توقفت الأوساط الغربية أمام استخفاف الرئيس الروسي بالحملة الإعلاميّة التي ركزت خلال أيام على ما وصفته بانقلاب الصورة في أوكرانيا، وبدء الهجوم المعاكس للجيش الأوكراني وتراجع الجيش الروسي، وتركيزه على الجانب الاقتصادي في إطلالة لحديثه مع الحكومة خصص أغلبه لاستعراض الأرقام الخاصة بتظهير تماسك الاقتصاد الروسيّ بعد استيعاب واحتواء نتائج العقوبات، وإعادة تصدير نتائجها إلى الاقتصادات الأوروبية، التي تنوء تحت أعباء نقص الطاقة ومخاطر ارتفاع كبير بنسب البطالة، وصولاً إلى تآكل القدرة الشرائيّة للعملات الغربيّة مقابل تماسك سعر صرف الروبل، وكأنه يتبادل الأدوار مع خصومه الذين أرادوا الهروب من المواجهة العسكرية والقول إن المهم هو تماسك الاقتصاد، وهم ينتظرون أخبار انهيار الاقتصاد الروسي، ليقول لهم، سوف نرى اقتصاد مَن هو الذي ينهار، حتى صار الغرب مجبراً على الجلوس في مقاعد مقابلة لم تكن موضع اهتمامه مركزاً على تزخيم القدرات الأوكرانية العسكرية أملاً بتحقيق إنجازات توازي التبعات الاقتصادية للحرب.
أوروبا العطشى لموارد الطاقة، والعاجزة عن بذل المزيد من الجهود لتذليل العقبات أمام العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وفتح الباب أمام النفط والغاز الإيراني نحو أوروبا، تبدي خشيتها من وقوع الرهان على غاز المتوسط في المصير ذاته، رغم التطمينات التي قدمها رئيس حكومة الاحتلال يائير لبيد أمام المستشار الألماني أولاف شولتز، بينما هو لا يضمن فوزه في الانتخابات ليحقق وعده، خصوصاً أن لا شيء يشير الى نجاح المسعى التفاوضي قبل نهاية العام، في ظل الشكوك التي بدأت تطغى على موجة التفاؤل الرسمية اللبنانية التي أعقبت زيارة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، وعودة التحذير من خطورة المراوغة والخداع وتضييع الوقت، والحديث عن احتمال اضطرار المقاومة بسبب كل ذلك للقيام بعمليات تذكيرية تعيد استحضار ما سيحدث إذا لم ينل لبنان حقوقه، رغم الكلام الإسرائيلي التهويلي عن تبعات أي مواجهة.
لبنانياً، مساع لتشاور رئاسي يضم المقاومة، للتوصل إلى تفاهم حول نقطتين، على قاعدة الاعتراف بالخلاف فيهما، الأولى هي في كيفية التعامل مع التباين في تقييم مسار ملف المفاوضات حول الترسيم وليس حول الموقف من تحديد الحقوق اللبنانية، والثانية هي ملف تأليف الحكومة حيث المساحات الفاصلة بين نظرة كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تحول دون تحقيق التوافق، وتقول مصادر على صلة بهذا التشاور، أن الصيغة المطروحة للتوافق هي تفادي النقاش حول التفاؤل والتشاؤم في تقييم المفاوضات ومسارها ووعود الوسيط الأميركي، والاتفاق على اعتبار منتصف الشهر المقبل موعداً نهائياً للتفاوض، وإبلاغ الوسيط الأميركي بذلك، وبأن لبنان سيقر تعديل الخط الحدودي ويعتمد الخط 29 ويعلن فشل المفاوضات، ويطلق يد الشعب ومقاومته في حفظ حقوق لبنان، ما لم يتمّ التوصل إلى حل تفاوضي قبل منتصف الشهر المقبل. وفي الملف الحكومي التوافق على تعويم الحكومة الحالية ما لم يتم التوصل إلى تفاهم على حكومة جديدة، واعتبار موعد منتصف الشهر المقبل موعداً مناسباً أيضاً للتعويم.
