومات «الجمهورية» ان رئيس الجمهورية يصرّ على تسمية البديل من سلام وان ميقاتي يصرّ في المقابل على ان يكون بديله سنّي عكاري، لم تشأ المصادر الكشف عن هوية الاسم المطروح من كِلي الرجلين. وذكرت ان البديل من وزير المهجرين لم يعد وليد عساف الذي كان مطروحا ليكون وزيرا للصناعة في الصيغة الاولى التي سلّمها ميقاتي الى عون بخط يده في حزيران الماضي عندما اقترح نقل الوزير جورج بوشيكيان من وزارة الصناعة الى وزارة الإقتصاد.
والى ان يتم التفاهم على هذين الاسمين لم يقتنع مرجع مراقب بأن تكون عقدة الحل محصورة بوزيرين ولم يتم التفاهم في شأنهما في اللقاء الاخير بين عون وميقاتي. وقال هذا المرجع ان الحديث عن وجود شيطان في التفاصيل ليس دقيقا إن بقي الأمر محصورا بهاتين الحقيبتين، وهو دليل على أن هناك معوقات اخرى اكبر واشمل ممّا هو مطروح ولم يُكشف عنها بعد وهي التي تعوق التعديل الوزاري.
عملية إلهاء
رجّحت اوساط سياسية مطلعة لـ»الجمهورية» الّا يُسفر الحراك المتجدد على المسار الحكومي الى نتائج فورية، مستبعدة ان تسفر زيارة ميقاتي الأخيرة لقصر بعبدا الى إنهاء المأزق الحكومي في وقت عاجل.
وأبدَت هذه الاوساط خشيتها من ان تكون محاولة الخرق الأخيرة مجرد عملية إلهاء بغية الايحاء بأنّ هناك مسعى جديا للتشكيل ولرفع المسؤوليات في التقصير او العرقلة من هذا الجانب او ذاك.
حسابات شعبوية
الى ذلك، استغربت الاوساط نفسها طريقة التعاطي الرسمي مع ملف الدولار الجمركي، وتقاذف المسؤوليات من جهة الى أخرى، تهرّباً من مواجهة الحقائق. واشارت الى ان القوى السياسية لا تزال تتصرف إزاء هذا الملف استنادا الى حسابات شعبوية وكأن الانتخابات النيابية لم تحصل، مشيرة الى ان هناك ضرورة كما يبدو للفت انتباه تلك القوى الى انّ الانتخابات انتهت وان هناك قرارات صعبة يجب اتخاذها لمواجهة الازمة وتداعياتها. وشددت الاوساط على أن نحو 80 في المئة من السلع التي تهم المواطن لا يشملها رفع الدولار الجمركي، وأن الـ 20 في المئة المتبقية تتضمن في معظمها السيارات والكماليات، معتبرة انه أصبح مُلحاً اتخاذ هذا القرار لتغطية جزء من النفقات الضرورية للدولة.
حرّاس الجمهورية والرئاسة
في غضون ذلك أشار رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، عبر حسابه على مواقع التواصل الإجتماعي، الى «أننا في المرة الماضية تكبّدنا الفراغ الرئاسي سنتين ونصف سنة، حتى نثبّت معادلة أن رئيس الدولة هو الممثل الفعلي للناس، ونجحنا في هذا الأمر»، ولفت الى «أننا حينها أطلقنا عليها اسم «الممانعة السياسية» لتثبيت الحقوق، في حين أن الجانب الآخر اعتبرها تعطيلاً». وأوضح أن «البلد اليوم لا يتحمل الفراغ الرئاسي، كذلك نحن لا نتحمل أن نكون سبباً فيه»، مُركّزاً على أنّ «الآخرين يقولون انهم سيستخدمون حقهم في التعطيل، حتى لا يصل رئيس للجمهورية هم لا يأيّدونه». ورأى أن «جريمتنا اليوم بسبب ذهابنا الى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، لأنه من خلال موقعه، يستطيع العمل على التوافق». وشدد على «أننا متساوون اليوم في الجوع، لكن يجب أن نكون متساوين في الحقوق»، وأضاف: «فرَّطوا في حقوقكم، لكن نحن لن نفرّط بها، وسنكون حرّاس الحقوق والجمهورية والرئاسة».
