كتبت صحيفة “النهار” تقول: تسعة أيام فقط لا تزال تفصل عن موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فيما يغلب على الواقع الداخلي مزيد من الغموض السياسي الذي لا يتيح بعد أي معالم واضحة لاستكشاف افاق المعركة الانتخابية من جهة، في مقابل تخبط رسمي ومؤسساتي حيال الازمات الاخذة في التفاقم والتعمق من جهة أخرى. ومع انخراط كل القوى واقعيا في حسابات العد العكسي للمعركة الرئاسية، بدا الكلام عن احتمالات تعويم المحاولات لتأليف حكومة جديدة في ما تبقى من ولاية العهد العوني، اشبه بملء الفراغ في انتظار ان يدشن طرف ما السباق الرئاسي وان تنفتح على الغارب عمليا معركة الترشيحات العلنية التي لا تزال تعتمل داخل الكواليس المغلقة. واذا كانت تجربة الأسبوع الماضي لتاليف الحكومة الجديدة منيت باخفاق متجدد بدليل طي الكلام عن لقاء اخر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، فان المعطيات المتوافرة تشير الى ان الأسبوع الطالع لن يشهد أي تطور اخر في الملف الحكومي، بل ان ملفات ملحة ستملأ المشهد الداخلي بدءا بالسعي الى إيجاد حل وسطي لملف الدولار الجمركي الذي لن يحتمل تاجيلا وتسويفا، ويقتضي استعجال بت السقف المالي الذي سيرسو عليه، والا فان الاصطدام بالتباينات والخلافات التي عصفت داخل حكومة تصريف الاعمال في شأنه، كما خارج الحكومة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، سيؤدي الى تفاقم تداعيات هذه المشكلة التي يرتبط بها ملف إيرادات الدولة كلا، كما من شأن ذلك التسبب بمزيد من تأخير انجاز مشروع الموازنة الذي يفترض ان تنجزه لجنة المال والموازنة النيابية هذا الأسبوع.
ولكن الرئيس نجيب ميقاتي لا يبدو انه اقفل باب الكلام عن تاليف الحكومة الجديدة، اذ ينقل عنه بأنه منذ اليوم الاول لتكليفه بمهمة تشكيل الحكومة قام بـ “عمل جاد”، ويعتبر ان كل الخيارات مفتوحة وان المهم ان تشكل الحكومة لان الوقت لم يعد يسمح بأي ترف سياسي او الدخول في اي مناوشات لا تثمر. ولا يوافق ميقاتي متهميه بأنه يؤيد الابقاء على تصريف الاعمال ويردد في مجالسه بأنه لا يحبذ تقبل هذه العبارة والتعايش معها، على الرغم من قيام حكومته الحالية بالواجبات المطلوبة منها. ويؤكد بانه لن يقصر في تشكيل الحكومة ولا يرحب بالطبع بأي فراغ على صعيد السلطة، فكيف اذا كان في حجم انتخابات الرئاسة الاولى. ويقول بأنه منفتح على كل الخيارات بزيادة ستة وزراء او ناقص ستة “ولم لا اذا كانت هذه الطروحات ضمن المعقول”.
اما بالنسبة الى عاصفة الدولار الجمركي فينقل عن ميقاتي في هذا الملف بأن الدولة تُسرق بسعر الدولار الجمركي بـ 1500 ليرة. ويوجه رسالة للجميع ولكل من يهمه الامر مفادها بان الدولة تتم سرقتها مئة في المئة وان المواطن هو الذي يدفع ثمن هذه الواقع القائم الذي لا يصب في مصلحة اللبنانيين وايهامهم بأن الدفع يتم على سعر رخيص. وفي غضون ذلك يتبين ان اكثر الافرقاء في الحكومة وخارجها يعرفون ان السعر الحالي للدولار الجمركي غير طبيعي، ولا يمكن للدولة وخزينتها الاستمرار على هذا المنوال. ومن المقرر ان يلتقي ميقاتي اليوم الهيئات الاقتصادية التي ستبحث معه تفصيليا في ملف الدولار الجمركي وتصورها للسقف الذي يجب ان يكون عليه بمستوى 8000 ليرة والسلع التي يجب ان يشملها .