فيما يبدأ مجلس النواب في مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022 اعتباراً من يوم غدٍ الأربعاء وتستمر الى الجمعة المقبل، بقي ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية في واجهة الاهتمام الداخلي نظراً لارتباط معظم الاستحقاقات والملفات الأساسية، بملف الترسيم بعدما ربط الأميركيون والإسرائيليون الملفات ببعضها البعض لا سيما اتفاق الحدود وانتخابات رئاسة الجمهورية وما بينهما الحكومة الجديدة، لتعطيل عناصر القوة اللبنانية المتمثلة بموقف الدولة الرسمي والمقاومة، الأول يتكفله الفراغ الرئاسي والحكومي والثاني يتعطل تلقائياً لكون المقاومة لن تتجاوز الموقف الرسمي بأي خطوة ميدانية قد تتخذها رداً على المناورات الأميركية والإسرائيلية التي تهدف الى استخراج الغاز من كاريش من دون تحمل أي خطر برد عسكري من المقاومة.
وفيما ينتظر لبنان ماذا سيحمله الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في جعبته بعد جولة لقاءاته في فلسطين المحتلة وفرنسا وقطر ودول أخرى قد يزورها وفق المعلومات المتداولة، توقفت مصادر سياسية عبر «البناء» عند مضمون الطروحات التي قدمها الوسيط الأميركي التي تعكس المزيد من المناورة وتضييع الوقت لتعطيل أي خطوة عسكرية قد يلجأ اليها حزب الله في الشهر الحالي أو الذي يليه بالتوازي مع إيقاع الشرخ والخلاف بين المقاومة والدولة لكشف ظهر المقاومة وتحييدها عن المشهد.
ويواجه العدو الإسرائيلي وفق المصادر مأزقاً حقيقياً، إذ أن توقيع اتفاق الترسيم سيمنح حزب الله انجازاً كبيراً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وسيظهر الحزب أمام اللبنانيين على أنه حامي البلد وحدوده وحقوقه وثرواته وسيدخل مليارات الدولارات الى الخزينة ويحتوي الازمة الاقتصادية والمعيشية التي يكتوي بنارها معظم اللبنانيين، وبالتالي يستعيد أمجاد وشعبية ما بعد تحرير الجنوب عام 2000 وتحرير الجرود عام 2018، ما يزيد تأثيره وقدرته بالتحكم بقرارات البلد.
وتضيف المصادر أن ملف الترسيم يعيش فراغاً كحال الفراغ الحكومي والرئاسي المتوقع حصوله في تشرين المقبل، لكن حزب الله وفق ما تقول مصادر مقربة منه لـ»البناء» إنه لن يقبل بهذه المناورات وهو بصدد المراقبة ورصد حركة الوسيط الأميركي واتجاهاته وتجميع المعطيات وترقب موقف الدولة للبناء على الشيء مقتضاه سياسياً وعسكرياً، وبالتالي فإن موقف المقاومة لن يتأخر كثيراً بالحد الأدنى الموقف السياسي لشرح خفايا وأهداف المخطط الأميركي في ملف الترسيم وشرح الأبعاد والتداعيات السلبية للانتظار لما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون والدخول في الفراغ الرئاسي لفرض التنازلات على لبنان بملف الترسيم ورئاسة الجمهورية.
وتشير المصادر الى أن «عامل الوقت سيف ذو حدين بالنسبة للإسرائيلي، فمن جهة يعمل الأميركي لصالح الإسرائيلي لجر لبنان الى الفراغ المؤسسي ولمزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي للضغط عليه للرضوخ للشروط الإسرائيلية، ومن جهة ثانية العدو عاجز عن دفع خطر أي خطوة عسكرية تتخذها المقاومة تؤدي الى قلب الطاولة».
وتلفت الى أن المقاومة قد تكون بصدد التحضير لخطوات متدرجة لتغيير مسار الأمور في الوقت المناسب لوقف مسلسل النزيف الذي يقضي على ما تبقى من استقرار سياسي وامني واقتصادي في لبنان، ولاستباق أي انهيار دراماتيكي في العملة والاقتصاد يؤدي الى انفجار امني كبير يستفيد منه العدو. وحذرت المصادر من تكرار سيناريو خريف العام 2019 في الخريف المقبل لكون عناصر التفجير والظروف الموضوعية مشابهة مع إضافة عامل ضاغط بقوة هو ترسيم الحدود والحاجة الأوروبية والأميركية للغاز. لكن المصادر تشكك بقوة الموقف الرسمي الذي يجب ان يتكامل مع المقاومة لا سيما وأنه لم يصدر أي موقف رسمي موحّد من زيارة هوكشتاين والمماطلة الواضحة للعيان ولا من قرار مجلس الامن الدولي تعديل صلاحيات اليونيفيل.
