كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: بات ثابتاً انّ الملف الحكومي محكوم بقرار يُبقيه في دائرة ملهاة مُملّة، تسير في محاذاته لقاءات متقطعة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، أشبه ما تكون باللقاء التذكيري لهما بأنهما شريكان في تأليف الحكومة، وشريكان أيضاً في عدم تأليفها على ما هو حاصل حالياً في المراوحة المستمرة في مربّع السلبية وتعطيل التأليف.
وبات مؤكداً مع فشل اللقاء الرابع بين عون وميقاتي انّ الباب مقفل نهائياً على حكومة جديدة، في ظل الاختلاف الجوهري بين الشريكين وعزف كل منهما لموّاله في ما خص هذه الحكومة، وقرارهما غير المعلن بعدم التنازل لبعضهما البعض وبناء مساحة تفاهم مشتركة على تشكيلة وزارية تدير فترة الشهرين الفاصلة عن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وكذلك فترة ما بعد انتهاء الولاية، فيما لو تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن مهلة الستين يوما التي تبدأ بعد أقل من اسبوع. وهو، أي تعذّر انتخاب رئيس، أمر بات شبه مؤكد، وان الفراغ في سدة الرئاسة هو عنوان مرحلة ما بعد 31 تشرين الاول المقبل، والى أجل غير مسمّى في ظل استحالة العثور على رئيس جديد في حقل التناقضات السياسية الداخلية.
للبحث صلة
فاللقاء الرابع بين عون وميقاتي عقد صباح امس في القصر الجمهوري، وكما كان متوقعاً، بقي كلاهما متمَرس خلف طروحاته التي يعتبرها كل منهما المعبر الالزامي لصدور مراسيم الحكومة. فرئيس الجمهورية المتحفّظ اساساً على تشكيلة ميقاتي التي قدمها له بعد تأليفه، إضافة الى رفضه تشكيلة تبدو ان التعديلات المقترحة فيها تستهدف طرفا بعينه، يصرّ على تطعيم الحكومة الجديدة بستة وزراء دولة سياسيين بما يرفع عدد الحكومة الى ثلاثين وزيرا، في مقابل اصرار الرئيس المكلف على تشكيلته التي قدمها مع تعديل طفيف فيها يتناول تحديداً تغيير وزيري الاقتصاد امين سلام والمهجرين عصام شرف الدين وإبقاء الحكومة بحجمها الحالي من 24 وزيرا. على ان الامر الذي بقي من دون توضيح هو انه بتغيير الوزيرين، مَن سيُسمّيهما؟ (اشارة هنا الى أن رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط رفض ان يسمّي شخصية بديلة عن شرف الدين من خلفية انه لا يريد ان يتدخل في مسار التأليف).
ضمن هذا التباعد، عقد اللقاء القصير بين عون وميقاتي، وانتهى الى ما كان متوقعا منه، اي الى «لا نتيجة ايجابية»، بما أوحى وكأن هذا اللقاء هو الاخير بينهما على هذا الصعيد. وغادر الرئيس المكلف قصر بعبدا، من دون تصريح، ومن دون ان يعكس اي ايجابية. على ان اللافت للانتباه هو انّ بعض المحطات نسبت الى الرئيس المكلف قوله بعد اللقاء «للبحث صلة». وهو ما نفاه المكتب الاعلامي لميقاتي. ويَشي ذلك بأنّ جهود التأليف ما زالت ثابتة في مربّع الفشل.
المعلومات الرسمية
وبعد اللقاء، وزّع مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية معلومات مقتضبة، جاء فيها: «عرض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيس مجلس الوزراء الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي خلال استقباله له صباح اليوم في قصر بعبدا، التطورات المتصلة بتشكيل الحكومة الجديدة. وتم بحث مختلف المعطيات المرتبطة بعملية التشكيل على ان يستكمل التشاور في وقت لاحق».
