كتبت صحيفة “النهار” تقول: لعل ابرز ما بينته التطورات المتصلة بملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في الساعات الأخيرة هو ان تصعيد تبادل التهديدات بين إسرائيل و”حزب الله” دفع بلبنان الرسمي الى المبادرة لدفع الوساطة الأميركية قدما واستعجالها سعيا الى تبريد النبرة “العسكرية” المسلطة على هذا الملف واحتواء التصعيد في انتظار ثمار التفاوض الديبلوماسي . هذه الابعاد برزت في توقيت لافت لبيان أصدره نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب قبيل ساعات قليلة من كلمة القاها ليلا الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله وكانت المؤشرات تدل الى انها ستحمل موقفا تهديديا جديدا لإسرائيل في حين كان سبقه وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بتهديدات مقابلة . هذا المناخ الساخن دفع بملف الترسيم الى واجهة التطورات وطغى على مجمل أولويات المشهد الداخلي الذي يتخبط بعشوائية تصاعدية في كل الملفات بدءا من الاستحقاق الحكومي المعطل وانتهاء بكل الملفات المالية والاقتصادية والاجتماعية الملحة .
وفي خطوة اكتسبت دلالات بارزة اصدر المكتب الاعلامي لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب مساء امس بيانا، كشف فيه “ان اتصالا مطولا حصل بعد ظهر امس بين الوسيط الاميركي المكلف بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل اموس هوكشتاين وبو صعب جرى خلاله عرض لمسار المفاوضات، حيث أطلع هوكشتاين بو صعب على ما توصلت إليه آخر الاتصالات التي اجراها مع المسؤولين الاسرائيليين والتي كان اخرها منذ ايام قليلة، مؤكدا له انه سيتابع تواصله مع المسؤولين الاسرائيليين خلال الايام المقبلة، كما انه سيعاود التواصل معه خلال اسبوع لاستيضاح بعض النقاط تمهيدا لوضع تصوره خطيا لما ناقشه في لبنان خلال زيارته الأخيرة. وقد تطرق الاتصال المطول ايضا، الى ما يتم تناوله في بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية والدولية ومن ثم ينقله بعض وسائل الاعلام اللبنانية، ولا سيما ان عددا من وسائل الاعلام هذه، كان قد بث منذ نحو اسبوعين اجواء سلبية في ما يتعلق بتطورات ملف ترسيم الحدود البحرية ثم انتقل خلال اليومين الماضيين الى بث اخبار ايجابية وصلت الى حد تحديد موعد لتوقيع اتفاقية بهذا الشأن. وفي هذا الاطار، جرى التأكيد، خلال الاتصال، ان كل هذه الاخبار هي من باب التكهنات وغير مبنية على اية معطيات او مواقف رسمية. من جهته، جدد بو صعب تأكيد موقف لبنان، لافتا الى عامل الوقت الضاغط ومشددا في هذا السياق على ضرورة العمل ضمن المهل المقبولة لما فيه مصلحة التفاوض. وختم البيان انه “علينا ان لا نبالغ بالايجابية كما بالسلبية كون اتصالاته لم تنتهِ بعد ولا سيما ان لبنان يفاوض من موقع قوة محصن بوحدة الموقف الرسمي ولاسيما ان بو صعب وضع كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وكذلك الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بجو الاتصال المطول مع هوكشتاين”.
والقى نصرالله كلمة في مناسبة اختتام الاحتفالات بذكرى تأسيس الحزب اعلن فيها استعداد الحزب الدائم لمناقشة أي استراتيجية دفاعية وطنية والاتفاق عليها كما دعا الى عودة امنة للنازحين الى سوريا وإعادة العلاقات مع دمشق لمصلحة لبنان . وفي ملف الغاز والنفط قال “كلنا ننتظر والإسرائيلي يتحدث كثيرا هذه الأيام ومن انتظر عشر سنوات ينتظر بعض الأيام فلننتظر الرد الإسرائيلي وليس لدينا ما نضيفه”.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس حذر، امس “حزب الله” من أن “أي هجوم على حقل الغاز البحري الحدودي كاريش قد يؤدي إلى حرب”، حسبما افادت “وكالة الصحافة الفرنسية”. وقال إن عمليات استخراج الغاز ستبدأ “عندما يكون (الحقل) جاهزا للإنتاج”، زاعما أن حقل كاريش يقع ضمن المياه الإقليمية لبلاده.
وصرح لإذاعة “103 إف إم” بأن “دولة إسرائيل على استعداد لحماية مقدراتها والتوصل إلى اتفاق مع الحكومة اللبنانية بوساطة أميركية في شأن حقل صيدون” وهو حقل غاز آخر يعرف في لبنان باسم “حقل قانا”. وأضاف: “أعتقد أنه سيكون هناك حقلان للغاز في المستقبل: واحد من جانبنا والآخر من جانبهم”. وأمل “ألا نضطر إلى خوض جولة أخرى من المواجهات قبل ذلك الوقت”.
وعن احتمال نشوب حرب في حال شن “حزب الله” هجوما على حقل غاز كاريش رد غانتس: “نعم قد يؤدي ذلك إلى رد فعل”. وأكد أن ذلك قد يؤدي إلى “قتال لأيام وإلى حملة عسكرية، نحن أقوياء ومستعدون لهذا السيناريو، لكننا لا نريد ذلك”.
