في اللقاء السادس بينهما، تعمّد الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي أن “يلحق على الحرف” كل كلمة أدلى بها رئيس الجمهورية ميشال عون في أحاديثه الصحافية المتتالية خلال الفترة الأخيرة، إذ حرص على أن يردّ من على باب مكتب عون في القصر الجمهوري على اتهام الأخير له بعدم الجدية في التأليف وأنه يجلس في كل لقاء بينهما “دقائق” ثم يغادر، فقال ميقاتي للصحافيين لدى مغادرته القصر أمس متأبّطاً أوراقاً بيضاء: “لم اقعد عند فخامته دقائق إنما نصف ساعة كاملة لم تنقص دقيقة واحدة (…) والمشوار الجاي لو بدّي ضل نام هون مش رح فلّ إلا ما تتشكّل الحكومة“.
وبذلك، تعمّد ميقاتي أن “يحشر” عون ضارباً معه “موعداً قسرياً” بعد عودته من الخارج “ليكون لقاؤهما المقبل حاسماً من دون أي وقت مستقطع حتى استيلاد التشكيلة الحكومية المرتقبة، بما يقطع الطريق على تدخلات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إثر كل لقاء بينهما وإطاحته حتى الساعة بتشكيلتين وزاريتين قدمهما ميقاتي إلى عون”. وكشف مصدر واسع الاطلاع لـ”نداء الوطن” أنّ “الرئيس المكلف استردّ (خلال لقاء الأمس) من رئيس الجمهورية التشكيلتين السابقتين، واتفق معه على عقد اجتماع مطوّل بعد عودته إلى بيروت، على أن يحمل معه إلى الاجتماع تشكيلة جديدة منقّحة للتناقش حولها توصلاً إلى الاتفاق النهائي على إصدار مراسيم التأليف“.
وعن وقائع اللقاء، أوضح المصدر أنّه جرى التطرق في مستهله إلى سفر رئيس الحكومة لتمثيل لبنان في جنازة الملكة اليزابيث الثانية، ومن ثم إلى نيويورك لترؤس وفد لبنان في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتّحدة “حيث تم التداول في الخطوط العريضة للكلمة التي سيلقيها ميقاتي هناك”، مشيرةً إلى أنّ “الرئيس المكلف بادر بعدها إلى استعراض مسار تأليف الحكومة منذ لحظة تكليفه حتى اليوم وكيف أنه حرص على تدوير الزوايا لتسريع التشكيل لكنه لم يقابل إلا بالشروط، مذكّراً رئيس الجمهورية بأنه سبق أن وضع في عهدته تشكيلتين وزاريتين بذل من خلالهما كل ما يستطيع لتكون الموافقة سريعة على التأليف غير أنه في كل مرة كان يأتيه الجواب بالرفض عبر الإعلام”، وأردف مخاطباً عون: “أنا حريص على الدستور وملتزم تشكيل الحكومة بالتفاهم مع فخامتك لكن ما هو مطلوب لا يمكن أن يوافق عليه أي رئيس مكلف أياً كان اسمه“.
وإذ لفت إلى أنه تم التطرق بشكل مقتضب خلال اللقاء إلى آخر المعطيات المتعلقة بملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية ومستجدات الوساطة الأميركية “كونه في الوقت الذي كان يجتمع فيه عون وميقاتي كانت لجنة المتابعة مجتمعة في قصر بعبدا حيث كان رئيس الجمهورية مترئساً الاجتماع قبل أن يغادره للقاء الرئيس المكلف”، أوضح المصدر أنّ اللجنة (التي تضم كلاً من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، المستشار الرئاسي سليم جريصاتي، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير، مستشار رئيس مجلس النواب علي حمدان وممثل عن رئيس الحكومة)، اجتمعت أمس على مدى ساعتين ونصف الساعة “وتم خلال الاجتماع الاستماع إلى شرح مفصّل من رئيس مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش المقدّم عفيف غيث حول “خط الطفافات” الذي طرحته إسرائيل ومحاذير اعتماده“.