وأكد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق أن «المقاومة اليوم لها الدور الحاسم في تحصين الحدود والحقوق، وصون الكرامات والثروات، وهي العامل الأول في تعزيز قوة الموقف اللبناني أمام التحديات والأطماع الإسرائيلية».
في المقابل دعت أوساط مواكبة للملف لـ»البناء» الى عدم المبالغة بالتفاؤل ولا الإفراط بالتشاؤم، مشدّدة على وجود تقدم بطيء في المفاوضات خلال الزيارة الأخيرة لهوكشتاين، لكنها فضلت انتظار أسبوع على الأقل لتبيان الخيط الأبيض من الأسود وظهور الاتجاهات الحقيقية للأميركيين. كاشفة عن اتصالات قريبة بين الوسيط الأميركي وبين المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالملف لمتابعة موضوع ترسيم الحدود البرية وخط العوامات الذي يطلبه الاحتلال الإسرائيلي، كما نقل هوكشتاين.
ووفق ما يقول الخبراء العسكريون ومسؤولون سابقون عن ملف التفاوض مع العدو الإسرائيلي لـ»البناء» فإن إسرائيل تحاول تحقيق الحد الأقصى من المكاسب السياسية والأمنية والاقتصادية قبل توقيع أي اتفاق لترسيم الحدود، وذلك عبر الاستفادة من جزء من حقل قانا مالياً إن لم تستطع ذلك نفطياً وغازياً وتحقيق انجاز داخلي على أنها فرضت على لبنان شروطها بأي اتفاق ولجمت حزب الله عسكرياً، وانتزعت ضمانات أمنية تتعلق بالخط البحري او ما يطلق عليه مصطلح خط «العوامات البحرية»، وتحاول «إسرائيل» تحويل المنطقة البحرية الفاصلة بين خط العوامات والخط 23 منطقة عازلة تحت وصاية ومراقبة القوات الدولية (اليونيفيل) لتكون درعاً لأمنها، وذلك لكي لا ينكشف شاطئ فلسطين المحتلة وتستفيد منه المقاومة بعمليات ميدانية وأمنية. ويحذر الخبراء من تضييع الوقت بمحاولة إغراء لبنان بترسيم الحدود البرية لاستعادة أرضه المحتلة لا سيما مزارع شبعا.
ويتزامن هذا الواقع مع «التهريبة» التي حصلت في مجلس الامن لتعديل صلاحيات قوات اليونيفيل الذي اتهمت أوساط في 8 آذار عبر «البناء» رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وممثلة لبنان في الأمم المتحدة، بالتواطؤ بهذا الملف متسائلة: هل كانوا على علم وطُلِب منهم الصمت؟ أم حصل ذلك من دون علمهم؟ محذرة من تداعيات تعديل الصلاحيات على العلاقة بين اليونيفيل وأهالي الجنوب، متوقعة حصول اختبارات ميدانية قريبة لمعرفة رد فعل الأهالي وبالتالي المقاومة على الصلاحيات الجديدة لليونيفيل الممنوحة لهم بموجب القرار الذي يهدف وفق ما تقول الأوساط لـ»البناء» الى تقييد حركة وحرية المقاومة وحصارها ومراقبة أعمالها الميدانية وكشف مناطقها واعاقة استعداداتها أو تعديل خططها في أي حرب مقبلة. ووضعت الأوساط كل هذه التطورات في اطار الضغط على لبنان والمقاومة لفرض تنازلات بملف الترسيم. متوقعة المزيد من الضغط الاقتصادي والتوترات الاجتماعية والأحداث الأمنية والفتن الطائفية والمذهبية المتنقلة في أكثر من منطقة لبنانية لإرباك الوضع اللبناني والموقف الرسمي. وأثار ما كشفته وسائل اعلام وأجهزة امنية عن تجنيد «إسرائيل» 170 شبكة من العملاء لاختراق داتا معلومات اللبنانيين ومراكز حزب الله، فضلاً عن خلق أعمال عنف في طرابلس لإعادة مشهد الفتنة في المدينة.
