كتبت صحيفة “البناء” تقول:
خطف الموقف الروسي الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه مستقبل الحرب في أوكرانيا الاهتمام الدولي بوضع الأمور على حافة خطر استخدام السلاح النووي، بمجرد انتهاء مراسم إعادة رسم الحدود الروسية لإعلان انضمام الولايات الأوكرانية الشرقية والجنوبية الى الاتحاد الروسي، فالتعبئة الجزئية التي أعلنت عنها موسكو للزج بـ 300 الف جندي إضافي في الحرب في أوكرانيا، ليست رداً على أوكرانيا التي فقدت قدراتها العسكرية في الشهر الأول للحرب، بل هي رد على دخول حلف الناتو وجهاً لوجه في الحرب مع روسيا، سواء عبر إعادة بناء جيش أوكراني جديد قوامه نصف مليون جندي تم تطويعهم وتدريبهم من قبل ضباط الناتو داخل وخارج أوكرانيا وتزويدهم بالسلاح ومنظومات الإدارة والاتصالات التي تجعلهم قوة متقدمة للناتو في مواجهة الجيش الروسي، ما بات يستدعي الانتقال من عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا تنفذها قوة محدودة من الجيش الروسي، إلى عملية دفاع وطني بوجه الناتو، الذي يقاتل على الحدود الروسية. وهذا يعني وضع فرضية استخدام السلاح النووي التكتيكي على الطاولة، ووفقاً لخبراء عسكريين فان هذه الفرضية قد تصبح قريبة إذا قرر الناتو الاستفادة من حاجة موسكو لبعض الوقت للزج بوحدات إضافية واسلحة جديدة في الحرب، وقامت بشن هجمات في المناطق التي ستصبح نهاية هذا الشهر ضمن حدود روسيا، وتعتقد مصادر متابعة للحرب إن قادة الناتو كانوا يراهنون على ان الرئيس الروسي لن يذهب الى رفع التحدي نحو الخطر النووي، ويتقبل اعادة رسم خريطة عسكرية جديدة في أوكرانيا تعني عملياً إفشال عمليته العسكرية الخاصة، وربما يواصل بعضهم هذا الرهان فنجد أنفسنا سريعاً أمام ظهور أول ضربة نووية تكتيكية في أوكرانيا.
في نيويورك تتواصل أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 77، ويتناوب رؤساء الدول على إلقاء كلماتهم، وقد كانت الكلمة الأبرز للرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي الذي فاجأ الحضور برفع صورة القائد الإيراني قاسم سليماني الذي اغتاله الأميركيون في ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، وقال رئيسي إن أحدا لم يحارب الإرهاب كما حاربه هذا القائد مطالباً بمحاكمة ترامب على جريمة اغتيال سليماني. وتوقف رئيسي أمام مفاوضات الملف النووي الإيراني محملاً الجانب الأميركي كل الفوضى التي لحقت بهذا الملف عبر الانسحاب غير المبرر وغير المشروع واللجوء الى عقوبات لا أخلاقية على كل من يلتزم بالاتفاق، مجدداً إعلان إيران عدم رغبتها بامتلاك سلاح نووي، وتعاملها الإيجابي مع كل محاولة مخلصة وجدية للعودة إلى الاتفاق.
في نيويورك أيضاً تتواصل اللقاءات على هامش الجمعية العامة، وكان للبنان نصيب بارز منها، حيث كان لقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، وكانت سبقته لقاءات جمعت نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب مع الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، الذي حضر لقاء ميقاتي بلينكن، وقالت مصادر تابعت اللقاءات إن لبنان سيتسلم مسودة الاتفاق خلال الأسبوع المقبل، وإن تقدماً بارزاً سجل على طريق التوصل الى الاتفاق النهائي.