وكشف المصدر أنّ اجتماع اللجنة بيّن “وجود حماسة لافتة من قبل بو صعب وممثلي بري وميقاتي للتجاوب مع الطرح الإسرائيلي الذي حمله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، على اعتبار أنه لا يقضم مساحة بحرية كبيرة من لبنان، لكن مع ربط الموافقة على هذا الطرح بشرط تقديم إيضاحات حاسمة حول نهائية نقطة الحدود B1 ورفض لبنان التنازل عنها، على أن يتم إبلاغ هوكشتاين بالجواب اللبناني الرسمي عندما تصل رسالة رسمية منه تتضمن شرحاً تفصيلياً لكل الإحداثيات التقنية ذات الصلة“.
في الغضون، وبينما كان مجلس النواب يتقاذف والحكومة مسؤولية تأخير إقرار مشروع الموازنة العامة للعام الجاري على وقع إجماع النواب على التشهير بحسابات الموازنة “الدفترية” المنفصلة عن الواقع ومضامينها العقيمة المفتقرة إلى أدنى المعايير الإصلاحية والإنقاذية المطلوبة، برز أمس الاجتماع الذي عُقد في وزارة المالية وشهد توبيخاً من صندوق النقد الدولي للحكومة اللبنانية على استمرارها في التلكؤ في اتخاذ خطوات عملية على الطريق نحو زيادة إيرادات الدولة “لا سيما من باب التراخي الحاصل في ملاحقة عمليات تهريب الأموال إلى الخارج من دون اقتطاع أي عوائد مالية عن ذلك أسوةً بكل دول العالم التي تتابع حركة خروج رؤوس الأموال منها وتعزز مواردها بفرض رسوم على هذه الحركة”، حسبما نقلت مصادر مطلعة على أجواء الاجتماع، بالإضافة إلى التصويب خلال الاجتماع على “عدم اعتماد السلطات اللبنانية نظام الضريبة التصاعدية على الشرائح والطبقات الأكثر قدرة على تحمّل الأعباء الضريبية، في سبيل تدعيم ملاءة الخزينة العامة“.
وتوازياً، كشف المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس أنّ وفداً من الصندوق يصل إلى بيروت في 19 أيلول الجاري في مهمة تستمر حتى 21 منه، لمناقشة التطورات الأخيرة والمساعدة في تسريع تنفيذ الإجراءات التي تم الاتفاق عليها بموجب اتفاق 22 نيسان على مستوى الموظفين، على أن يقوم الوفد كذلك “بإعداد الأرضية للمهمة الكاملة التي سيقوم بها صندوق النقد مع لبنان بعد تشكيل حكومة جديدة“.
رايس الذي شدد على أنّ “تنفيذ الإصلاحات أمر بالغ الأهمية لإنهاء الأزمة الحالية ومنع المزيد من التدهور في الظروف المعيشية الصعبة على الشعب اللبناني”، أكد رداً على أسئلة الإعلاميين، ومن بينهم مندوب “نداء الوطن”، أن هناك “تقدماً بطيئاً في تنفيذ الإجراءات الحاسمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية”، محذراً من أنّ “تأخير تنفيذ هذه الإصلاحات سيؤدّي إلى زيادة التكاليف على لبنان ومواطنيه”، مع الإشارة إلى أنّ “إصلاح قانون السرية المصرفية بما يتماشى مع الاتفاقية الموقعة مع صندوق النقد على مستوى الموظفين ومع أفضل الممارسات الدولية يعتبر أمراً أساسياً لمكافحة الفساد، وإزالة العوائق التي تحول دون الإشراف الفعّال على القطاع المصرفي وإعادة الهيكلة، وإدارة الضرائب، فضلاً عن التحقيق في الجرائم المالية واستعادة الأصول المختلسة“.