كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : على الرغم من المشهد المبكي الذي حصل الأسبوع الماضي لا لشيطنة المودعين. هذا المشهد الذي لا يمكن أن يحصل من دون غطاء من جهات نافذة في الدولة، والكل يعلم ذلك، إذ ليس من السهل اقتحام مصرف في وضح النهار مع أسلحة من دون أن يكون هناك غض نظر عن هذه العملية. واللافت، أن هذه التحركات حصلت كلها في يوم واحد وفي مناطق مختلفة بطريقة مدبّرة واضحة، أو أقل ما يقال مسهّلة من قبل جهات سياسية بهدف الاستفادة منها سياسيًا لممارسة ضغط واضح على فريق آخر. واللافت أكثر هو التغطية الإعلامية الشبيهة بتلك التي قامت بها الـ «سي أن أن» في العام 1991 حين احتلت القوات الأميركية العراق، والتي خطفت الأنظار عن كل ما يحدث حولنا.
مصادر سياسية اشارت لـ «الديار» الى إن بعض الجهات استغلّت وجع المودعين ودفعتهم إلى النزول إلى المصارف، في عملية تطرح الكثير من الأسئلة عن النيات خلف هذا الاستغلال، ولفتت هذه المصادر إلى أن هناك أكثر من احتمال على هذا الصعيد:
– الاحتمال الأول: جهات قريبة من العهد أرادت الضغط على الرئيس نجيب ميقاتي بهدف التنازل في ملف تشكيل الحكومة، وبالتالي حاولت إعطاء لمحة عمّا ستؤول إليه الأمور في حال وصلنا إلى فراغ رئاسي حتمي في ظل حكومة تصريف الأعمال غير المؤهلة، بحسب فريق العهد، لتولّي صلاحيات رئيس الجمهورية. وبالتالي يريد هذا الفريق أن يتنازل ميقاتي عن موقفه ويوافق على تعديلات حكومية تعطي فريق رئيس الجمهورية تأثيراً أكبر في القرارات الحكومية في مرحلة الفراغ المتوقّعة. ويدعم هذا السيناريو تهديدات رئيس تكتلّ لبنان القوي النائب جبران باسيل الذي هدّد بالفوضى في تصريحه التلفزيوني الأخير.
– الاحتمال الثاني: هناك جهات تضغط من أجل تمرير الموازنة والقوانين المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي، في ظل سيناريو يسلط الاضواء على الحدث الأمني، أي اقتحام المصارف، في الوقت الذي يتمّ فيه مناقشة الموازنة. وهذا السيناريو بحسب المصادر سقط مع سقوط إقرار الموازنة الأسبوع الماضي، وهو ما يعني أنه قد يتكرّر بعد عودة المصارف إلى فتح أبوابها.
– الاحتمال الثالث: هناك نيات مبطّنة لخلق مناطق أمن حزبية تتولّى من خلالها الأحزاب فرض الأمن كلٌ في منطقته، في مشهد ظاهر وواضح إلى العلن، بحجّة أن الدولة عاجزة عن تأمين حماية الأملاك الخاصة، وبالتالي يصبح الوجود الحزبي المُسلّح أمرًا مفروضًا، مع ازدياد نسبة تسلح بعض الأحزاب الفاعلة في الآونة الأخيرة، وهو ما يشكّل تموضعًا بهدف التحضير لمفاوضات ستفرضها حكمًا التطورات الأمنية على الأرض.
– الاحتمال الرابع: يراد من هذه التحركات إرسال رسالة قوية إلى المصارف بضرورة التنازل في ملف توزيع الخسائر، وبالتالي تستغل بعض الجهات وجع المودعين لكي توجّه رسالة تهديد واضحة: ان وقتكم قد انتهى، وإذا لزم الأمر سننزل إلى بيوتكم (هذا ما ورد على لسان إحدى جمعيات المودعين).
وبغض النظر عن الاحتمالات المطروحة ومدى مصداقيتها ، نسي المعنيون أن الجيش لم يقل كلمته الأخيرة. وتقول المصادر إن الجيش اللبناني الذي رفض ويرفض الدخول في الصراعات السياسية العقيمة، لن يبقى مكتوف الأيدي في حال تمّ الإخلال بالأمن، وكان هناك من مؤشرات على تدهور الأمر وتوجّه إلى مزيد من الفوضى. وبالتالي تجزم المصادر أن الجيش ينتظر القرار السياسي للتدخل في ضبط الأمن، وفي حال لم يأت هذا القرار، فإن الجيش لن يقف مكتوف الأيدي، خصوصًا أن قائد الجيش العماد جوزف عون لن يساوم على السلم الأهلي.
واللافت ان المصارف التي أعلنت إقفال فروعها لثلاثة أيام، لوّحت إلى إمكان توظيف عناصر مسلّحة (شركات حماية) لتأمين حماية فروعها، وهو ما يعني في حال حصول تصادم أكيد بين مودعين مسلّحين وعناصر الحماية قد يسقط عنه ضحايا، وهنا تظهر وجهتا نظر قانونيتان متضاربتان:
– الأولى طرحها المحامي السابق رامي عليق الذي صرّح في حديث تلفزيوني، أن ما يقوم به المودعون من عمليات اقتحام للمصارف «مُبرّر» بالمادتين 184 و228 من قانون العقوبات، والتي تدخل ضمن «التعرّض إلى النفس أو الملك»، داعيًا كل المودعين إلى النزول إلى المصارف.
– الثانية طرحها المحامي بول مرقص في حديث تلفزيوني ايضا، والذي أدخل عمليات الاقتحام ضمن إطار «إستيفاء الحق بالذات» و «إٍستخدام العنف والتهديد»، مشيدًا بموقف المدعي العام عويدات بملاحقة المقتحمين.
