يبدو أن «الوسيط» الأميركي عاموس هوكشتين نجح في رمي «كرة نار» بين أيدي المسؤولين اللبنانيين. وهو، على غير عادته، لم يتأخر أكثر من يومين قبل أن يرسل الإحداثيات الخاصة بالخط الأزرق البحري. وقد أحيلت الإحداثيات الى قيادة الجيش لمقارنتها بالخطوط المعمول بها ومعرفة حجم تأثيرها على الخط الحدودي البحري، وسط جدال حول ما إذا كنا أمام خط أزرق جديد كما جرى على البر، أو أننا أمام حسم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
حتى اللحظة، لم يتوصل لبنان الى نتيجة حاسمة. لكن الضغط من الوسيط الأميركي، ومعه الفرنسي وبقية الأطراف، يقوم على الآتي:
– إن فرصة التوصل الى اتفاق خلال أسابيع قليلة قائمة، وشرطها أن يحسم لبنان موقفه من المطلب الإسرائيلي الجديد الخاص بالمنطقة القصيرة الممتدة براً نحو البحر والتي تعرف بـ«خط الطفافات».
– كان هوكشتين صريحاً بأن إسرائيل ليست مستعدة للتخلي عن هذه النقطة التي تهدّد الساحل الشمالي، وهي ترى أن تركها معها لا يؤثر على لبنان، موحياً بأن المطلوب إسرائيلياً لا يفرض على لبنان تنازلات كبيرة، فيما وافقت إسرائيل في المقابل على «التنازل» عن كامل الخط 23 وعلى اعتبار «حقل قانا» ملكية لبنانية كاملة.
– إن شركات التنقيب العالمية، ولا سيما «توتال»، حسمت أمرها بأنها لن تعمل في المنطقة قبل حصولها على نسخة من اتفاق خطي واضح بين الجانبين.
– إن إسرائيل قررت السير في عمليات الاستخراج من حقل كاريش، وإذا كانت الشركة المعنية تطرح تاريخ 20 أيلول موعداً لبدء العمل، فإن في كيان العدو من يرى إمكان تأخير العمل أسبوعين إضافيين، شرط أن يستغل لبنان هذه الفترة الزمنية لإنجاز الاتفاق.
وسط هذه الأجواء، عادت السفيرة الفرنسية آن غريو الى بيروت، بعد زيارة لباريس شاركت خلالها في اجتماعات تتعلق بملف الترسيم، ضمّت مسؤولين فرنسيين ورئيس شركة توتال. وقد أبلغت المسؤولين في بيروت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذا حذو الرئيس الأميركي جو بايدن، وأجرى اتصالات مع الحكومة الإسرائيلية لحثها على توقيع الاتفاق، وأنه مارس ضغوطاً لإقناع «توتال» بالعودة سريعاً الى المنطقة. إلا أن الجانب الفرنسي لا يبدو منخرطاً تماماً في العملية، إذ يتركّز اهتمامه اللبناني اليوم على الملف الرئاسي.
أما داخلياً، فيبدو أن الانقسام سيبقى قائماً الى أن تفضي الاتصالات الجارية بين كل المعنيين بالملف الى جواب واحد حول طرح هوكشتين الأخير، مع العلم بأن تحذيرات جدية سمعها المسؤولون بأن الذرائع الأمنية للعدو لا يمكن اعتبارها أساساً لرسم الحدود، وأن على لبنان ضمان كامل حقوقه، وترك ملف الترتيبات الأمنية الى ظروف أخرى، بحيث يضمن لبنان الأمن من جانبه وتضمن إسرائيل الأمر من جانبها، بينما تتولى الأمم المتحدة مراقبة الملف، على غرار ما يحصل على طول الحدود البرية.
أما داخل كيان العدو، فلا يزال الكلام نفسه يتكرر عن «تقدم» أحرزه الوسيط الأميركي خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب وبيروت. لكن الأوساط الإعلامية نقلت عن مصادر سياسية ودبلوماسية وأمنية أن الاتفاق يحتاج الى جهد إضافي.
وفي مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، قال المعلق في الشؤون العربية، ايهود يعري: «هناك إحاطات من الحكومة، ربما على أعلى مستوى، ترسم صورة وردية إلى حد ما لما يحدث بالفعل. هناك العديد من الأمور والمشكلات، على سبيل المثال عندما يتم التوصل إلى اتفاق وتترسّم حدود بحرية، حتى لو لم تكن في الواقع خطاً مستقيماً في النهاية، فإن لها تأثيراً على الحدود البرية. هناك فرق كبير هنا إذا كان اللبنانيون في الطرف الشمالي للنفق المسدود أو على مرتفعات الجرف المرتفع فوق رأس الناقورة». كما أشار إلى نقطة أخرى تتعلق بحقل قانا، إذ «تبيّن أن 5% من حقل قانا تعود الى إسرائيل. والوسيط الأميركي ناشد القطريين أن يدفعوا لإسرائيل نصيبها الصغير في الحقل بدلاً من اللبنانيين. هذه هي فكرته الأخيرة – التعويض النقدي. لكن، لأنه لا وجود لحكومة في لبنان وهناك حزب الله، فإن أحداً لا يستطيع اتخاذ القرار».
من جهتها، نقلت صحيفة «ذا ماركير» أنه «رغم وجود أجواء إيجابية في الاتصالات، لا يتوقع حدوث تقدم حتى 20 أيلول»، وهو التاريخ الذي أعلنت فيه شركة «انيرجيان» بدء الإنتاج التجريبي. ومع ذلك، «هناك قضايا أخرى تمنع توقيع اتفاقية – مثل حدود حقل قانا وهو عبارة عن حقل لم تُعرف كمية الغاز الموجودة فيه، ولكن يبدو أن معظمه موجود في الأراضي اللبنانية وجزءاً صغيراً في أراضي إسرائيل، لذلك هناك حاجة إلى إيجاد آلية تعويض بين إسرائيل ولبنان للغاز الموجود في أراضي كل منهما. وعلم أيضا أن شركات دولية من فرنسا مهتمة بتطوير الحقل اللبناني للتخفيف من أزمة الكهرباء في البلاد».
وأشارت الصحيفة الى قضية أخرى «تتعلق بالتأكيد بمواصلة التنقيب عن الغاز في إسرائيل. في الأسابيع المقبلة، من المتوقع أن تطرح إسرائيل مناقصة أخرى للتنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية الإسرائيلية، وهي المناقصة التي كان من المفترض أن تُنشر في بداية أيلول. ولكن لكي يحدث هذا، يجب أن يكون هناك يقين بشأن المنطقة التي يجب البحث فيها».