لا تزال الأجواء الإيجابيّة تظلل المشهد الداخلي، في ضوء الموجات التفاؤليّة الآتية بالتوالي من نيويورك الى بيروت، على صعيد ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، إذ حصل شبه إجماع في لبنان ولدى الاحتلال الإسرائيليّ على تذليل العقد التقنيّة والأمنيّة والاقتراب من توقيع اتفاق الترسيم خلال أيام أو أسابيع قليلة وقبل الانتخابات الإسرائيلية، بموازاة ترقّب داخليّ لعودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في 26 الحالي، وفق معلومات «البناء» لاستئناف المشاورات بالملف الحكومي، والتي توقعت تأليف حكومة نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر المقبل.
وخيم التفاؤل الحذر على المرجعيات الرئاسية التي تؤكد مصادرها لـ»البناء» أن المفاوضات مع الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين تقدمت خلال اليومين الماضيين في نيويورك وتمكنت من إيجاد الحل للعقد الأخيرة لا سيما خط الطفافات الذي تعتبره «إسرائيل» شريطاً أمنياً لحماية المناطق المحتلة المحاذية للحدود اللبنانية لا سيما تلك الواقعة على الساحل الفلسطيني، وبالتالي الكرة في ملعب الوسيط الأميركي لصياغة مسودة اتفاق لعرضه على الطرفين على طاولة الناقورة لتنقيحه وإدخال بعض التعديلات ثم اقراره في وقت قريب.
وتوضح أن طرح هوكشتاين يتضمن جعل المنطقة الفاصلة بين الخط 23 وخط هوف منطقة أمنية فاصلة برعاية الأمم المتحدة وأن لا تكون منصة تنقيب واستخراج نظراً لموقعها الحساس على الساحة الفلسطينية وكاشفة للمواقع الإسرائيلية المتقدمة الأمنية والسياحية. لكن هذه النقطة لم تحل كاملة بل هناك بعض التحفظات والضمانات التي يطلبها لبنان لا سيما تأثير هذا الخط الأمني على ترسيم الحدود البحرية والبرية معاً، وتحديداً وضعية النقطة B1 ورأس الناقورة.
وأشارت مصادر سياسية لـ»البناء» الى أن موقف الدولة الموحد وسلاح المقاومة وتهديدات السيد حسن نصرالله هي التي أجبرت «إسرائيل» على التراجع وتقديم التنازلات أولاً بتأجيل الاستخراج الى تشرين الثاني، وثانياً التعهد بتوقيع الترسيم قبل الانتخابات الإسرائيلية، وثالثاً منع العدو من الاعتداء على لبنان، وبالتالي حماية الثروة اللبنانية من السرقة والقرصنة الإسرائيلية وحماية حقوق لبنان وتثبيتها لاحقاً باتفاق برعاية أميركية والأمم المتحدة.
وتكشف المصادر أنه «لو لم يعد هوكشتاين الى بيروت وبطروحات وأجواء ايجابية لكان لبنان بصدد توقيع المرسوم 4633 وارساله الى الأمم المتحدة واعتماد الخط 29 رسمياً كحدود لبنان». وتوضح أن «إسرائيل استغلت الخطأ الذي ارتكبته اللجنة التفاوضية التي ذهبت الى قبرص في العام 2007 ورسمت الخط 1 وكانت مؤامرة قبرصية إسرائيلية على لبنان، كما تستغل الآن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان لفرض تنازلات عليه بملف الترسيم».
وعلمت «البناء» أن الفرنسيين أبلغوا مسؤولين لبنانيين أن فرنسا سيكون لها دور أساسي ومحوري في استثمار النفط والغاز في لبنان عبر شركاتها لا سيما توتال وذلك بعد توقيع اتفاق الترسيم».
ونقلت وسائل إعلام محلية عن جهات متابعة لحركة الوسيط الأميركي أن «الأخير أصبحت لديه صورة كاملة وموثقة عن المطالب اللبنانية، والحديث اليوم يتمحور حول مسار المنطقة الآمنة التي تطالب بها «إسرائيل» والتي تقدر بـ3 كلم، الا أن هناك خشية من أن تؤدي هذه المطالبة الإسرائيلية لخلاف خصوصاً حول منطقة رأس الناقورة«. واشارت الى أن «هوكشتاين عقد اجتماعين مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وآخر مع ميقاتي، وأكثر من اجتماع مع الجانب الإسرائيلي».