وأكد المكتب السياسي لحركة أمل «الالتزام بآليات العمل الخاصة لقوات الطوارئ الدولية في الجنوب (اليونيفيل)، والتي نص عليها القرار 1701 منذ صدوره، والتي تؤكد بوضوح دورها في مؤازرة الجيش اللبناني في القيام بالدوريات والأنشطة المختلفة، ولا يمكن القبول بتغييرها من باب الحرص على عدم اهتزاز العلاقة القائمة والمتينة بين هذه القوات وأهالي الجنوب الذين يتمسكون بها كما بحقهم المشروع في حماية أرضهم وتحرير ما تبقى منها في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من الغجر».
في المقابل قال مكتب الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي: «تم تأكيد حرية حركتنا في قرارات مجلس الأمن التي جدّدت ولاية اليونيفيل، بما في ذلك القرار 1701 في عام 2006، واتفاقية وضع القوات لليونيفيل الموقعة في عام 1995».
الى ذلك تستمر التهديدات الإسرائيلية للبنان والتي تعكس حالة الخوف والقلق والارتباك لدى القيادة بكل مستوياتها السياسية والعسكرية فضلا عن الجبهة الداخلية، من أي حرب مع حزب الله.
وأفادت صحيفة «يديعوت أحرنوت»، نقلًا عن مصدر إسرائيلي، بأنّ «المفاوضات بين «إسرائيل» ولبنان حول الحدود البحرية يوجد فيها تفاؤل حذر بشكل خاص»، مشيرًا إلى «أننا سنستخرج الغاز بأسرع ما يمكن من منصة كاريش، وإذا حاول «حزب الله» اختبارنا سيدفع ثمناً باهظا».
على صعيد تأليف الحكومة، كشف وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، عن «دلائل جدّية عن تقدّم الاتصالات من أجل تشكيل الحكومة خلال الأسبوعين الأخيرين من ولاية الرئيس عون»، وكشفت وسائل اعلام محلية أن «فرنسا تضغط على لبنان لإنجاز كل الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد»، وذكرت أن «الجانبين السعودي والفرنسي وسَّعا من دائرة لقاءاتهما، فاجتمعا بنواب لبنانيين من التغييريين والمعارضة»، مشيرة إلى ان «الجانب السعودي، في لقاءاته، كان جادًا في ملف أولوية حصر السلاح في يد الشرعية اللبنانية، وهذا الملف يعطيه الأولوية على ما عداه، لا سيما الإصلاحية منها».
إلا أن جهات مطلعة تشير لـ»البناء» الى أن الاتصالات على خط التأليف متوقفة والوسطاء جمدوا عملهم بمن فيهم حزب الله، بعد تصريح ميقاتي عن دستورية وراثته لصلاحيات رئاسة الجمهورية أي انه يمهد للفراغ الحكومي والرئاسي معاً، تحت ضغط المطالب الخارجية للوصول الى ذروة الضغط على لبنان.
ورأى الشيخ نبيل قاووق أن «التدخلات الأميركية في الانتخابات الرئاسية، تعقّد الاستحقاق الرئاسي، وتهدد الوحدة الوطنية، لأن أميركا تريد رئيساً للتحدي والمواجهة، بينما الناس تريد رئيساً يشكّل فرصة لإنقاذ البلد، ووقف التدهور، ومعالجة الأزمات، وتخفيف المعاناة الحياتية والمعيشية».
وعلى وقع رفع الدعم النهائي عن المحروقات لا سيما عن البنزين، ارتفع سعر صرف الدولار الى 35500 ليرة للدولار الواحد وذلك بعدما ارتفع الطلب على دولار السوق السوداء من قبل تجار استيراد المحروقات، بعدما كانوا يحصلون على جزء من الدولار من منصة صيرفة، ما أدى الى ارتفاع سعره.
على صعيد آخر، استغرب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، «التصويب عليه من دون مجلس القضاء الأعلى في قرار تعيين قاض منتدب لمعالجة القضايا الملحة المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت». وكشف الخوري، عن تهديدات وصلته على الهاتف من خط يوناني له ولعائلته بالقتل.
