المشهد الابرز في الحياة السياسية اللبنانية هو الزيارة السريعة التي قام بها الوسيط الاميركي في ظل موقف حزب الله الصارم والحاسم والذاهب حتى النهاية في الحفاظ على حقوق لبنان النفطية، حيث تهدف الزيارة الى توجيه رسالة اميركية بان ملف ترسيم الحدود البحرية يخضع لعناية واهتمام اميركي حتى لو لم تتحقق نتائج فورية وحتما الى ابعاد الصدام بين لبنان و»اسرائيل» .
من جهتها، اشارت مصادر مقربة من قصر بعبدا للديار الى انه خلال الاجتماع الذي حصل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوسيط الاميركي آموس هوكشتاين تم عرض نتائج الاتصالات التي قام بها مع الجانب الاسرائيلي في ضوء الملاحظات التي استمع لها في اخر زيارة له في لبنان. كما عرض الاتصالات التي قام بها مع المسؤولين في شركة توتال ومع الجانب الفرنسي. واضافت المصادر انه بالنسبة للمفاوضات، لا يزال لبنان موقفه واضح وهو التمسك بخط 23 وحقل قانا وعليه قال هوكشتاين بان لبنان سيكون له ما يريد في ملف ترسيم الحدود البحرية علما ان هناك بعض النقاط الذي يريد ان يستوضحها بهدف التوصل الى صورة شاملة في ما يتعلق بوضع حقل قانا الذي سيحصل عليه لبنان كاملا وبالاتفاق الذي سيبرم مع العدو الاسرائيلي بشكل غير مباشر عبر الولايات المتحدة. ولفتت المصادر الى ان هوكشتاين اعطى اجواء ايجابية قائلا انه اذا تم التفاهم على بعض النقاط العالقة المتعلقة بخط 23 عندها سيوقع الاتفاق خلال فترة وجيزة. اضف على ذلك، اعرب الوسيط الاميركي عن ارتياحه ازاء حصيلة الاجتماعات التي عقدت مع شركة توتال التي ستباشر في التنقيب في الحقول اللبنانية فور الوصول الى اتفاق في ملف الترسيم البحري. الى جانب ذلك، كشفت المصادر المقربة من قصر بعبدا ان هوكشتاين رأى انه من الضروري ابرام اتفاق في ترسيم الحدود البحرية وهنا استمع الجانب اللبناني الى ملاحظات الوسيط الاميركي والافكار التي طرحها حيث قال الرئيس عون انه سيتم درس هذه الملاحظات ليتخذ لبنان الرسمي لاحقا موقفا موحدا حيال هذا الموضوع.
الى جانب ذلك، تؤكد دعوة بري الى العودة للناقورة للتفاوض غير المباشر برعاية الامم المتحدة وبوساطة اميركية الاجواء الايجابية التي انتجتها زيارة هوكشتاين.
ويذكر ان الافرقاء السياسيين اللبنانيين خارج الحكم يودون التعامل مع ملف الترسيم بعد حصول الاستحقاق الرئاسي على غرار القوات اللبنانية والكتائب وغيرهم الا ان هؤلاء لا فعالية لهم على ارض الواقع في هذا الموضوع.
الادارة الاميركية وسلطة الاحتلال تريدان شراء الوقت حاليا لذا….
وفي النطاق ذاته، بات من الملاحظ ان هناك ملفين مؤجلين الى ما بعد الانتخابات الاميركية والاسرائيلية. ومن الواضح ان المباحثات حول الاتفاق النووي الايراني تم ترحيلها الى ما بعد الانتخابات الاميركية لان الادارة الاميركية لا تحبذ توقيع اتفاق نووي قبل الانتخابات النصفية خشية ان يؤدي ذلك الى تاثير سلبي على الادارة الاميركية الحالية في ظل جو اميركي معارض لاي اتفاق مع ايران. والامر ينطلي ايضا على العدو الاسرائيلي حيث ان الصراع الانتخابي الداخلي القائم ادى الى ارجاء ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان الى ما بعد الانتخابات كي لا تخسر السلطة الاسرائيلية القائمة انتخاباتها وسط رفض من قبل الصقور الاسرائيليين بابرام اي اتفاق يفيد حزب الله وان كان بطريقة غير مباشرة. وعليه، بات واضحا ان السلطة الاميركية وحكومة الاحتلال يريدان شراء الوقت لتأمين مصالحهما اولا ومن ثم التوجه مجددا لمقاربة ملفات مهمة.