وأضافت: «إذا كان الرد الإسرائيلي على المقترح اللبناني إيجابياً، فقد يتم التوقيع على اتفاق الترسيم خلال أيام، ومتفائلون بذلك، لأن الإسرائيليين أكثر إلحاحاً للاستخراج نظراً لحاجتهم الى المزيد من البيع، وهم يدركون أن حزب الله يستطيع عرقلة مخططاتهم».
وواصل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي جولة لقاءاته في نيويورك، فبعد لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، التقى أمس وزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية انتوني بلينكن، بحضور وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، ووكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، والوسيط الاميركي هوكشتاين. ووصف بلينكن اللقاء بالمثمر، وتمّت مناقشة الحاجة الى إجراء انتخابات رئاسية في الوقت المناسب وضرورة تنفيذ الإصلاحات لدعم الشعب اللبناني. وشدد بلينكن على أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع لبنان من أجل تحقيق السلام والازدهار.
وأوضح ميقاتي من جهته أنه جرى بحث مجمل الملفات وتم التشديد بشكل خاص على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية، كما أنه تمنى دعم لبنان من كل من هو قادر على ذلك. وقال ميقاتي: «تطرقنا الى المواضيع المتعلقة بالنازحين السوريين والاتفاق مع صندوق النقد الدولي والكهرباء، وبشكل خاص الملف التربوي، ونحن على أبواب عام دراسي جديد. لمسنا كل تجاوب». وكشف أن ملف ترسيم الحدود البحرية يشهد تقدماً كبيراً.
وكشفت مطلعون على اللقاء وفق مصادر اعلامية أن «بلينكن شدد على الحاجة الملحة لاتفاق بحري والإدارة الأميركية ستواصل التعاون مع لبنان من أجل استقرار المنطقة».
وردّ المطلعون على سؤال حول مقصد بلينكن بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بالوقت المناسب، أجابوا: «بلينكن يقصد أن تتم الانتخابات بالمواعيد الدستورية، وبالتالي فهناك تطابق بالرأيين الأميركي والفرنسي حول أهمية الالتزام بالمواعيد الدستورية لانتخابات الرئاسة».
وعلمت «البناء» أن «لقاء ماكرون والرئيس الإيراني استمر ساعة و30 دقيقة، ساعة و25 دقيقة بحث بمفاوضات جنيف والتعقيدات القائمة أمام توقيع الاتفاق لكون هذا الملف أولوية فرنسية ويسمح لها بإحياء استثماراتها الكبيرة في إيران، كما بحث الرئيسان بخمس دقائق الملف اللبناني».
وتحول اتفاق الترسيم الى نقطة خلاف أساسية في الداخل الإسرائيلي لا سيما بين رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد، ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي اتهم لابيد بـ»الاستسلام لحزب الله». واعتبر لابيد أن هذا «يضر بمفاوضات «إسرائيل» وبأمننا ومصالحنا الدبلوماسية والاقتصادية».
ولفت إلى «أننا في مفاوضات معقدة للغاية ومتقدمة، وأعطيت فرق التفاوض لدينا تعاليم واضحة للغاية حيث تكون مطالبنا الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية محفوظة، بالتنسيق مع وزير الدفاع. إذا حصلنا على هذا مع حماية هذه التعاليم فهذا جيد، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن إسرائيل قوية وتعرف كيف تدافع عن نفسها»، وأردف: «أنني ما زلت أستخدم عبارة (تفاؤل حذر)».
من جهتها، كشفت المستشارة القانونية لحكومة الاحتلال غالي باهارف ميارا، بحسب ما نقلت صحيفة «هآرتس« العبرية، أنها «ستدافع أمام المحكمة العليا عن اتفاقية تنظيم الحدود البحرية لـ»إسرائيل» مع لبنان ولن تخضع لقانون أساسي ألا وهو الاستفتاء».