توقفت الأوساط الغربية أمام استخفاف الرئيس الروسي بالحملة الإعلاميّة التي ركزت خلال أيام على ما وصفته بانقلاب الصورة في أوكرانيا، وبدء الهجوم المعاكس للجيش الأوكراني وتراجع الجيش الروسي، وتركيزه على الجانب الاقتصادي في إطلالة لحديثه مع الحكومة خصص أغلبه لاستعراض الأرقام الخاصة بتظهير تماسك الاقتصاد الروسيّ بعد استيعاب واحتواء نتائج العقوبات، وإعادة تصدير نتائجها إلى الاقتصادات الأوروبية، التي تنوء تحت أعباء نقص الطاقة ومخاطر ارتفاع كبير بنسب البطالة، وصولاً إلى تآكل القدرة الشرائيّة للعملات الغربيّة مقابل تماسك سعر صرف الروبل، وكأنه يتبادل الأدوار مع خصومه الذين أرادوا الهروب من المواجهة العسكرية والقول إن المهم هو تماسك الاقتصاد، وهم ينتظرون أخبار انهيار الاقتصاد الروسي، ليقول لهم، سوف نرى اقتصاد مَن هو الذي ينهار، حتى صار الغرب مجبراً على الجلوس في مقاعد مقابلة لم تكن موضع اهتمامه مركزاً على تزخيم القدرات الأوكرانية العسكرية أملاً بتحقيق إنجازات توازي التبعات الاقتصادية للحرب.
أوروبا العطشى لموارد الطاقة، والعاجزة عن بذل المزيد من الجهود لتذليل العقبات أمام العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وفتح الباب أمام النفط والغاز الإيراني نحو أوروبا، تبدي خشيتها من وقوع الرهان على غاز المتوسط في المصير ذاته، رغم التطمينات التي قدمها رئيس حكومة الاحتلال يائير لبيد أمام المستشار الألماني أولاف شولتز، بينما هو لا يضمن فوزه في الانتخابات ليحقق وعده، خصوصاً أن لا شيء يشير الى نجاح المسعى التفاوضي قبل نهاية العام، في ظل الشكوك التي بدأت تطغى على موجة التفاؤل الرسمية اللبنانية التي أعقبت زيارة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، وعودة التحذير من خطورة المراوغة والخداع وتضييع الوقت، والحديث عن احتمال اضطرار المقاومة بسبب كل ذلك للقيام بعمليات تذكيرية تعيد استحضار ما سيحدث إذا لم ينل لبنان حقوقه، رغم الكلام الإسرائيلي التهويلي عن تبعات أي مواجهة.
لبنانياً، مساع لتشاور رئاسي يضم المقاومة، للتوصل إلى تفاهم حول نقطتين، على قاعدة الاعتراف بالخلاف فيهما، الأولى هي في كيفية التعامل مع التباين في تقييم مسار ملف المفاوضات حول الترسيم وليس حول الموقف من تحديد الحقوق اللبنانية، والثانية هي ملف تأليف الحكومة حيث المساحات الفاصلة بين نظرة كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تحول دون تحقيق التوافق، وتقول مصادر على صلة بهذا التشاور، أن الصيغة المطروحة للتوافق هي تفادي النقاش حول التفاؤل والتشاؤم في تقييم المفاوضات ومسارها ووعود الوسيط الأميركي، والاتفاق على اعتبار منتصف الشهر المقبل موعداً نهائياً للتفاوض، وإبلاغ الوسيط الأميركي بذلك، وبأن لبنان سيقر تعديل الخط الحدودي ويعتمد الخط 29 ويعلن فشل المفاوضات، ويطلق يد الشعب ومقاومته في حفظ حقوق لبنان، ما لم يتمّ التوصل إلى حل تفاوضي قبل منتصف الشهر المقبل. وفي الملف الحكومي التوافق على تعويم الحكومة الحالية ما لم يتم التوصل إلى تفاهم على حكومة جديدة، واعتبار موعد منتصف الشهر المقبل موعداً مناسباً أيضاً للتعويم.