إلا أن الأكيد، بحسب رأي العديد من المحلّلين، أنه وعلى الرغم من أحقية مطالب المودعين، هناك خطر كبير نتيجة هذه التحركات التي تفتح المجال لانتقال ما يحصل في المصارف إلى قطاعات أخرى مثل «السوبرماركات» والأفران وغيرها من القطاعات، حيث سيجد المواطن نفسه في موقف يُحصّل به حقه بيده! من هذا المنطلق، لا بد للحكومة، إذا لم يكن هناك من تدخلات سياسية، أن تعطي الأوامر للجيش اللبناني لكي يضبط حالة الفوضى التي ستتكرّر حكمًا ابتداءً من الخميس المقبل بعد فتح المصارف أبوابها أمام المودعين.
موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مما يحصل، قاله بشكل غير مباشر النائب السابق علي درويش حيث اشار الى انه «لا يمكن أن يتحمل جميع اللبنانيين أخطاء غيرهم، مع الأخذ بعين الاعتبار حق المودعين في استرجاع ودائعهم بعيداً عن الأساليب القمعية واستخدام السلاح الذي قد يؤدي الى سقوط أبرياء لا ذنب لهم، مقترحاً معالجة الأزمة على مستوى كل المودعين وليس على أساس بعض المبادرات الفردية». وهو ما يعني بشكل مباشر أن رئيس الحكومة المكلف قد يوعز إلى الأجهزة المختصة للقيام بواجباتها في حماية الأملاك الخاصة، وهو ما قد لا يجد ترجمة فعلية نظرًا إلى تراجع القدرات المالية للأجهزة الأمنية.
ويبقى السؤال عمّا سيحصل بعد فتح المصارف أبوابها يوم الخميس المُقبل؟ في الواقع، إعلان المصارف عن إقفال لمدة ثلاثة أيام له تداعيات كبيرة على كل الأصعدة:
– أولاً: من المتوقع أن يرتفع سعر صرف دولار السوق السوداء إلى ما فوق الأربعين ألف ليرة للدولار الواحد بين اليوم والخميس، بحكم أن المصارف لاعب أساسي على منصة صيرفة. وبالتالي، وبغياب هذا اللاعب، سيعمد التجار إلى الذهاب إلى السوق السوداء، وهو ما سيرفع الأسعار بشكل ملحوظ، خصوصاً أن للتجار مصلحة برفع الدولار في السوق السوداء من ناحية تحقيق أرباح طائلة على حساب المواطنين. هذا الأمر قد لا يتحقّق في حال قرّر مصرف لبنان التدخل عبر ضخ دولارات في السوق (للصرافين فئة أولى) لتغذية السوق.
– ثانياً: خلال هذه الأيام الثلاثة، لن يتمكّن المودعون من سحب أموالهم من المصارف، وهو ما قد يضع العديد من العائلات في موقف صعب، نظرًا إلى حاجتهم لشراء طعام ومحروقات وأدوية وغيرها من الأمور الحياتية.
– ثالثاً: حركة الاستيراد من الخارج ستتأثر حكمًا بتوقف المصارف عن العمل، وهو ما قد يجعل بعض القطاعات في حال من القصور من ناحية تأمين بعض السلع والبضائع.
– رابعاً: ارتفاع مطّرد لأسعار كل السلع والبضائع في الأسواق، نتيجة ارتفاع سعر صرف دولار السوق السوداء ونتيجة النقص في بعض المواد. وهو ما يعني مزيدا من القهر والتعذيب لشريحة واسعة من اللبنانيين.
عملياً، من المتوقّع بحسب الكثير من المحلّلين، أن تعاود هجمات بعض المودعين على المصارف إبتداءً من الخميس المقبل، وبالتالي هذا الأمر سيؤدّي إلى إعادة إقفال المصارف من جديد. لكن مصادر تشير إلى اتصالات تجري بعيدا عن الأضواء، خصوصاً مع وزارة الداخلية وبعض المرجعيات السياسية لإيجاد حلّ لهذه المشكلة. وتتوقّع المصادر أن تتم إعادة فتح المصارف أبوابها، إذا ما تم الاتفاق على صيغة معيّنة تُطمئن المصارف.
لكن المنحى الأخطر بحسب هذه المصادر، أن يكون يوم الخميس بداية لفوضى كبيرة تبدأ بعمليات اقتحام من قبل مودعين، وتنتهي بمواجهات في الشارع بهدف خلق فوضى حقيقية قبل أن يُطلب إلى الجيش التدخل لاستعادة زمام الأمور. وتضيف المصادر أن قيادة الجيش تعي هذا الأمر، وهي على أتم استعداد لفرض السيطرة عملاً بمعادلة «الأمر لي».
حكومياً، تشير المُعطيات الجديدة إلى أن هناك تقدّما على صعيد تشكيل الحكومة، حيث ان كلام ميقاتي الأخير في القصر الجمهوري عن استعداده للنوم في قصر بعبدا لتشكيل الحكومة، يأتي من منطلق قطع الطريق على النائب السابق جبران باسيل، ومن منطلق أن التباعد بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أصبح ضيقاً، وهناك أمر كبير في التوصّل إلى تشكيلة تُرضي الطرفين وتؤدّي إلى إصدار مراسيم الحكومة. وهذا الأمر سيتم بحسب المعطيات فور عودة ميقاتي من نيويورك. وترجّح المصادر أن تكون الحكومة مؤلفة من 24 وزيرا مع توسيع مروحة أسماء الوزراء المرشحين للتغيير لتشمل وزير المال، وزير الخارجية، وزير المهجرين، وزير الطاقة ووزير الاقتصاد، ويتمّ الحديث عن طرح توزير بعض الأسماء العونية