وايضا، كشفت مصادر ديبلوماسية للديار ان الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين بمقدار ما يريد التوصل الى اتفاق في ترسيم الحدود البحرية بمقدار ما يريد ان تكون مصلحة «اسرائيل» فوق كل اعتبار ومن دون اي تنازل ينتقص من «ثروتها النفطية». وكما اصبح معلوما ان التوصل الى اتفاق بين لبنان والعدو لن يحصل قبل الانتخابات الاسرائيلية كي لا تستغل المعارضة الاسرائيلية اي موقف من سلطة الاحتلال الحالية في هذا المجال، سيكون للوسيط الاميركي زيارة اخرى للبنان لاستكمال المباحثات في ملف ترسيم الحدود البحرية والذي قال انه سيكون هناك اتفاق يصب في مصلحة نظام لبنان الاقتصادي.
مصادر مقربة من قصر بعبدا: هذا الخبر عار عن الصحة
من جهة اخرى، نفت مصادر مقربة من قصر بعبدا ما تحدثت عنه قناة الحدث من ان الرئيس ميشال عون طلب من وزير الخارجية اللبناني شطب قرار 1559 كما عدم التمديد لقوات اليونيفيل مؤكدة ان هذا الخبر عار عن الصحة.
الاقتصاد اللبناني مدمر
في غضون ذلك، ورغم النشاط الاميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية، لا يكترث المواطن اللبناني لهذه اللقاءات بعدما تعذر عليه ان يلبي حاجاته الاساسية في ظل فقدان الليرة اللبنانية قيمتها يوما بعد يوم واستمرار الانهيار دون اي رادع او خطوة احتوائية تخفف من وطأته على الشعب. ذلك ان الفقراء يزدادون في لبنان فضلا عن المجزرة التي تحصل في حق ابناء هذا البلد وهي الهجرة الى حد ان البلاد فرغت من ناسها ورحلت نسبة كبيرة من الشباب اي هجرة الادمغة والتي تعتبر اكثر ايلاما من التدهور المالي والاقتصادي. والحال ان اللبنانيين الذين هاجروا حديثا يبنون مستقبلهم خارجا ولن يعودوا الى لبنان للاستقرار فيه مجددا بما انهم راوا بأم العين ان لا خطة تعاف جدية لانقاذ لبنان. وقصارى القول خسر الوطن شعبه وادمغته وشبابه وطرأ تغيير ديمغرافي خطير اجتماعيا ولا احد من المسؤولين يسأل.
لا حرب في ايلول
الى ذلك، ترك كلام مدير الامن العام اللواء عباس ابراهيم ارتياحا في الوسط السياسي والشعبي من عدم نشوب حرب بين المقاومة والعدو الاسرائيلي بقوله ان الوضع الامني بخير في دردشة مع الاعلاميين ما يؤكد ان الامور ذاهبة نحو التهدئة وليس التصعيد العسكري في شهر ايلول.
«اسرائيل» وراء قرار اعطاء الحرية لليونيفيل في تحركه بجنوب لبنان
من جانبها، كشفت مصادر ديبلوماسية للديار ان قرار الامم المتحدة الاخير باعطاء حرية التحرك لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان دون مؤازرة الجيش لها هو مطلب اسرائيلي حيث في بدء الامر عندما اتت هذه القوات كان اهالي قرى الجنوب يتصدون لها ويعتبرون تحركاتها استفزازية ولذلك استنجدت قوات اليونيفيل بالجيش اللبناني ليرافقها في جولاتها في القرى تجنبا لاي صدام مع الاهالي.
واليوم ستعود المواجهة بين الاهالي وبين قوات اليونيفيل في اي تحرك تقوم به ولذلك القرار الاخير للامم المتحدة لن يكون عمليا ولن ينفذ بل سيدعو اليونيفيل الجيش مرة جديدة ليرافقه في تحركاته لعدم استفزاز اهالي القرى اللبنانية الجنوبية الحدودية.
تعديل قواعد الاشتباك واليونيفيل
في سياق آخر وبعد الضجة «المتأخرة» والتي اثارتها القوى السياسية في لبنان وبعد تسريب ان قرار التجديد الاممي الجديد لقوات اليونيفيل العاملة في نطاق جنوب الليطاني وفق القرار1701، أكد اكثر من موقف على لسان قيادات حزب الله من الشيخ محمد يزبك الى كتلة الوفاء للمقاومة ان اي تعديل على مهام اليونيفيل واي تحرك في القرى وخارج الصلاحيات ومن دون مواكبة الجيش اللبناني لدوريات اليونيفيل هدفه التضييق على المقاومة والتفتيش خلفها.
وتؤكد اوساط معنية بالملف في محور المقاومة ان حزب الله والقوى المقاومة في لبنان، تعتبر ان اي اعتداء على المقاومة وبيئتها لن يمر وان اي مغامرة مماثلة تعرف اليونيفيل انها غير محسوبة ولا يمكن ان تمر. وما لم يحصل عليه العدو بكل اجهزة التجسس والعملاء والطائرات والعدوانات المتكررة لن يحصل عليه في زمن السلم!