فيما يبدأ مجلس النواب في مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022 اعتباراً من يوم غدٍ الأربعاء وتستمر الى الجمعة المقبل، بقي ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية في واجهة الاهتمام الداخلي نظراً لارتباط معظم الاستحقاقات والملفات الأساسية، بملف الترسيم بعدما ربط الأميركيون والإسرائيليون الملفات ببعضها البعض لا سيما اتفاق الحدود وانتخابات رئاسة الجمهورية وما بينهما الحكومة الجديدة، لتعطيل عناصر القوة اللبنانية المتمثلة بموقف الدولة الرسمي والمقاومة، الأول يتكفله الفراغ الرئاسي والحكومي والثاني يتعطل تلقائياً لكون المقاومة لن تتجاوز الموقف الرسمي بأي خطوة ميدانية قد تتخذها رداً على المناورات الأميركية والإسرائيلية التي تهدف الى استخراج الغاز من كاريش من دون تحمل أي خطر برد عسكري من المقاومة.
وفيما ينتظر لبنان ماذا سيحمله الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين في جعبته بعد جولة لقاءاته في فلسطين المحتلة وفرنسا وقطر ودول أخرى قد يزورها وفق المعلومات المتداولة، توقفت مصادر سياسية عبر «البناء» عند مضمون الطروحات التي قدمها الوسيط الأميركي التي تعكس المزيد من المناورة وتضييع الوقت لتعطيل أي خطوة عسكرية قد يلجأ اليها حزب الله في الشهر الحالي أو الذي يليه بالتوازي مع إيقاع الشرخ والخلاف بين المقاومة والدولة لكشف ظهر المقاومة وتحييدها عن المشهد.
ويواجه العدو الإسرائيلي وفق المصادر مأزقاً حقيقياً، إذ أن توقيع اتفاق الترسيم سيمنح حزب الله انجازاً كبيراً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وسيظهر الحزب أمام اللبنانيين على أنه حامي البلد وحدوده وحقوقه وثرواته وسيدخل مليارات الدولارات الى الخزينة ويحتوي الازمة الاقتصادية والمعيشية التي يكتوي بنارها معظم اللبنانيين، وبالتالي يستعيد أمجاد وشعبية ما بعد تحرير الجنوب عام 2000 وتحرير الجرود عام 2018، ما يزيد تأثيره وقدرته بالتحكم بقرارات البلد.
وتضيف المصادر أن ملف الترسيم يعيش فراغاً كحال الفراغ الحكومي والرئاسي المتوقع حصوله في تشرين المقبل، لكن حزب الله وفق ما تقول مصادر مقربة منه لـ»البناء» إنه لن يقبل بهذه المناورات وهو بصدد المراقبة ورصد حركة الوسيط الأميركي واتجاهاته وتجميع المعطيات وترقب موقف الدولة للبناء على الشيء مقتضاه سياسياً وعسكرياً، وبالتالي فإن موقف المقاومة لن يتأخر كثيراً بالحد الأدنى الموقف السياسي لشرح خفايا وأهداف المخطط الأميركي في ملف الترسيم وشرح الأبعاد والتداعيات السلبية للانتظار لما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون والدخول في الفراغ الرئاسي لفرض التنازلات على لبنان بملف الترسيم ورئاسة الجمهورية.
وتشير المصادر الى أن «عامل الوقت سيف ذو حدين بالنسبة للإسرائيلي، فمن جهة يعمل الأميركي لصالح الإسرائيلي لجر لبنان الى الفراغ المؤسسي ولمزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي للضغط عليه للرضوخ للشروط الإسرائيلية، ومن جهة ثانية العدو عاجز عن دفع خطر أي خطوة عسكرية تتخذها المقاومة تؤدي الى قلب الطاولة».
وتلفت الى أن المقاومة قد تكون بصدد التحضير لخطوات متدرجة لتغيير مسار الأمور في الوقت المناسب لوقف مسلسل النزيف الذي يقضي على ما تبقى من استقرار سياسي وامني واقتصادي في لبنان، ولاستباق أي انهيار دراماتيكي في العملة والاقتصاد يؤدي الى انفجار امني كبير يستفيد منه العدو. وحذرت المصادر من تكرار سيناريو خريف العام 2019 في الخريف المقبل لكون عناصر التفجير والظروف الموضوعية مشابهة مع إضافة عامل ضاغط بقوة هو ترسيم الحدود والحاجة الأوروبية والأميركية للغاز. لكن المصادر تشكك بقوة الموقف الرسمي الذي يجب ان يتكامل مع المقاومة لا سيما وأنه لم يصدر أي موقف رسمي موحّد من زيارة هوكشتاين والمماطلة الواضحة للعيان ولا من قرار مجلس الامن الدولي تعديل صلاحيات اليونيفيل.