ومساء امس تجددت السجالات الحادة بين ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على خلفية تقارير إعلامية حمل فيها كل منهما الاخر مسؤولية تعطيل تاليف الحكومة. واتهم ميقاتي باسيل بانه “يتحمل مباشرة مسؤولية تعطيل الحكومة” قائلا ان “كل اتهامات باطلة لن تفيده في شيء”. وفي المقابل اتهم باسيل ميقاتي بـ”الفبركات الإعلامية “وقال انها ” لن تعفيه من مسؤوليته الكاملة عن عدم تاليف الحكومة”.
الاستحقاق: حركة ومواقف
على صعيد الاستحقاق الرئاسي والمشهد العام الذي بدأ يرتسم حياله، تتجه الأنظار الى الحركة التي شرع “تكتل النواب التغييريين” فيها لطرح مبادرة حيال الاستحقاق ان من حيث اعلان مواصفاته للمرشحين وان لجهة اقتراب هذا التكتل من اعلان مرشح يدعمه. وفهم ان الأيام المقبلة ستشهد تزخيما للاتصالات بين تكتلات المعارضة على أساس السعي الى التنسيق في شأن الترشيحات الرئاسية ولكن لا يبدو بعد ان معالم نجاح هذه المحاولة قد توافرت .
اما في المواقف البارزة من الاستحقاق، فجدد امس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي دعوته الى “تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات تتحمل مسؤولياتها الدستورية في كل يوم” وحض المسؤولين “على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية من دون زيادة يوم واحد”. وقال:” من المعيب حقا أنه منذ سنة 1988 أمسى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان عادة، كأن المعطلين يسعون إلى إيهام اللبنانيين بأن الرئاسة الاولى منصب شرف لا ضرورة مطلقة له، فالدولة تسير بوجود رئيس أو بدونه. فهل هي المرحلة النهائية في مخطط تغيير النظام والانقلاب على الطائف وإسقاط الدولة؟ لا يظننن أحد بأن الأمر بهذه السهولة. وليتذكر الجميع أن رئاسة الجمهورية هي ركيزة نشوء الكيان اللبناني ورمز وحدة لبنان. فبدون رئيس لا رمز ولا وحدة لبنانية. ولذلك أيضا نطالب برئيس يكون على مستوى الكيان والشعب والرمزية الوطنية، يبعث روح النهضة بالشعب ويرسم حدود الدولة ليس مع الدول المحيطة بلبنان فقط، بل مع قوى لبنانية تتصرف كأن لا منعة ولا حدود ولا كرامة للدولة والشرعية والجيش.
وعندما نقول لا نريد رئيس تحد، لا نعني أبدا أننا نريد رئيسا يتحداه الجميع. إن قدرة الرئيس على مواجهة التحدي والتحديات تنبع أساسا من أخلاقه ومناعته أمام الإغراءات وصموده أمام الترهيب واحتكامه إلى الدستور ورجوعه إلى الشعب في المفترقات المصيرية.”
وبدوره اعتبر متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في عظة قداس الأحد ان “مشكلتنا في لبنان أن الأفواه تنطق بما لا يؤمن به القلب. ما أكثر الشعارات التي نسمعها، وما أحلى الوعود. لكن السلوك اليومي لمطلقيها يتنافى مع ما يقولون. هكذا نرى الأكثر فسادا يحاضرون بالنزاهة والعفة ويدينون الفاسدين، والمتهربين من العدالة ينصبون أنفسهم قضاة ديانين، وممارسي الحقد والضغينة يبشرون بالتسامح والمحبة، وأولئك الذين يستبيحون الدولة ودستورها وسيادتها وقوانينها يدعون وطنية مزيفة ويعيرون الآخرين بانتماءاتهم”.