الملف الحكومي
اما في المشهد الداخلي فان أي تطور بارز لم يسجل مع مطلع الأسبوع لا على صعيد ملف تاليف الحكومة ولا على صعيد معالجة تداعيات ملف الدولار الجمركي الذي يبدو ان مصيره لن يكون افضل من مصير التعقيدات التي اصابت الملفات المالية الأخرى كالموازنة والمشاريع الإصلاحية . وعلى وقع السجال الأخير الحاد بين رئاسة الحكومة ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي اعتبر بمثابة أعادة خفض لأسهم تشكيل الحكومة الجديدة لم يُسجل اي مؤشر لاي لقاء جديد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي كما كان تردد سابقا .
وقد شدد الرئيس ميقاتي امس في حديث تلفزيوني على “أن عدو السلطة هو الفراغ”.وكشف تفاصيل عن لقائه الاخير مع رئيس الجمهورية وقال: “لدى لقاء الشوق الاخير كان مرنا ومنفتحا على تعديل التشكيلة ولم يمانع في تسمية وزير يمثل عكار”. وتابع :”خلال الاجتماع مع رئيس الجمهورية تم طرح الاسماء المنوي تغييرها وبينهم الوزير وليد فياض والوزير امين سلام ووعد في حينه بأنه سيعطي رده بعد 24 ساعة لكنه سأل “من سيسمي الوزراء الخاضعين للتعديل؟” .وأضاف ميقاتي:” تفاجأت في اليوم التالي من الاجتماع مع رئيس الجمهورية بايفاد المدير العام للرئاسة أنطوان شقير حاملاً رسالة مفادها “مش ماشي الحال”.
الدولار الجمركي
وفي سياق التحركات المتصلة بموضوع الدولار الجمركي اجتمع ميقاتي امس في السرايا مع وفد من الهيئات الاقتصادية برئاسة الوزير السابق محمد شقير الذي اعلن ان موقف الهيئات من موضوع الدولار الجمركي “لم يتغيّر كما كنا أعلنا قبل ثمانية أشهر، فنحن طالبنا بأن يكون الدولار الجمركي وفق سعر يتراوح ما بين 8000 و10000 ليرة كحدّ أقصى. وكررنا موقفنا خلال الاجتماع وأبدينا ملاحظات بشأن بعض الامور ومنها موضوع السيارات حيث يجب الأخذ في الاعتبار ضرورة عدم التساوي في سعر الدولار الجمركي بين السيارات كافة”. وقال ان “من غير المقبول ان ترمي الحكومة الموضوع على مجلس النواب وأن يرميه المجلس بدوره على الحكومة. إنها جريمة أن يبقى الدولار الجمركي على سعر 1500 ليرة للدولار الواحد، لاننا نرى ان كل مؤسسات الدولة معطلة ولا يمكن للدولة ان تستمر على هذا السعر، ولا يمكن أيضاً ألا تستطيع تأمين رواتب موظفي القطاع العام”. ونقل عن ميقاتي أن الموضوع يلزمه اقتراح قانون من مجلس النواب وعلى مجلس النواب أن يتخذ قراراً في شأنه، وهذا ما سيحصل، وتمنى على النواب “اتخاذ هذا القرار في أسرع وقت، إذ يجب ألا ننسى موظفي القطاع العام الذين يعانون الظلم، بل يُفترض تسوية أوضاعهم، ومن الإجرام أن يبقى وضعهم على حاله”.
وفي هذا السياق نفى نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي “كل الأحاديث عن أرباح هائلة يحصل عليها التجار كحجة لرفع الدولار الجمركي”، مشيراً الى ان “ارتفاع أسعار البضائع الذي يترافق مع ارتفاع سعر الصرف هو حماية للرساميل وليس ربحاً”. وإذ اعتبر بحصلي ان “المواطن اللبناني لم يعد يستهلك الكماليات”، شدّد على “وجوب اعفاء البضائع الأساسية التي تدفع الكثير من الجمارك من الكأس المرة” محذراً من “كارثة في الأسعار في حال ارتفاع الدولار الجمركي ودولار السوق السوداء معاً”.
وفي الشأن المالي ،الاقتصادي تمنى نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي أن “يقرّ قانون الـ”كابيتال كونترول” في أقرب وقت ممكن، خصوصاً أنه من الإجراءات المطلوبة للوصول الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي”، معتبراً أنه “كلما أسرعنا في تطبيق هذا القانون، أسرعنا في رفع القيود والضوابط الاستثنائية، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع حزمة الإصلاحات الأخرى التي من شأنها أن تضع لبنان على سكة التعافي”.
الى ذلك، وعلى صعيد معيشي آخر، وبدعوة من مجلس القضاء الأعلى، تنعقد في الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، جمعية عمومية للقضاة في قصر عدل بيروت، وذلك لمناقشة ما آل اليه موضوع الإضراب شبه الكامل عن العمل الذي أعلن عنه عدد كبير من القضاة من مختلف الرتب والدرجات مطلع الأسبوع الفائت.