أقيمت ظهر اليوم، ندوة في مقر نقابة الصحافة، ناقش خلالها الكاتب والباحث الأب الدكتور ميخائيل روحانا الانطوني، رؤيته الاصلاحية للدستور اللبناني من خلال كتابه “الجمهورية الخامسة: الحل للمعضلة اللبنانية”، في حضور وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، نقيب الصحافة عوني الكعكي، النائب السابق غسان مخيبر وشخصيات فكرية واجتماعية واعلامية.
المكاري
وأشاد المكاري بأهمية ما يكتبه الأب ميخائيل، لا سيما لجهة “عمقه وفلسفته، فهو دائما يأخذنا الى البعيد، ولا يمكننا اختصار تفاصيل هذا الكتاب بكلمة واحدة، بل يجب قراءته اكثر من مرة”، واصفا الكتاب، بـ”السلس والسهل والمثير”.
وقال: “ما يدعو للحيرة، ليس عنوان كتاب الأب ميخائيل روحانا الانطوني “الجمهورية الخامسة – الحل للمعضلة اللبنانية”، بقدر التفكير في أحوال جمهورية كانت سمتها منذ تأسيسها توالي الازمات التي عصفت فيها منذ فجر تكوينها وحتى اليوم”.
أضاف: “للمصادفة، أن 1 ايلول 1920 شهد اعلان لبنان الكبير، بصفته الكيان الأول لشكل النظام السياسي و الدولة، أو تكوين الهوية الوطنية الخاصة خارج منطق الإمارة او المتصرفية في جبل لبنان، بل ولادة دولة. وما يدعو للتفكير حقا، هو أحوال هذه الدولة في عصرنا الراهن، إذ ينبغي بذل جهد كبير في التفكير حول مستقبل هذا الكيان في ضوء الأزمات الشديدة”.
وتابع: “بين دفتي الكتاب بأجزائه وفصوله المتعددة، استوقفني البعد الفلسفي كما العمق الدستوري عند المؤلف، خصوصا في تشريح المسألة اللبنانية عبر اطر غير مألوفة، أبرزها ما جاء في الصفحة 40 عند طرح سؤال صعب ” اي لبنان نريد؟”، خصوصا في ضوء الواقع المأسوي و الافق المسدود، ورغم ذلك لا ينبغي الركون لنظرية العدم وحتمية التلاشي”.
وقال: “كما استوقفني الاستنتاج بأن الاحتفاظ بالتراتبية الطبقية التحاصصية في نظام الجمهورية تعني حتمية الفشل وبالتالي العقم، وبالتالي إعادة السؤال بصيغة مختلفة وهو كيفية تفادي هذا العقم”.
أضاف: “في هذا المجال، طرح الحلول مهمة شاقة بل مستحيلة أمام الاستعصاء السائد، لكن ينبغي الإشارة الى أن العقم ليس من طباع هذا المكون البشري الذي سكن الجبال منذ آلاف السنوات وعاصر حضارات مختلفة. العقم ليس قدرا لكن ينبغي العمل على ارادة وطنية صلبة”.
وختم: “من باب الانتماء الوطني وقبل المسؤولية الوزارية، أدعو إلى إعطاء هذا الكتاب الاولوية القصوى في الدراسة والتفكير، والمناقشة من منطلقات عديدة. فالصيغة اللبنانية باتت تتطلب إعادة نظر في كل شيء، لاننا جميعا لا ينبغي الاستسلام للعقم الفكري والثقافي والاجتماعي”.
الكعكي
من جهته، قال الكعكي: “بعد فشل جمهورية الاستقلال الأولى وجمهورية الطائف الثانية، وفي توقع لفشل الجمهوريتين الثالثة والرابعة إن لم ترتقيا إلى صعيد المثل الأصيلة وإلى فهم موضوعي صحيح للتاريخ – هي مقاربة للوضع السياسي اللبناني من منظور المؤلف، الراهب الذي يستوحي روحانية رهبانيته الأنطونية المارونية: روحانية النسك والرسالة، المتميزة بالطيبة والوداعة والرحمة في خدمة الله والانسان، والعاملة في عمق وانفتاح وتنظيم الأوليات، والتي شدت فضائل رهبانها الشهامة العربية المتمثلة بآل أبي اللمع وآل مزهر الدروز، وبفرع كبير من آل شهاب المسلمين”.