وأكد عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق أن «المقاومة اليوم لها الدور الحاسم في تحصين الحدود والحقوق، وصون الكرامات والثروات، وهي العامل الأول في تعزيز قوة الموقف اللبناني أمام التحديات والأطماع الإسرائيلية».
في المقابل دعت أوساط مواكبة للملف لـ»البناء» الى عدم المبالغة بالتفاؤل ولا الإفراط بالتشاؤم، مشدّدة على وجود تقدم بطيء في المفاوضات خلال الزيارة الأخيرة لهوكشتاين، لكنها فضلت انتظار أسبوع على الأقل لتبيان الخيط الأبيض من الأسود وظهور الاتجاهات الحقيقية للأميركيين. كاشفة عن اتصالات قريبة بين الوسيط الأميركي وبين المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالملف لمتابعة موضوع ترسيم الحدود البرية وخط العوامات الذي يطلبه الاحتلال الإسرائيلي، كما نقل هوكشتاين.
ووفق ما يقول الخبراء العسكريون ومسؤولون سابقون عن ملف التفاوض مع العدو الإسرائيلي لـ»البناء» فإن إسرائيل تحاول تحقيق الحد الأقصى من المكاسب السياسية والأمنية والاقتصادية قبل توقيع أي اتفاق لترسيم الحدود، وذلك عبر الاستفادة من جزء من حقل قانا مالياً إن لم تستطع ذلك نفطياً وغازياً وتحقيق انجاز داخلي على أنها فرضت على لبنان شروطها بأي اتفاق ولجمت حزب الله عسكرياً، وانتزعت ضمانات أمنية تتعلق بالخط البحري او ما يطلق عليه مصطلح خط «العوامات البحرية»، وتحاول «إسرائيل» تحويل المنطقة البحرية الفاصلة بين خط العوامات والخط 23 منطقة عازلة تحت وصاية ومراقبة القوات الدولية (اليونيفيل) لتكون درعاً لأمنها، وذلك لكي لا ينكشف شاطئ فلسطين المحتلة وتستفيد منه المقاومة بعمليات ميدانية وأمنية. ويحذر الخبراء من تضييع الوقت بمحاولة إغراء لبنان بترسيم الحدود البرية لاستعادة أرضه المحتلة لا سيما مزارع شبعا.
ويتزامن هذا الواقع مع «التهريبة» التي حصلت في مجلس الامن لتعديل صلاحيات قوات اليونيفيل الذي اتهمت أوساط في 8 آذار عبر «البناء» رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وممثلة لبنان في الأمم المتحدة، بالتواطؤ بهذا الملف متسائلة: هل كانوا على علم وطُلِب منهم الصمت؟ أم حصل ذلك من دون علمهم؟ محذرة من تداعيات تعديل الصلاحيات على العلاقة بين اليونيفيل وأهالي الجنوب، متوقعة حصول اختبارات ميدانية قريبة لمعرفة رد فعل الأهالي وبالتالي المقاومة على الصلاحيات الجديدة لليونيفيل الممنوحة لهم بموجب القرار الذي يهدف وفق ما تقول الأوساط لـ»البناء» الى تقييد حركة وحرية المقاومة وحصارها ومراقبة أعمالها الميدانية وكشف مناطقها واعاقة استعداداتها أو تعديل خططها في أي حرب مقبلة. ووضعت الأوساط كل هذه التطورات في اطار الضغط على لبنان والمقاومة لفرض تنازلات بملف الترسيم. متوقعة المزيد من الضغط الاقتصادي والتوترات الاجتماعية والأحداث الأمنية والفتن الطائفية والمذهبية المتنقلة في أكثر من منطقة لبنانية لإرباك الوضع اللبناني والموقف الرسمي. وأثار ما كشفته وسائل اعلام وأجهزة امنية عن تجنيد «إسرائيل» 170 شبكة من العملاء لاختراق داتا معلومات اللبنانيين ومراكز حزب الله، فضلاً عن خلق أعمال عنف في طرابلس لإعادة مشهد الفتنة في المدينة.
