إسألوا من كان بخفايا السلطة خبيرا… فالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم يعلم جيداً أنّ كل المهام الشاقة التي نجح من خلالها على مرّ عقود في تدوير الزوايا الأمنية والسياسية العابرة للحدود وصولاً إلى تحرير الرهائن من قبضة “الدواعش”، أهون من عملية تدوير “زاوية واحدة” بين أركان الحكم في لبنان لدفعهم إلى فك أسر اللبنانيين من قيد الإقامة الجبرية في زنازين البؤس والفقر والقهر، وقد بدا ذلك جلياً في تنبيهه عسكريي الأمن العام أمس إلى أنّ لبنان يقف “على المستوى الداخلي أمام أخطار مهولة يبعث عليها الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي، وهو إنهيار أتى على كل المؤسسات فراحت هياكل الدولة تتآكل”.
وبعدما اصطدمت محاولات ابراهيم المتكررة لإصلاح ذات البين الرئاسي والسياسي بين أهل الحل والربط في الملف الحكومي بحائط مسدود، وآخرها ما تردد عن قيامه في الفترة الأخيرة بمسعى مكوكي لتقريب وجهات النظر بين قصر بعبدا والسراي الكبير لكنّ جهوده سرعان ما خابت تحت وطأة التصلب في المواقف والمواقف المضادة، يبدو أنّ “حزب الله” قرر أن يأخذ المبادرة على عاتقه فزاد منسوب الضغط لاستيلاد آخر حكومات العهد، على أن يكون الأسبوع المقبل “حاسماً” في هذا الاتجاه، حسبما توقعت أوساط مواكبة للملف الحكومي، موضحةً أنّ اتصالات “حارة حريك” تكثفت مع المعنيين إثر اللقاء الرابع الذي عقد في قصر بعبدا، في محاولة لتسريع عملية التشكيل وتعبيد الطريق أمام استصدار “مراسيم التأليف” بعد وضع اللمسات التوافقية الأخيرة على التشكيلة الجديدة خلال اللقاء الخامس المرتقب بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي الأسبوع المقبل.
ولتحقيق هذه الغاية، أكدت الأوساط أنّ “الاتصالات والمشاورات الراهنة على خط حارة حريك – ميرنا الشالوحي تتركز على محاولة إقناع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بأنّ الصدام الدستوري حول تسلّم صلاحيات الرئاسة الأولى في حال بقاء حكومة تصريف الأعمال قائمة في مرحلة الشغور سيأتي بنتائج عكسية لأنه سيشكل عاملاً ضاغطاً على المستويين الداخلي والخارجي بغية تسريع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وذلك بخلاف الحال في حال وجود حكومة أصيلة يمكن أن تتولى مجتمعة صلاحيات الرئاسة الأولى وتقوم بالمهام المطلوبة منها على صعيد اتخاذ القرارات المطلوبة من المجتمع الدولي لتمرير مرحلة الفراغ الرئاسي مهما طال أمده بانتظار توافر الشروط المطلوبة من باسيل وحلفائه في مواصفات الرئيس الجديد”، لافتةً إلى أنّ مساعي “حزب الله” تتمحور من هذا المنطلق على الدفع قدماً بصيغة “التعديل الوزاري” على تشكيلة حكومة تصريف الأعمال، خصوصاً وأنّها “تضمن إبقاء التوازن في الحصص قائماً لصالح مختلف الأطراف في قوى السلطة، سيّما وأنّ ميقاتي أبدى خلال اللقاء الأخير مع عون استعداده للتعاون في مسألة استبدال الأسماء الوزارية المطروحة في التشكيلة الجديدة”.
وأمس، انخفض منسوب التجاذب والتراشق بين الرئاستين الأولى والثالثة، مع تسجيل محاولة دوائر القصر الجمهوري “زكزكة” الرئيس المكلف من خلال خطوة استحضار وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين إلى القصر للقاء عون، لا سيما وأنّ شرف الدين دخل في الآونة الأخيرة في اشتباك علني مباشر مع ميقاتي بلغ مستوى التجريح الشخصي برئيس حكومته عبر وسائل الإعلام.
أما في ما يتصل بإصرار رئيس الجمهورية على أن يتولى تسمية الوزير الدرزي البديل عن شرف الدين في الحكومة الجديدة وحجبه هذا الحق عن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” باعتبار أنه كان محسوباً من ضمن حصة عون الوزارية في الحكومة الحالية، فرأى مراقبون في تغريدة جنبلاط النارية أمس والتي استهدف من خلالها “سيل الحقد والتزوير من سلطة فاشلة” رداً غير مباشر منه “على طريقته” في مقابل محاولة الالتفاف العوني على نتائج الانتخابات النيابية التي كرّست زعامة المختارة المطلقة على الساحة الدرزية.