وسألت «الجمهورية» مواكبين لملف التأليف، فأكدوا «ان لا جديد يُبنى عليه حتى الآن، ونقاط الخلاف المعلومة ما زالت قائمة بين عون وميقاتي. وفي مجمل الحال، منسوب التشاؤم ما يزال الاعلى حتى الآن، الا انّ ذلك لا يعني ان الباب مُغلق نهائياً على إمكان التفاهم في اي لحظة». وعن موعد اللقاء الخامس بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، قالت: المشاورات ستستمر، واللقاء الخامس يفترض انعقاده نهاية الاسبوع الجاري، ولكن حتى الآن وكما سبق وقلنا ليست في اليد أي معطيات ايجابية يُبنى عليها.
سجال يسبق الفراغ
واللافت في موازاة فشل عون وميقاتي في التفاهم على حكومة، بروز ممهّدات سجال صاخب لمرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس عون ودور حكومة تصريف الاعمال وصلاحياتها في ادارة مرحلة الفراغ الرئاسي.
ويبدو جلياً انّ الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية يستعجل تأليف الحكومة. حتى ان بعض الاصوات ضمن هذا الفريق طرحت ان ينزع رئيس الجمهورية التكليف من الرئيس المكلف، وتكليف شخصية جديدة تشكيل الحكومة. والدافع الى ذلك ان حكومة تصريف الاعمال التي يترأسها ميقاتي لا تتمتع بأي صلاحية تُجيز لها ان تناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية فيما لو انقضَت الولاية الرئاسية ولم ينتخب رئيس جديد للبلاد. اذ انّ الصلاحيات الرئاسية تناط بحكومة كاملة الصلاحيات والمواصفات، وليس بحكومة فاقدة لها. وحكومة تصريف الاعمال حكومة لا وجود لها، وبالتالي لا يمكن ان تناط اي صلاحيات رئاسية او غير رئاسية بشيء غير موجود.
على ان الصورة في المقابل مختلفة بالكامل، فمصادر حكومية اكدت لـ«الجمهورية» ان اي كلام عن نَزع التكليف من الرئيس المكلف هرطقة، وكلام بلا اي مفاعيل ولا قيمة له على الاطلاق. ومن يطرح هذا الامر امّا هو جاهل بالدستور، او يتعمّد القفز فوق الدستور من خلفيات انفعالية لا اكثر».
واكدت المصادر انّ الرئيس المكلف عازم على تأليف الحكومة، وسبق له ان قدّم تشكيلة للحكومة الى رئيس الجمهورية، وسعى الى تدوير زوايا الاختلاف حول بعض مضامينها، وبالتالي الكرة ليست في ملعبه. بل في ملعب من يصطنع العقبات ويبذل جهودا خارقة لإفشال التأليف، مشيرة هنا الى الهجومات المتتالية للتيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل والاتهامات الباطلة في مضمونها ضد الرئيس المكلف، والمريبة في توقيتها وتزامنها مع جهود التأليف، حيث انها كلها تصبّ في خانة تعطيل التأليف.
ورداً على سؤال قالت المصادر: حكومة تصريف الاعمال ليست حكومة منعدمة الوجود، بل هي حكومة موجودة. وبالتالي اذا ما انتهت ولاية الرئيس عون من دون انتخاب رئيس للجمهورية، فحكومة تصريف الاعمال هي التي سترث صلاحيات رئيس الجمهورية الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وستقوم بدورها كاملاً لتحيط مرحلة الفراغ الرئاسي بكل مسؤولية.