وأكد المكتب السياسي لحركة أمل «الالتزام بآليات العمل الخاصة لقوات الطوارئ الدولية في الجنوب (اليونيفيل)، والتي نص عليها القرار 1701 منذ صدوره، والتي تؤكد بوضوح دورها في مؤازرة الجيش اللبناني في القيام بالدوريات والأنشطة المختلفة، ولا يمكن القبول بتغييرها من باب الحرص على عدم اهتزاز العلاقة القائمة والمتينة بين هذه القوات وأهالي الجنوب الذين يتمسكون بها كما بحقهم المشروع في حماية أرضهم وتحرير ما تبقى منها في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من الغجر».
في المقابل قال مكتب الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي: «تم تأكيد حرية حركتنا في قرارات مجلس الأمن التي جدّدت ولاية اليونيفيل، بما في ذلك القرار 1701 في عام 2006، واتفاقية وضع القوات لليونيفيل الموقعة في عام 1995».
الى ذلك تستمر التهديدات الإسرائيلية للبنان والتي تعكس حالة الخوف والقلق والارتباك لدى القيادة بكل مستوياتها السياسية والعسكرية فضلا عن الجبهة الداخلية، من أي حرب مع حزب الله.
وأفادت صحيفة «يديعوت أحرنوت»، نقلًا عن مصدر إسرائيلي، بأنّ «المفاوضات بين «إسرائيل» ولبنان حول الحدود البحرية يوجد فيها تفاؤل حذر بشكل خاص»، مشيرًا إلى «أننا سنستخرج الغاز بأسرع ما يمكن من منصة كاريش، وإذا حاول «حزب الله» اختبارنا سيدفع ثمناً باهظا».
على صعيد تأليف الحكومة، كشف وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، عن «دلائل جدّية عن تقدّم الاتصالات من أجل تشكيل الحكومة خلال الأسبوعين الأخيرين من ولاية الرئيس عون»، وكشفت وسائل اعلام محلية أن «فرنسا تضغط على لبنان لإنجاز كل الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد»، وذكرت أن «الجانبين السعودي والفرنسي وسَّعا من دائرة لقاءاتهما، فاجتمعا بنواب لبنانيين من التغييريين والمعارضة»، مشيرة إلى ان «الجانب السعودي، في لقاءاته، كان جادًا في ملف أولوية حصر السلاح في يد الشرعية اللبنانية، وهذا الملف يعطيه الأولوية على ما عداه، لا سيما الإصلاحية منها».
إلا أن جهات مطلعة تشير لـ»البناء» الى أن الاتصالات على خط التأليف متوقفة والوسطاء جمدوا عملهم بمن فيهم حزب الله، بعد تصريح ميقاتي عن دستورية وراثته لصلاحيات رئاسة الجمهورية أي انه يمهد للفراغ الحكومي والرئاسي معاً، تحت ضغط المطالب الخارجية للوصول الى ذروة الضغط على لبنان.
ورأى الشيخ نبيل قاووق أن «التدخلات الأميركية في الانتخابات الرئاسية، تعقّد الاستحقاق الرئاسي، وتهدد الوحدة الوطنية، لأن أميركا تريد رئيساً للتحدي والمواجهة، بينما الناس تريد رئيساً يشكّل فرصة لإنقاذ البلد، ووقف التدهور، ومعالجة الأزمات، وتخفيف المعاناة الحياتية والمعيشية».
وعلى وقع رفع الدعم النهائي عن المحروقات لا سيما عن البنزين، ارتفع سعر صرف الدولار الى 35500 ليرة للدولار الواحد وذلك بعدما ارتفع الطلب على دولار السوق السوداء من قبل تجار استيراد المحروقات، بعدما كانوا يحصلون على جزء من الدولار من منصة صيرفة، ما أدى الى ارتفاع سعره.
على صعيد آخر، استغرب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، «التصويب عليه من دون مجلس القضاء الأعلى في قرار تعيين قاض منتدب لمعالجة القضايا الملحة المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت». وكشف الخوري، عن تهديدات وصلته على الهاتف من خط يوناني له ولعائلته بالقتل.