أضاف: “هذه المقاربة تنطلق من المثل السميا الأصيلة: الواحد، الحق، الخير، الجمال، الطيبة الوديعة الرحومة، الانفتاح على الآخرين، الحدب على الفقراء، من ضمن إنتاجية بارزة جعلت عهد المتصرفية مرقد عنزة هنيا”.
وتابع: “يلاحظ المؤلف، بأسى، أن مثلا بينية paradigms حلت محل المثل الأصيلة: الطائفية محل الانسانية المتدينة، الإقطاعية محل الديمقراطية، المناطقية محل الوطنية، الأصولية محل الاعتدال. ثم يحاول أن يلفت نظر اللبنانيين، في مطلع الألفية الثالثة، إلى وجوب التخلي عن التاريخ وعن الذاكرة الجماعية التي لا تنتج إلا أجساما مضادة، سلبية في جوهرها، ليعرض أمامهم نظرة جديدة إلى سيرورة التاريخ اللولبية”.
روحانا
أما روحانا فقال: “بعد استمطار بركة الله علينا وعلى وطننا المفدى لبنان، من واجبي أن ألفت إلى أن الكتاب وما أقوله هما رؤيتي الشخصية ولا علاقة لهما لا بمواقف الكنيسة المارونية ولا الرهبانية الأنطونية التي أنتمي إليها”.
أضاف: “عندما تضيع الرؤوس احفظ رأسك – قال المثل، وهذا ما ينطبق على صعيد الداخل اللبناني، وما أن ننظر إلى وضع العالم الخارجي ومخاطر الحرب النووية فيه حتى يصبح المثل نفسه “عند تغيير الحكم احم رأسك”. فاذا لو كان التغيير على مستوى تسلط القوى العظمى على مجريات التاريخ والجغرافيا، والرأس الذي يجب حمايته هو لبنان؟ ابتدأت بوضع نظرية الجمهورية الخامسة سنة 1984 (وكان اسمها الجمهورية الثانية آنذاك) عند مفصلين تاريخيين:
– الأول تحصيلي اللاهوتي والفلسفي في مدينة روما، والذي أختصره للمناسبة بالآيات التالية: من جهة اللاهوت، في العهد القديم: “متى غابت الرؤيا (ة) هلك الشعب … ” (أم ١٩: ٢٨) و”افتح يا لبنان أبوابك ولتلتهم النّار أرزك“ (نبوءة زكريا ۱۱، ۱-۲). أما في العهد الجديد فـ “البيت الذي ينقسم على نفسه لا يثبت ” و يخرب” (مت ١٢، ٢٥)، “فليكن كلامكم نعم، نعم ولا، لا” (مت 5، 37)، وأخيرا وليس آخرا “كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحام” (مت ۱۰، ١٦) وهذه تعاليم تدخل في أساس علم السياسة، أي إدارة المدينة بحجرها وبشرها. أما من جهة الفلسفة فأهم ما يختصرها هي مقولة أبي الفلاسفة أرسطو: “اعرف نفسك”.
– والثاني احتلال العدو الإسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، بلدتي بيت مري ضمنا، وما سبقه وما تلاه من اغتيالات ومجازر، إلى انسحابه إلى منطقة جزين والجنوب وبقائه بكل مخابراته يبث سم الإشاعات والكذب في دسم الإعلام، دافعا، سريا، بالأحداث كي لا تقوم قيامة للبنان.
