أظهرت تطورات الأسبوع الحالي وجود نشاط «غير عادي» في قيادة «التيار الوطني الحر» الموالي لرئيس الجمهورية ميشال عون؛ إذ بدا وكأن صهره النائب جبران باسيل يقوم بعملية «تنظيف» داخلية لمناوئيه داخل التيار بعد نهاية الانتخابات البرلمانية وقرب انتهاء ولاية الرئيس عون.
فبعد معلومات ترددت عن إقالة النائب السابق زياد أسود من التيار، خرج النائب السابق ماريو عون ليعلن استقالته ويشنّ هجوماً مباشراً على باسيل. وقالت مصادر معارضة لباسيل من داخل التيار لـ«الشرق الأوسط»، إن قضية أسود كانت «بالون اختبار» رماه باسيل لمعرفة رد فعل القاعدة الحزبية، قبل تحويل القرارات إلى أمر واقع. وكشفت المصادر، عن أن قراراً بطرد أسود وعون وعدد آخر من القياديين صدر بالفعل، ويحتاج إلى توقيع باسيل بعد المحاكم الحزبية ليصبح نافذاً.
وبعد تأزم العلاقة بين باسيل وعدد من القياديين على خلفية الترشيحات ونتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، أعلن النائب السابق ماريو عون استقالته من التيار، قائلاً، إن «الطبّاخين في التيار وبينهم النائب جبران باسيل خطّطوا للإطاحة بي».
وكان عون من أبرز قياديي التيار، وجرى استبعاده من قوائم المرشحين على لوائح التيار في الانتخابات الأخيرة، وكشف باستقالته عن خلل في العلاقة على مستوى القيادات، داخل التيار الذي حصد التفافاً واسعاً، وخصوصاً في صفوف المسيحيين بعد عودة العماد ميشال عون من فرنسا في العام 2005، وتعمقت الخلافات بين القياديين والتيار بعد تسلم النائب باسيل رئاسته في العام 2015.
وقال ماريو عون في مقابلة فيديو نشرها موقع «ليبانون ديبايت» المحلي أمس «تقدّمتُ باستقالتي من التيار الوطني الحر والطبّاخون في التيار وأوّلهم جبران باسيل خطّطوا للإطاحة بي»، وأضاف «لا يعتقدنّ أحد أنّ الصفحة ستُطوى بهذه السهولة». وقال، إنه «طُعن وضُرِب في بيت أبيه»، مؤكداً أنه «لن يسامح من مسّ بكرامته».
وقال عون، إنه يغيب طوعياً عن الإعلام، و«أوقفتُ مسيرتي السياسية بشكل مؤقت لأن الظروف لم تكن ملائمة في هذا الوضع»، نافياً أن تكون هناك إبعاد له رغم وجود اختلافات. وقال، إنه لم يكن راغباً في الترشح للانتخابات النيابية في 2022، لكن «حصل تحدّ وانتقاص من قيمتي» من قِبل أشخاص قبضوا على الملف الانتخابي في التيار. وقال، إن «الطباخين على مستوى القرار الانتخابي، قاموا بخطوة مقصودة للإطاحة بي» من دون تبرئة النائب باسيل من هذا الأمر. وقال، إنه ظُلم في التيار، علماً بأنه من المؤسسين، وكان من المقربين من الرئيس اللبناني ميشال عون، نافياً أن يكون الرئيس عون مشاركاً في عملية اقصائه.
وتحدثت مصادر قريبة من ماريو عون، عن أن الإشكالات بدأت معه منذ الانتخابات «لأنه لم يتم تبني ترشيحه»، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «عندما رشحت معلومات عن أن مجلس الحكماء يريد اتخاذ قرار بمحاكمته، استبق الخطوة وقدم استقالته، ليقطع الطريق على المحاكمة، لكن رئيس التيار الوطني الحر لم يقبل بعد استقالته»، وسط حديث عن إصرار باسيل على محاكمة عون أمام «مجلس الحكماء».
وكشفت المعلومات عن اتجاه «لمحاكمة أكثر من مسؤول في التيار، كالنائب حكمت ديب أمام مجلس الحكماء أيضاً لأنه نائب سابق، وآخرون أمام المجلس التحكيمي كمسؤولين وقياديي صف ثان ومسؤولي أقضية».