جنون الدولار
في هذه الاجواء واصل سعر الدولار ارتفاعه الجنوني لليوم الثالث على التوالي مُلتهماً مزيداً من قيمة العملة الوطنية ومكبّدا المواطنين مزيدا من تكاليف حاجاتهم اليومية، فسجّل في سوقه السوداء مساء ارتفاعاً جديداً تراوح ما بين 33350 و33450 ليرة، بعدما راوح ظهراً ما بين 33050 و33100 ليرة. فيما أعلن مصرف لبنان، في بيان، أنّ حجم التداول على منصة «Sayrafa» بلغ امس 37 مليون دولار أميركي بمعدل 26700 ليرة لبنانية للدولار الواحد وفقاً لأسعار صرف العمليات التي نفذتها المصارف ومؤسسات الصرافة على المنصة.
وكان حجم التداول على منصة «Sayrafa» قد بلغ امس الاول 29 مليون دولار أميركي بمعدل 26500 ليرة لبنانية للدولار الواحد.
تثبيت مُمنهج
الى ذلك اعلن وزير الاقتصاد أمين سلام أمس «أننا في صدد إقرار موازنة 2022 في مجلس النواب»، وقال: «سمعنا أنه سيتم تثبيت سعر الصرف على 20 ألف ليرة والبحث كان يجري على أسعار عدة كي لا يكون هناك انعكاس على المواطن، وإني أفضّل أن يكون هناك تثبيت مُمنهج اكثر لسعر الصرف ودولار الـ1500 غير منصف».
وعن الدولار الجمركي، اشار الى أنّ «موضوع الـ20 ألف ليرة ليس رسميًا، وسيتبيّن هذا الأمر خلال الساعات المقبلة بين وزير المال يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة». ولفت الى أنّ «هناك تخوّفاً من إقدام التجار على تخزين المواد التي كانت على سعر الـ 1500 للدولار الجمركي، ونحن بدورنا الرقابي نقوم بواجبنا وننتظر قوائم من التجار للمواد التي اشتروها سابقًا على سعر الـ 1500».
مهلة أخيرة
في هذه الاثناء شدد رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان بعد اجتماع اللجنة أمس على «أننا نريد تعزيز إمكانات الدولة ولكن في الوقت نفسه أخذ وضع الناس في الاعتبار»، مضيفًا «نحن أم الصبي «ومسؤولون عن الشعب وحاجاته، لذلك لا نريد تدفيع الناس الثمن في أي إجراء أو قرارحكومي ويجب البحث في الأمور بمسؤولية وتوازن». وقال: «هناك ميزان جوهرجي مطلوب لتأمين استمرارية الدولة ومراعاة إمكانات الناس وحاجاتهم، لأن الموازنة لا يجب أن تكون دفترية فالأهم من تحديد أرقام هو كيفية تأمينها». واضاف: «سألت لجنة المال وزير المالية والحكومة ما هو الأثر المالي للارقام المقدمة لنا ومن يضبط الأسعار؟ فعلى الدولة ان تكون واقعية في ما تطلبه من الناس». وقال: «أعطينا الحكومة ووزارة المال مهلة أخيرة حتى الأسبوع المقبل لتزويدنا الأرقام الحقيقية للجباية والنفقات، وعلى ضوء ما سيأتينا نبني على الشيء مقتضاه على صعيد الموازنة والدولار الجمركي يحدّد في الحكومة ونريد معرفة أثره المالي».
