على وقع التطورات العراقية الساخنة، يخطو لبنان خطوات تبدو محسومة باتجاه فراغ رئاسي يرجح ان يشرع البلد على المجهول، هو الذي يعاني واحدة من اشد الازمات المالية التي عرفها التاريخ الحديث. وعلى بُعد شهرين فقط من نهاية ولاية الرئيس الحالي ميشال عون، تبدو كل الافق مغلقة امام تسوية قد تسمح بانتخاب رئيس جديد، ما يزيد احتمال تكرار تجربة الاستحقاق الرئاسي الاخير الذي لم ينجز الا بعد عامين ونصف من موعده الدستوري.
وتستعد مختلف القوى للمرحلة المقبلة وتحدياتها على اساس ان الانتخابات لن تحصل في وقتها، وانه آن اوان وضع كل الخيارات على الطاولة لاعتماد أحدها، من هنا يمكن رصد ضغوط قصوى تمارس على رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي لانجاز مهمته قبل الـ ٣١ من تشرين الاول، منعا للدخول في نفق مظلم ستكون بوابته كباشا دستوريا يتوقع ان يأخذ مداه ليتخذ اشكالا جديدة وخطيرة مع مرور الوقت في ظل الانقسامات الطائفية والمذهبية الحادة.
ويحصل هذا كله فيما ادارة البلد المشلع تقوم حصرا على «الترقيع» في كل الملفات دون استثناء، وبقرار واضح وصريح بتجميد كل الخطوات الاصلاحية الاساسية بانتظار ما ستؤول اليه الانتخابات الرئاسية. وهو ما ابلغ به ميقاتي عددا من الوزراء مؤخرا بقوله ان المفاوضات مع صندوق النقد وكل التشريعات الاصلاحية الاساسية لن تحصل قبل انجاز الاستحقاق الرئاسي، وهو ما تجلى بوضوح يوم امس بسقوط مشروع قانون «الكابيتال كونترول» مرة جديدة بضربة الاجماع النيابي في اللجان.
العين على العراق
اذا يتابع المسؤولون اللبنانيون عن كثب المستجدات العراقية الدموية لعلمهم بأن ما يحصل هناك سينعكس بطريقة او بأخرى على لبنان. وقالت مصادر سياسية لبنانية ان «واشنطن تلقت ضربة جديدة في العراق عبر مقتدى الصدر الذي بات وضعه شبيها الى حد كبير بوضع سعد الحريري» لافتة في تصريح لـ «الديار» الى ان «التطورات هناك سيكون لها اثر على الصعيد اللبناني بشكل او بآخر لانه بنهاية المطاف يمكن الحديث عن وحدة مسار ومصير بين البلدين حيث ان واشنطن تستهدف فيهما رأس المقاومة».
ضغوط قصوى على ميقاتي
في هذا الوقت، بدت لافتة ملاقاة ميقاتي تصعيد باسيل الذي قال بصريح العبارة أن «حكومة ميقاتي الحالية لن تحكم ورح نعمل مشكل كبير بالبلد»، بنوع من الهدوء وباشاعة اجواء ايجابية. اذ نقل عنه يوم امس أنه لم يمانع ان يسمي الرئيس عون البديلين من وزيري الاقتصاد والمهجرين، باعتبارهما من حصته، لكنه لفت الى انه بحاجة للحصول على دعم نواب عكار السنّة ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لتنال الحكومة الثقة المطلوبة. وفيما أبدى تفاؤلا في تشكيل الحكومة واستعدادا لبلوغ هذا الهدف، شدد على ان الأهم انتخاب رئيس للجمهورية. وقال «اولويتنا العمل على انقاذ البلد وتشكيل الحكومة، اما الجدال والسجال فله هواته وليقولوا ما يشاؤون فالحقائق واضحة والدستور واضح».
وقالت مصادر مواكبة لعملية التأليف انها لم تتوقف وان المشاورات تحصل حاليا عن طريق وسطاء بين عون وميقاتي، لافتة في حديث لـ «الديار» الى ان ضغوطا قصوى تمارس على الرئيس المكلف لانجاز مهمته. واضافت المصادر : «كل الاوراق بات حلال لعبها بعد تصعيد المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى دعما لميقاتي وطروحاته. فاذا كان برأيهم تسليم صلاحيات الرئيس المسيحي لحكومة تصريف اعمال دستوريا، فعندها قد يصبح بقاء عون في بعبدا بعد انتهاء ولايته دستوريا على اساس ان الضرورات تبرر المحظورات». وشددت المصادر على ان «الوصول الى ٣١ تشرين الاول من دون تشكيل حكومة سيعني ان البلد سيكون مشرعا على كل السيناريوهات، ويتم حاليا التدقيق بكل منها، و»التيار الوطني الحر» وحزب الله سيكونان صفا واحدة بعكس ما يراهن البعض خاصة وان الحزب ممتعض حدا راهنا من آداء ميقاتي».
وتتجه الانظار اليوم الى ما سيقوله رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، سواء على صعيد ملفي الرئاسة او الحكومة والاهم بما يتعلق بدعوته الى جلسات لانتخاب رئيس للجمهورية باعتبار ان المهلة الدستورية لتوجيه هذه الدعوات تبدأ اليوم، وقد سبق له ان ربط اي دعوة باقرار عدد من القوانين الاصلاحية.
«الكابيتال كونترول» يسقط مجددا
وكما كان متوقعا، سقط يوم امس مشروع قانون «الكابيتال كونترول» الذي كان قد ارسلته الحكومة الى المجلس النيابي في ظل اجماع القوى السياسية على رفض بحثه خارج اطار خطة التعافي. وقالت مصادر نيابية لـ «الديار» ان تفاهم القوى المتصارعة على هذا الملف يندرج باطار الشعبوية التي لا تزال تسير هذه القوى الساعية لاظهار نفسها «المنقذة» امام ناسها. واضافت المصادر: «كلهم يعلمون ان المفاوضات مع صندوق النقد وكل القوانين والمشاريع الاصلاحية معلقة ومجمدة بانتظار جلاء مصير الانتخابات الرئاسية. وقد كان ميقاتي صريحا امام عدد من الوزراء مؤخرا حين ابلغهم ان المفاوضات والمشاريع باتت مرتبطة بانجاز الاستحقاق الرئاسي».