وجاء إعلان ماريو عون بعد أنباء عن قرار بطرد النائب السابق زياد أسود، لكن أسود رفض الرد على موضوع المحاكمة في «التيار الوطني الحر»، وموضوع إقالته وفصله، رفضاً قاطعاً، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك شيء اسمه محكمة لشخص لم يخطئ».
وفي حين رفض أسود التعليق أيضاً حول علاقته بالتيار وبرئيسه جبران باسيل، تحدثت مصادر في جزين (المنطقة التي يتحدر منها أسود) عن الأجواء التي رافقت الانتخابات النيابية وقبلها، مشيرة إلى أنه «ليس أسود من قرر في جزين إنما رئيس الجمهورية ورئيس التيار جبران باسيل، وأمل أبو زيد. من هنا من يتحمّل المسؤولية ليس أسود»، كاشفة عن أن لا تواصل بين أسود وباسيل منذ أكثر من 8 أشهر. وأكدت المصادر، أن أسود «لا يزال في خطّه النضالي وفق المبادئ الأساسية التي نشأ عليها التيار العوني».
وانفجر ملف التناقضات في التيار، خلال فترة الترشيحات للانتخابات النيابية، حيث تم استبعاد ماريو عون من أسماء المرشحين على قوائم التيار، وأظهرت الترشيحات للانتخابات النيابية أزمة داخلية في التيار عكست تصدعاً داخله على خلفية الترشيحات بعدما استبدل باسيل حزبيين ونواباً بشخصيات من غير الحزبيين، في حين قدم عضو تكتل «لبنان القوي» النائب حكمت ديب، استقالته من «التيار»، على خلفية استبعاده من الترشيحات للمقعد النيابي في دائرة بعبدا في جبل لبنان. وتفاقمت أزمة التيار بعد الانتخابات النيابية التي جرت في 15 مايو (أيار) الماضي، وخسر بعض المرشحين على قوائم التيار. وقال باسيل آنذاك «المحاسبة في التيار صارت ضرورية على كلّ المستويات، لا نستطيع أن نبقى محكومين بنظريّة أنّه لا يمكن أن نخسر أحداً… لأن كلفة بقاء البعض من دون محاسبة صارت أكبر من كلفة خروجهم».
ولا يعد هذا الإجراء الأول في التيار الذي خضع لثلاثة اختبارات من هذا النوع، بدأت في العام 2006 بعد انشقاق اللواء عصام أبو جمرا عن التيار الذي أسسه الجنرال ميشال عون، إثر توقيع ورقة التفاهم مع «حزب الله» في العام 2006، ثم توالت حركة الاعتراض داخل التيار، وتنامت بعد توقيع ورقة التفاهم مع «تيار المستقبل» التي أوصلت عون إلى الرئاسة في العام 2016.
وفي 27 أغسطس (آب) 2015، انتخب جبران باسيل رئيساً للتيار الوطني الحر. وأولى ضحايا حركة الاعتراض تلك كانت المجموعة المؤسسة للتيار، التي اعترضت بعد تنامي نفوذ باسيل في التيار وترؤسه، ومن أبرزهم زياد عبس ونعيم عون وأنطوان نصر الله وغيرهم… فعالجهم باسيل بالطرد من التيار في العام 2016، قبل أن تتنامى حركة الاعتراض في العام 2019 على أثر الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في بيروت، والمعارضة لمقاربات باسيل السياسية… وطرد من التيار في العام 2019 قياديون أبرزهم رمزي كنج.
ويحمّل القياديون المنشقون عن التيار، النائب باسيل مسؤولية ما يجري، ويقولون، إن إخفاقاته في السياسة «أدت إلى تراجع تمثيل التيار من 70 في المائة لدى المسيحيين في العام 2005، إلى نحو 25 في المائة من المسيحيين في الانتخابات الأخيرة»، فضلاً عن تراجع عدد كتلته النيابية إلى حدود العشرين نائباً مع حلفائه أخيراً، بعدما كانت كتلته في الانتخابات السابقة في 2018 تضم 29 نائباً.