برودة البنك الدولي
وفيما غاب حراك التأليف الحكومي عن نشاطه أمس، التقى ميقاتي وفدا من البنك الدولي برئاسة المدير الاقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي جان كريستوفر كاريه في حضور وزير الطاقة وليد فياض، الذي اعلن بعد اللقاء انّ البحث تناول «مشاريع البنك الدولي في لبنان ومن ضمنها المشاريع المخصصة للطاقة، وشرحتُ أن ملف الطاقة هو من أكثر الملفات حساسية في لبنان، وأن التعاون مع البنك الدولي بدأ منذ فترة طويلة جداً، وكان الإهتمام في المرحلة الأولى واضحا جدا، ولكننا شعرنا منذ نحو ثلاثة أشهر ببرودة من ناحية البنك الدولي في التعاطي مع هذا الملف، ولذلك رغِبتُ منهم إعادة التأكيد على مدى اهتمامهم والتزامهم بهذا الملف، وأكدوا التزامهم التام بهذا المشروع والسير في الخطوات التنفيذية فيه. وعرضتُ لمفاوضات التمويل وطالبت بإدخالنا في مرحلة المفاوضات لعقد التمويل. وعرضتُ لهم ما نقوم به لجهة زيادة تعرفة الكهرباء فور التزويد بالتغذية الاضافية والإجراءات لإنشاء الهيئة الناظمة بمساعدة الهيئات الناظمة للبحر الأبيض المتوسط».
دعم الماني
وكان ميقاتي قد التقى ايضا مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الألمانية تولىبياس تنكل، الذي اعلن «أنّ اللقاء كان «جيدا جدا وفرصة لعرض العلاقات الثنائية بين المانيا ولبنان، ونحن من الداعمين الكبار والملتزمين بلبنان. لقد التقينا في هذا الصباح قائد الجيش العماد جوزف عون حيث وقّعنا اتفاقية تتعلق بمتابعة دعم الجيش اللبناني». واضاف: «عرضنا خلال اللقاء مع رئيس الحكومة اهمية إجراء الاصلاحات التي يمكن ان تؤدي الى اتفاق مع البنك الدولي والذي يحظى بدعم قوي من المانيا، وكان لقاؤنا جيداً مع دولة الرئيس، فلبنان والمانيا شريكان منذ مدة كبيرة في المنطقة».
النازحون
وحضر ملف النازحين السوريين أمس على طاولة ميقاتي حيث ترأس اجتماع اللجنة الوزارية المختصة، وقال وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار عقب الاجتماع: «استكملنا البحث في المقررات التي صدرت عن الاجتماع الذي انعقد في القصر الجمهوري في 11 آب الجاري، واطلعنا الرئيس ميقاتي وأعضاء اللجنة عليها وتمت مناقشتها، واتفقنا على تنفيذها ومتابعتها بواسطة الوزارات والإدارات المعنية، كما جرت قراءة شاملة لملف النازحين، وكانت الآراء متوافقة وتم التأكيد على ان وزارة الشؤون الاجتماعية هي المتابِعة لهذا الملف بالتنسيق مع وزارة الخارجية، والأمور تسير على الطريق الصحيح»…
وعن السجال الذي حصل مع وزير المهجرين، قال حجار: «السجال الذي حصل هو لتوضيح بعض القضايا الأساسية ان كان في موضوع الصلاحيات او مقاربة الموضوع الذي يحتاج الى مقاربة جماعية على مستوى اللجنة بسبب شموليته، وهذا هو محور الخلاف، لأنّ الملف غير مرتبط بوزارة واحدة على رغم من ان وزير الشؤون الاجتماعية، بحسب القانون، هو المسؤول عن هذا الملف الدقيق، لكنّ عدداً من الوزارات مرتبط ايضاً بملف النازحين، وهو يحتاج الى دقة في العمل، لأنه في جانب منه يتعلق بالمؤسسات الدولية والدول والجهات المانحة ومفوضية شؤون اللاجئين».