الأعباء المعيشية
معيشياً، لا يمرّ يوم الا وتضاف فيه اثقال واعباء معيشية خانقة للبنانيين ومنغّصة على حياتهم البائسة على كل المستويات، تضاف بدورها على ما ينتظرهم لاحقاً من ضغط مرهق مرتبط بالدولار الجمركي وسيفه المسلط على كل الفئات الشعبية، علما انه ما يزال يشكل حتى الآن نقطة خلاف جوهرية بين الحكومة ومجلس النواب، وكذلك السد المانع لإقرار موازنة السنة الحالية العالقة بدورها امام اللجنة النيابية للمال والموازنة. وتوصف بأنها موازنة غير متوازنة، وارقامها غير واقعية، ولا تلبّي في جوهرها متطلبات الازمة، وكذلك متطلبات تحصين الاقتصاد.
واللافت ما أعلنه وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل امس «انّ التنسيق في ما خَص الموازنة يسير بالتعاون التام بين الوزارة ولجنة المال والموازنة النيابية»، آملاً «ان ينتهي النقاش بشأنها في غضون أيام قليلة».
واشار الى «أنّ مشروع الموازنة كان قد لحظ وبشكل واضح تحديد سعر الصرف في تقدير النفقات والواردات منذ تحويل المشروع الى المجلس النيابي في شباط من العام 2022». وقال: «إن اقتراح احتساب سعر الدولار على 20.000 ليرة، جاء وفق المعدل الوسطي لسعر صيرفة للأشهر الثلاثة المنصرمة في حينه، وأن أرقام الإيرادات المقدرة آنذاك أتت وفقاً لتوقيع إقرار المشروع ونشره قبل الانتخابات النيابية في أيار الماضي، وبدء الجباية من تاريخ نشر الموازنة».
وعن سعر صرف العملات الأجنبية لاستيفاء الرسوم والضرائب من قبل إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة وعن إقرار الموازنة، إعتبر أنها «مسؤولية يجب على الجميع وَعي أهميتها للحد من الإنهيار، وتلافياً لتحمّل الطبقات من ذوي الدخل المحدود والأقل دخلاً، تَبِعات هذا الإنهيار، كما ولإعادة استنهاض أجهزة الدولة لتستعيد دورها في خدمة المواطن».
المحروقات
وعلى ما بات مؤكدا فإن الاشتعال الحاصل في اسعار المحروقات، وما يرافق ذلك من ابتزاز تمارسه المحطات على المواطنين ويتجلّى ذلك في أرتال وطوابير السيارات امامها، هو مقدمة لرفع الدعم نهائيا عن هذه المادة، بما يزيد سعرها حكما، ويربط سعر صفيحة البنزين او المازوت او قارورة الغاز بمزاجية السوق السوداء وتحكمها بتحديد سعر الدولار.
وفي موازاة الاذلال المتمادي للمواطنين، تحرّكت نقابات المحروقات لمطالبة وزارة الطاقة والمياه والمديرية العامة للنفط برفع نسبة الجعالة على اساس الدولار الاميركي بشكل مُنصف «لكي يكون لدينا القدرة على الاستمرار». وفق ما قررت النقابات في اجتماعها امس. حيث اعتبرت ايضاً ان جدول تركيب الاسعار «اصبح يشكل مشكلة لنا بسبب التأخير في الصدور صباح كل يوم ممّا يؤدي الى تأخير عملية تسليم المحروقات الى المحطات، وبالتالي الى حصول مشاكل مع الزبائن». وطالبت وزارة الطاقة والمياه والمديرية العامة للنفط دعوة جميع المعنيين لإيجاد الحلول الناجعة بصورة فورية لهذه المشاكل و«الّا سوف نكون امام إجراءات سوف يتخذها اصحاب المحطات مُرغمين».
تهديد السفارة
من جهة ثانية، برز تطور امني لافت في الساعات الماضية، تجلّى في تهديدٍ باستهداف السفارة السعودية في بيروت. وفي بيان لوزارة الداخلية، انه «حرصاً منها على مصلحة لبنان وأمنه وأمانه وحسن علاقاته مع الدول الشقيقة لا سيما المملكة العربية السعودية، وإثر انتشار تسجيل صوتي بتاريخ ٢٣-٨-٢٠٢٢ لأحد الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي يتوعّد فيه سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت بعمل ارهابي، وجّه وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، وبصفته رئيس مجلس الأمن الداخلي المركزي، كتابين الى كل من المديرية العامة لقوى الامن الداخلي – شعبة المعلومات طالباً إجراء الاستقصاءات اللازمة والعمل على توقيف من يثبت تورّطه وإحالته امام القضاء، واتخاذ الاجراءات اللازمة بما أمكن من السرعة».