وفي ملف مجلس الامن، تؤكد الاوساط ان وزارة الخارجية والحكومة لم تكن على قدر المسؤولية وحتى الفريق الدبلوماسي لم يكن على قدر التطلعات عندما سمح لهذه الفقرة التي زيدت على القرار ومررت خلافاً للمرات السابقة ومن دون اعتراض لبنان وبعثته الاممية امر خطير ولم يعد بالامكان شطب الفقرة التي تسمح بدخول اليونفيل واداء مهامها من دون مواكبة الجيش وهي تلاعب بقواعد الاشتباك وتغيير طبيعتها.
في المقابل ورداً على ما اثير عن عدم وضع موسكو فيتو على القرار، تؤكد الاوساط ان لبنان الرسمي لم يطلب تدخل روسيا لرفض القرار وايقافه بالفيتو.
لا حكومة في الافق؟!!!
حكوميا، قالت مصادر مطلعة للديار ان هناك ثلاث وجهات نظر بما ان الصراع المحتدم اليوم يكمن داخل 8 أذار حيث ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال في مقابلته الصحافية ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي كان محبذا للاقتراح الذي تقدم به باضافة 6 وزراء سياسيين الى الحكومة نظرا للمرحلة الراهنة ويعني ذلك دخول النائب جبران باسيل الى الحكومة ولكن هذا المسار تعرقل بعدما رفضه الرئيس نبيه بري ناصحا ميقاتي بعدم السير به. وبالتالي لم يعد خافيا على احد ان الخلاف واقع بين الرئيس عون والرئيس بري حيث ان عون يريد حكومة من 30 وزيرا اما بري فيريد حكومة من 24 وزيرا. انما هذا التضارب في المصالح داخل فريق 8 اذار حتى اللحظة يشير الى ان ولادة الحكومة امر صعب.
وفي هذا السياق، اعتبرت اطلالة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وكلامه ان استمرار حكومة تصريف الاعمال بعد انتهاء ولاية عون يمثل اغتصابا للسلطة وانه سيلجأ الى خطوات تصعيدية. وهنا اعتبرت اوساط سياسية ان كلام باسيل موجه لحزب الله ليحسم موقفه ويؤيد طرح الرئيس عون باضافة 6 وزراء سياسيين.
وعلى هذا الاساس، سيكون هناك ثلاثة احتمالات سيلجأ اليها العهد والوطني الحر:
الخيار الاول هو بقاء رئيس الجمهورية في القصر على رغم تأكيد عون بانه سيغادر القصر الجمهوري.
الخيار الثاني هو انتزاع التكليف من الرئيس نجيب ميقاتي.
الخيار الثالث هو تكليف رئيس حكومة معين على غرار تكليف الجنرال عون بتشكيل حكومة في عهد الرئيس السابق امين الجميل.
وعليه، الفوضى الدستورية قد تكون عنوان المرحلة المقبلة وهذا ما لا يريده حزب الله لان هذا الامر قد يؤدي الى تدخل دولي لاحداث تسوية عادة تأتي على حساب المقاومة.
وجهة النظر الثانية هي قبول ميقاتي بتشكيل حكومة من 24 وزيرا مع تعديل حكومي طفيف عبر تغيير بعض الوزراء ليكونوا ايضا تكنوقراط انما هذا الطرح يلاقي رفضا عونيا وقبولا من بري.
اما وجهة النظر الثالثة تعتمدها بعض مكونات المعارضة والتي تقضي ان لا مصلحة بتشكيل حكومة الان ولبنان على مقربة من انتهاء ولاية الرئيس عون وبالتالي ستصبح هذه الحكومة حتما في حكم تصريف الاعمال.
القوات اللبنانية: العهد يعطي اولوية لتأليف حكومة وليس لانتخاب رئيس
بدورها، اكدت مصادر القوات اللبنانية تأييدها تحقيق اي خطوة تعطي لبنان حقوقه سواء في ملف ترسيم الحدود البحرية كما الترسيم مع سوريا واستعادة مزارع شبعا. ولفتت الى ان البعض يتعامل بخفة في موضوع الثروة النفطية حيث يجب التعامل مع هذا الملف وفقا للقوانين والتشريعات من اجل ان تضمن ان تكون هذه الثروة للاجيال القادمة وليس ثروة تتبدد على غرار الاموال التي نهبت في لبنان.
وجددت القوات اللبنانية تمسكها بحصول الاستحقاق الرئاسي ضمن المهلة الدستورية محذرة من الفراغ ومشيرة ان العهد للاسف يضع الاولوية لتأليف حكومة وليس لاجراء انتخابات رئاسية تعيد انتاج السلطة.