كتبت صحيفة “الأنباء” تقول:
انه النفير الرئاسي، وقد بدأت معالمه تلوح في أكثر من محطة ومناسبة. وفي الأمس اتجهت الأنظار الى كليمنصو، حيث كانت زيارة لافتة قام بها سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي علّق بكلام مختصر لكنه كافياً لنقل أجواء اللقاء وما يحمله من أبعاد سياسية تحاكي الاستحقاقات الداهمة والمرحلة السياسية التي يمرّ بها لبنان.
جنبلاط قال بعد استقباله البخاري: “تداولنا في العديد من الأمور لكنه أكد حرص المملكة التاريخي على الاستقرار اللبناني واتفاق الطائف والدستور وعلينا نحن اللبنانيين أن نحترم المواعيد الدستورية وننتخب رئيساً”. وانطلاقاً من هذا التصريح قرأت مصادر سياسية عبر “الأنباء” الالكترونية في أهمية هذه الزيارة، معتبرة أن “اللافت هو أن الزيارة جاءت في إطار جولة الاستطلاع التي قوم بها البخاري، والتي بدأها بلقائه جنبلاط، مع ما يعكس ذلك من حرص على التشاور معه وتأكيد على دوره الوطني العميق لا سيما في المحطات المصيرية كالتي يعيشها البلد اليوم”.
توازياً، أيام فاصلة يعيشها اللبنانيون بانتظار عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من الخارج ومعرفة اذا ما كان سيفي بوعده ويتمكن من تشكيل الحكومة، أم سيلقى كلامه عن النوم في القصر الجمهوري حتى إنجاز مهمة التأليف المصير نفسه الذي لاقته أغنية “عالعصفورية” التي طالعنا بها قبل نحو شهر، بعد تحوّل البلد فعلاً الى أشبه بـ”عصفورية” حقيقية.
وسط هذا المشهد المأساوي الذي يعيشه اللبنانيون تبدو الحاجة الى تشكيل حكومة قادرة على تغيير هذه الصورة وانتشال لبنان من أزماته على ان تتقدم على أي شيء آخر، فهل تصدق النوايا ويتمكن الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي من التخلّي عن أسلوب المحاصصة والذهاب الى تشكيل حكومة جديدة تضع البلد على السكة السليمة أم نعود الى دوامة الاتهامات والاتهامات المضادة؟
حتى الساعة كل المعطيات واستطلاعات الرأى تؤكد أن عملية التشكيل تسير بالاتجاه الصحيح وأن تدخل حارة حريك مع ميرنا الشالوحي أعطى ميقاتي إشارة الانطلاق وان غداً لناظره قريب.
في هذا السياق، أعطى النائب سجيع عطية الأرجحية لتشكيل الحكومة بعد تخلّي الرئيس عون عن التمسك بوزراء الدولة وان الحكومة المنتظر ولادتها على أحرّ من الجمر أصبحت معروفة بالأسماء والحقائب في ضوء المعلومات التي تحدثت عن إعادة تشريع الحكومة المستقيلة واستبدال اسم او اسمين منها.
عطية وفي حديث مع جريدة “الانباء” الالكترونية عزى التأخير في تشكيل الحكومة كل هذه المدة الى النكد السياسي الذي يمنع الاتفاق بين المسؤولين حتى على أبسط الأمور، آملاً من الحكومة الجديدة اذا ما تشكلت ان تعالج موضوع الكهرباء بالتزامن مع زيادة التعرفة بدل التلهي ورمي التهم على البعض، وضرورة زيادة رواتب القطاع العام لتسهيل حياة الناس ودراسة خطة لاعطاء المودعين قسما من ودائعهم لتسيير أمورهم، فلبنان ليس البلد الأول الذي يتعرض اقتصاده للانهيار فهناك دول عديدة مرّت بظروف أصعب بكثير وتغلبت على أزماتها، داعياً الى إقرار خطة التعافي وفي حال تم استخراج النفط والغاز تصبح الأمور أفضل.
وبانتظار تشكيل الحكومة العتيدة، لا صوت يعلو على هموم الناس ومطالبهم المعيشية التي باتت أكثر من ملحّة. وقد أمل الخبير المالي والاقتصادي نسيب غبريل أن تنكبّ الحكومة الجديدة على معالجة المشاكل الاقتصادية والمعيشية والنقدية بإلحاح وعدم التباطؤ والتأجيل فبين الانتخابات النيابية والاستحقاق الرئاسي تم تأجيل كل الاصلاحات.
غبريل وفي حديث مع “الانباء” الالكترونية، رأى أن أي حكومة ستشكل عليها تقديم حلول سريعة ومقنعة للمشاكل القائمة كي يستعيد لبنان ثقة العالم كما كانت في الماضي وألا تقدّم أعذاراً.
أما عن سعر الدولار، أشار الى أن دولار السوق الموازي ظهر بسبب الشح بالسيولة وتراجع التحويلات منذ ٢٠١٩، فعملية ارتفاع الدولار لا تخضع للرقابة وهناك من يحاول الاستفادة من كل محطة سياسية لجني الأرباح، معتبراً أن تشكيل الحكومة هذه المرة لن يؤدي الى صدمة ايجابية كتلك التي حصلت لدى تشكيل الحكومة المستقيلة وقد رأينا كيف تراجع سعر الدولار الى ١٣ ألف ليرة، داعياً الى توحيد سعر الصرف وتخفيف الاعتماد على السوق الموازي، معتبراً أن تشكيل الحكومة أفضل من عدمه وبالأخص اذا لم نتمكن من انتخاب رئيس جمهورية والدخول في الفراغ.
وفي ما خص الموازنة، تمنى لو أنها موازنة ٢٠٢٣ بدل موازنة ٢٠٢٢ التي شارفت على نهايتها بعد انقضاء تسعة أشهر من السنة وقد وضعت في شباط الماضي وكانت مبنية على جزء من المالية العامة ولقد كان يفترض بالحكومة ان تستمر بالصرف على القاعدة الاثني عشرية والتحضير لموازنة جديدة لكن أسلوب المزايدات أوصلنا الى هذه النتيجة.
وسط كل ذلك، بدأت بعثة صندوق النقد الدولي جولاتها على المسؤولين والمعنيين، مراقِبةً سير الاصلاحات المطلوبة كما مناقشات الموازنة، على أن تدوّن ملاحظاتها بانتظار عودة المؤسسات الدستورية الى انتظامها كي يتمكن البلد من التنفس مجدداً واستكمال مفاوضاته الجدية مع الصندوق لانقاذ ما تبقّى فيه من روح.