وتابع: “حركنا آنذاك، نحن الرهبان الأنطونيين، كافة جامعات روما الكاثوليكية وقمنا بمسيرات منددين بالاحتلال، وباغتيال رئيس الجمهورية الشيخ بشير الجميل، وبمجازر صبرا وشاتيلا، مطالبين بالضغوط الدولية لإرغام العدو المحتل على الانسحاب من لبنان. وعليه، كان لا بد من الحفاظ على رباطة الجأش والعودة إلى كل ما تعلمناه من الحكم الإلهية والفلسفية وبخاصة ما يفيد معرفة النفس “اعرف نفسك”، أي اعرف لبنانك. ومن خلال التأمل والصلاة لمعرفة نفسي، فهمت أن نفس الإنسان لا تنفصم عن نفس اهله ومجتمعه وتقاليده وبالتالي عن كل ما يكون وطنه. ولبنان كالذي كتبه جبران خليل جبران، ووصفه شارل مالك، وغناه الرحابنة وفيروز ووديع الصافي، وخلبت بجاله اقلام الأدباء والشعراء والمفكرين من مقيمين ومنتشرين ومستشرقين، هو لا محالة جزء من روح كل لبناني ولبنانية، وبالتالي داؤه دائي ودواؤه دوائي. فما داء وطني هذا إذا حتى أجد له الدواء؟
ما هو الداء:
1- أول الداء هو “الأنا” الاستئثارية والفوقية التي أسست للتمييز الطائفي والمحاصصة السقيمة، ما حجر مستقبل الوطن في تداعيات ماضيه (reminiscence) : الفتح الإسلامي، الصليبيين، المماليك، العثمانيين، ومذابح 1840 و1860، والنكبة ١٩٤8 حلول دولة إسرائيل في الشرق ومعها كل الويلات على ما كتب آنذاك الفيلسوف ميشال شيحا.
۲ – الداء الثاني، وهو نتيجة الداء الأول وأعراضه (symptoms الطائفية المشؤومة، ونميزها بـ”المشؤومة” لأن مفهوم الطائفية ليس بحد ذاته سيئا، إنه كلمة من قاموس الأديان وعلم الاجتماع، إنها استغلال الدين لحماية نتائج الداء الأول، لمصالح شخصية على حساب الصالح العام، وخدمة للاحتكار والاستئثار بمفاتيح السلطة لتسهيل سوء استعمال المال العام لدرجة سرقته، وتهبه الممأسس، هي علة العلل لأن فيه تطبيق لنزوات الداء الأول تطبيقا مؤذيا للآخرين وللخير العام – ما يمكن اعتباره جناية.
3- الداء الثالث هو انعدام الثقة والخوف من الآخر والشك بأمانته لوطنه وهذا الشك القاتل دون هوادة، من جهة بسبب استغلال الوجود الفلسطيني على أرض لبنان وتسليحه بشكل هدد كيان الوطن بتغيير توازناته وبالاستعاضة به عن فلسطين، ومن جهة أخرى بسبب من احتل أرض فلسطين وبنى وطنا عنصريا دمويا بات عدوه اللدود المثال اللبناني بالعيش المشترك وبالإنهاء العام للبلاد علميا واقتصاديا وسياحيا، فراح يكيل كل المؤامرات الممكنة كي يدك هذا المثال، وبابوات روما شهود على ذلك.
واستنادا إلى هذه “الأدواء” الثلاث التي تنبع منها كل الشرور الممكنة، وهذا ما نعيشه اليوم، مضيفا إليها علة الربط العاطفي للمستقبل بالماضي، وضعت الحلول التي أساسها تعديل الدستور المعمول به آنذاك.
ما هو الدواء
أ- أول الدواء هو في معرفة أي لبنان نريد. هذا السؤال مفصلي اليوم، بعد التشرذم الذي أصاب التعدد اللامحصور للإعلام المرئي والمسموع القادر على العصف الفكري وتغيير الشعب بسبب قناعات الناس:
نريد لبنانا باتت ألفه في حاضره وياؤه لا تبرح تجذب الكل إليها من دون تمييز أو تفضيل: لا حضارة تحت ولا حضارة فوق، لا دين تحت ولا دين فوق، لا عائلة تحت ولا عائلة فوق، لا إقطاعية ولا مناطقية ولا حزبية-فئوية-أصولية، بل أمة لبنانية واحدة موحدة يتكامل فيها الجميع، “متكائنين” في شكل محوري في سياق حركة لولبية التاريخ حول لب هذا الكيان الذي هو كرامة الشعب المبنية على حق الإنسان في الحياة، وحرية المعتقد، وحرية التعبير، والمشاركة العادلة في تقرير المسار والمصير المشتركين، مع حفظ أولوية الصالح العام. (ص. 40) وبالتالي، ومع الدعوة لتخطي حتميات التاريخ التي تكبل الحاضر وتميت المستقبل، وبعد حوالي أربعين صفحة من فلسفة التاريخ وفلسفة مناهج الحكم المختلفة في العالم، أتى في الفصل الأول اقتراح مقدمة للدستور العتيد أستل منها ما يلي. (ص. ٥٧) اعتماد شرعة حقوق الإنسان ب”.