البخاري
ولوحظ امس ان السفير السعودي في لبنان وليد البخاري قد اطلق تغريدة على حسابه على تويتر، كتب فيها: «الارهاب وليد التطرّف، جذوره وبذوره تبدأ بالعقل المحبَط».
الترسيم.. ضبابية
من جهة ثانية، على الرغم من دنوّ شهر ايلول وما قد يحمله من تطورات بحرية ربطاً بإعلان اسرائيل عن البدء في استخراج الغاز من حقل كاريش، تتحكم الضبابية في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وكذلك التهديدات المتبادلة بين «حزب الله» واسرائيل.
وفيما افيد بأن الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين سيصل الى المنطقة في غضون ايام قليلة، اكدت مصادر معنية بملف الترسيم لـ»الجمهورية» ان لا شيء مؤكدا حتى الآن.
على انّ اللافت للانتباه، ما يورده الاعلام الاسرائيلي من تقارير متناقضة حيال هذا الملف، حيث يفيد بعضها بأنّ «حزب الله» واسرائيل غير معنيين بمواجهة عسكرية كلّ لأسبابه.. وانّ اسرائيل يمكنها تأجيل موعد استجرار الغاز من حقل كاريش لعدة اشهر، والدفع الى خفض التوتر». فيما يفيد بعضها الآخر بأنّ احتمالات المواجهة تكبر.
وبرز ما أوردته صحيفة «إسرائيل هيوم» الإسرائيلية بأن تهديدات الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله «تُؤخَذ على محمل الجد في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وهذه التهديدات المتكررة بالحرب من قبل نصرالله تعبّر عن تصعيدٍ بجرأة جديدة لا ينبغي تجاهلها».
ووفقاً للصحيفة، فإنّه «يجب على جهاز الأمن الإسرائيلي أن يأخذ تهديدات نصرالله بجدية تامة، كما أنه يجب البحث عن دوافع خفية قد تدفع «حزب الله» لبدء جولة قتال في المستقبل القريب». وألمحَت إلى أنّ القيادة العسكرية الإسرائيلية تتجهُ للقيام برّد عريض وكبير في حال حصول أي معركة، موضحة أن الاستعدادات الإسرائيلية قائمة وكبيرة.
وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية «أن التهديدات المُتكررة لنصرالله تُقلق إسرائيل»، كاشفة أن «القيادة العسكرية في شمال فلسطين المحتلة والقوات الجوية والبحرية بدأت الاستعداد لاحتمال اندلاع نزاع مُسلح، والعمل جارٍ على وضع الخطط المطلوبة». وقالت: «حتى لو كان «حزب الله» يُخطط ليوم واحد فقط من القتال، وحتى لو لم تكن إسرائيل مهتمة بالحرب، إلا أن المشكلة لكلا الجانبين تكمن في أنّ الأمور قد تتدهور إلى حربٍ حقيقية بسرعة كبيرة، وهو أمرٌ لا يريده الطرفان».
الا انّ الصحيفة خلصت الى القول: «الأنظارُ تتجه الآن إلى مطلع أيلول المقبل حيثُ من المتوقع عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى المنطقة. كذلك، فإنّ هوكشتاين قد يحمل معه اقتراحاً نهائياً قد يوافق عليه الطرفان (لبنان وإسرائيل). وحُكماً، الأمر هذا سيحصل في حال لم يفاجئ «حزب الله» الجميع بأي شيء آخر».