وفي السياق الرئاسي انحسرت امس جولة السجالات الحادة التي تجددت السبت بين “القوات اللبنانية ” و”التيار الوطني الحر” على خلفية الصراع المتصاعد بين الكتلتين المسيحيتين الاكبرين حول الاستحقاق الرئاسي . وبدأت الجولة عقب كلام لرئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع نفى فيه وجود “كلمة السر من الخارج” في الاستحقاق الرئاسي. وشدد على أن “لا أحد في الخارج يبالي أساساً إن حصلت انتخابات رئاسة الجمهوريّة في لبنان أو لم تحصل، وفي حال حصولها لا يبالون من سيكون الرئيس العتيد، ولدى الخارج تمنيات لا أكثر ولا أقل، فكل دولة يهمها أن يصل إلى سدّة الرئاسة رئيس لصالحها، ولكن بماذا يمكن للخارج ان يؤثر؟ الإيرانيون يمكنهم أن يؤثروا في هذا الإستحقاق من خلال “حزب الله” الذي لديه الكتلة النيابيّة، إلا أنه بالنسبة لباقي الدول فكيف بامكانها التأثير؟ ورأى جعجع ان : “أمامنا ثلاثة أشهر صعبة والسؤال اليوم إذا ما كنا سنتمكن من إيصال رئيس بالحد الأدنى المقبول، يكون قادراً على اتخاذ بعض القرارات وأن يكون باتجاه سيادي وأن يكون إصلاحيّاً ومن أصحاب الأخلاق الحسنة، لأن الإتيان برئيس من دون طعم أو لون أو رائحة لمجرد أن يسكن في قصر بعبدا وألا يقوم في نهاية المطاف بأي شيء هو بمثابة من لم يقم بأي شيء أساساً”. وأوضح أن ” الامر الوحيد في الوقت الراهن هو أنه أصبح من المحتمل عدم وصول رئيس من فريق “8 آذار” إلى سدّة الرئاسة، وهذا الأمر يمكن أن يعتبر 50% من المهمّة، أما النصف المتبقي فهو يكمن في الإتيان برئيس قادر على المواجهة والوقوف ثابتاً عند مبادئه وقناعاته وقادر على أتخاذ المواقف ولو بالحد الأدنى، لانه في حال لم نقم بالإتيان برئيس مماثل فالأمور لن تتغيّر، من هنا نطالب برئيس “يكون على قد حاله” ويبادر إلى فكفكة كل هذه التركيبات وقلب مسار الأمور بالإتجاه المعاكس، ماذا وإلا، لن تسير البلاد باتجاه الإنقاذ وسيبقى كل شيء على ما هو عليه”.
وسرعان ما بادر على الأثر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الى الرد على جعجع فقال متوجهاً إلى “القوات”: “أنتم لا تهاجمون إلا الأوادم، ولا تستطيعون إلا مواجهتهم، ولا تعملون إلا لإسقاط التيار”. وأضاف: “مشروعكم الوحيد: إسقاط عون وجبران والتيار… مشروعكم شتائم وتحريض وتهجم، ولا تطرحون الإيجابيات؛ بل السلبيات”. وأضاف باسيل: “ليس لديهم مشروع كهرباء… مشروعهم في الكهرباء هو إسقاط مشروع التيار، لا مشروع لديهم في المياه… مشروعهم إسقاط سدود التيار، لا مشروع لديهم بالغاز والنفط والأنابيب ومحطات التغويز؛ بل مشروعهم فقط إسقاط مشروع التيار”، وتابع: “ليس لديهم أي مشروع أو برنامج لرئيس؛ بل رئيسهم هو رئيس تحدٍّ لجبران والتيار”. واتهم باسيل “القوات” بأنهم “يريدون رئيساً يقوم بعكس ما نقوم به، أي أنهم يطلبون رئيساً يتخلى عن الشراكة والتمثيل والميثاقية والمناصفة في الإدارة، وعن الإصلاحات”.