وأفادت الصحيفة نقلاً عن مسؤول سياسي رفيع، بأن «هذا يعني أن الاتفاق لن يعرض للجمهور إلا بعد الموافقة عليه»، ولفت إلى أن «مجلس الوزراء السياسي والأمني سيكون مطالباً بالموافقة على الاتفاق، وأنه لن يعرض على الكنيست للمصادقة عليها قبل التوقيع عليه».
كما نقلت «هآرتس»، عن سياسي بارز آخر، أنه «يمكن للمحكمة أن تتبنى موقف الحكومة الإسرائيلية، والذي بموجبه يُسمح لحكومة انتقالية بالتوقيع على الاتفاقية»، وأضاف أنه «ليست هناك حاجة لإجراء استفتاء، ولكن يمكن للقضاة أيضًا أن يقرروا خلاف ذلك.. سؤال معقد».
وفي غضون ذلك سجلت المفاوضات على صعيد هبة الفيول الإيراني تقدماً اضافياً وفق معلومات «البناء» باتجاه توقيع اتفاق بين الحكومتين اللبنانية والإيرانية لتزويد لبنان بالطاقة وفق ما يطلبه لبنان والعرض المقدّم، الاتفاق ينتظر عودة ميقاتي الى بيروت.
الا أن هذا التطور لاقى غضب العدو الإسرائيلي الذي يريد إبقاء لبنان يغرق بأزماته الكهربائية والاقتصادية والمالية، فعمل على تحريض اللبنانيين على إيران وإطلاق رسائل التهديدات للغرب لتعطيل أي تعاون لبناني – إيراني في الطاقة. فقد زعم وزير الدفاع في حكومة الاحتلال بيني غانتس، في تصريحات نقلتها صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «إيران تحاول من خلال حزب الله، شراء لبنان من خلال توفير الوقود وبناء محطات الطاقة، وقد يؤدي اعتماد لبنان في مجال الطاقة على إيران إلى إقامة قواعد إيرانية على الأراضي اللبنانية، وزعزعة الاستقرار في المنطقة، والمواطنون اللبنانيون سيدفعون الثمن على غرار السوريين».
على صعيد آخر، وفيما سجل سعر صرف الدولار ارتفاعاً طفيفاً بعد مسلسل انهياره أمس الأول، وبعد اليوم الثاني على اضراب المصارف، أعلنت جمعية المصارف في بيان الى أن «المصارف ستُبقي أبوابها مغلقة قسرياً في الوقت الحاضر خاصة في ظل غياب أية إجراءات أو حتى تطمينات من قبل الدولة والجهات الأمنية كافة بهدف تأمين مناخ آمن للعمل».
وتخوّف مصدر سياسيّ وأمنيّ عبر «البناء» من التداعيات الاجتماعية والأمنية لصعود وهبوط الدولار التي تتحكم به «مافيات» كبيرة مغطاة من نافذين في الدولة، يتلاعبون بالعملة الوطنية لتحقيق أرباح وبالوقت نفسه استخدام الدولار الى سلاح سياسي بالصراع الداخلي وللضغط الخارجي.
وواصلت بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة السيد ارنستو راميرز، جولتها على المسؤولين، فعرضت مع رئيس الجمهورية ميشال عون الاتفاق بين الصندوق والحكومة، وأعلن عون أنه «كان ينتظر تحقيق العديد من الإجراءات الإصلاحية المتفق عليها مع صندوق النقد، الا ان عراقيل عدة برزت من عدد من الأطراف في الداخل أخّرت تحقيق ما كان مطلوباً».
بدورها، لفتت بعثة الصندوق الى أن «اقتصاد لبنان ما زال يعاني من ضغط شديد بسبب الجمود المستمر في الإصلاحات المطلوبة»، مشيراً الى أن «استكمال الإجراءات المسبقة أمر مطلوب لكي يدرس الصندوق طلب لبنان الحصول على برنامج مالي». وشدد الصندوق على أنه «يجب الاعتراف بالخسائر الكبيرة في القطاع المصرفي اللبناني ومعالجتها مقدماً، ويجب حماية صغار المودعين في لبنان بشكل كامل».