كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: من يسمع كلام رئيس الجمهورية أمس عن زهرة العمر التي أفناها في النضال والاستبسال في الإصلاح ومكافحة الإرهاب والفساد وتكريس سيادة الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار والرفاه للبنانيين غصباً عن الطبقة الحاكمة الفاسدة في البلد، لا يخيّل إليه أنه هو نفسه العماد ميشال عون الذي بدأ مسيرته “النضالية” في قصر بعبدا عام 1989 بإضرام النار في هشيم الدولة بعدما حرق الأخضر واليابس في معارك “إلغاء وتحرير” عبثية أنهكت اللبنانيين وشرذمت المسيحيين تحت شعار محاربة الاحتلال السوري فانتهت إلى إيقاع المنطقة الشرقية والدولة بجيشها وشعبها ومؤسساتها وخزينتها تحت إمرة ووصاية نظام الأسد على مدى أكثر من عقدين من الزمن، ليعود بعدها إلى قصر بعبدا تحت جنح التسوية التي أبرمها مع نظام الأسد وجناح التفاهم الذي وقّعه مع “حزب الله”، فانتهت مسيرته “النضالية” بالتربّع على كرسي الرئاسة الأولى حاكماً باسم محور الممانعة على رأس هرم السلطة ضارباً بسيف المنظومة الفاسدة نفسها التي يشهر اليوم “سيف محاربتها“!
ولأنّ هامش المناورة أمام العهد يضيق ويتسع بحسب ما يضيق ويتسع صدر راعي المنظومة الحاكمة، يبدو أنّ “حزب الله” قرر أن يضع حدًا لحالة “الدلع” الحكومي بين قصر بعبدا والسراي الكبير، كما وصفها النائب محمد رعد، معبداً بذلك الطريق أمام عقد لقاء رابع “حاسم” بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، حسبما توقعت مصادر مواكبة للمستجدات الحكومية، مؤكدةً أنّ “الرئيس نجيب ميقاتي سيزور الرئيس عون هذا الأٍسبوع لوضع اللمسات التوافقية الأخيرة على عملية التأليف بمعيّة الجهود التي تبذلها قيادة “حزب الله” لدفع الجانبين إلى تدوير الزوايا وتشكيل حكومة جديدة تستبق الفراغ الرئاسي“.
وكشفت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ جهود “حزب الله” ترتكز على “استبعاد طرح توسعة الحكومة والمضي قدماً في إدخال تعديلات وزارية على تشكيلة حكومة تصريف الأعمال الحالية بغية إعادة تعويمها لتصبح حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية في مرحلة الشغور الرئاسي”، مشيرةً إلى أنّ “كل ما يعني “حزب الله” هو تهيئة أرضية حكومية مستقرة لإدارة البلاد في هذه المرحلة لإدراكه أنّ حل معضلة الشغور الرئاسي لن يكون يسيراً تحت وطأة تناحر حلفائه المسيحيين حول أحقية هذا أو ذاك لتولي سدة الرئاسة الأولى، خصوصاً وأنّ عملية التوافق بين رئيسي “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لم تسر بالشكل المطلوب الذي كانت قيادة “حزب الله” تعوّل عليه إثر جمعهما إلى مائدة السيد حسن نصرالله“.
وإذ أكدت أنّ “الطرح القاضي بإدخال ستة وزراء دولة سياسيين الى تشكيلة الـ24 القائمة أسقطه “حزب الله” من الحسابات الحكومية لأنّ الرئيس نبيه بري يعارض السير به”، لفتت المصادر إلى أنّ “المكسب الأساس الذي سيحصل عليه باسيل هو الاحتفاظ بحقيبة الطاقة وعدم إدخالها في سلّة التعديلات الوزارية، سيّما أنّ هذه الحقيبة ستشكل نقطة محورية في المرحلة الحكومية المقبلة الحافلة بالتطورات المتصلة بملفات الكهرباء والنفط والغاز”، أما الرئيس المكلف فسيقتصر مكسبه على “ترؤس حكومة كاملة الصلاحيات طيلة فترة الشغور الرئاسي مع نجاحه في الإبقاء على طرح التعديل الوزاري قائماً وحصره بحقيبتين أو ثلاث على أبعد تقدير كما كان يطالب“.
وعمّا يحكى عن حيازة باسيل الثلث المعطل في الحكومة الجديدة، ترد أوساط حكومية عبر “نداء الوطن” على أنّ أي كلام عن ثلث معطل في مرحلة الشغور الرئاسي هو “كلام غير دقيق وفي غير محله”، وأوضحت أنه “إذا كان فريق باسيل الوزاري يتمتع في التركيبة الحالية بالثلث المعطل، فإنّه في الفراغ الرئاسي لن يحتاج أي فريق إلى ثلث معطل لأنّ تسلّم مجلس الوزراء مجتمعاً صلاحيات رئيس الجمهورية سيجعل كل وزير قادراً على التعطيل إذا تمنّع عن توقيع أي من القرارات“.
وتلفت الأوساط الانتباه إلى أنّ “الرئيس بري سيكون لاعباً أساسياً في المشهدين الرئاسي والحكومي ابتداء من أول أيلول”، موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، موضحةً أنّ ذلك مرده بشكل رئيسي إلى تحكّم بري بمسألة تحديد موعد الدعوة لانتخاب الرئيس، “ومن هنا فإنّ اللعبة ستصبح بيده لأنه متى دعا المجلس يتحوّل عندها إلى هيئة ناخبة ولن يكون بمقدور النواب التشريع أو منح أي حكومة جديدة الثقة، وهذا ما سيشكل عاملاً ضاغطاً على عون وميقاتي للإٍسراع في التأليف قبل توجيه رئيس المجلس النيابي الدعوة للبدء بدورات الانتخاب الرئاسي“.