ثمة من همس بآذان الفريق العوني، في بعبدا وخارجها أن الجهود يجب ان تتركز الآن، لا على تأليف حكومة جديدة، أياً كانت مواصفاتها، بل على ضرورة ملء الشغور المفترض برئيس جديد للجمهورية تتشكل معه حكومة العهد الأولى، ويمكن حينها استخدام القوة النيابية، وحتى الشارع، لفرض ما يلزم من تمثيل أو برامج، بعد هذين الاستحقاقين.
وبدءاً من الاسبوع المقبل، سيكون لبنان محط زيارات دبلوماسية أوروبية ودولية وعربية، في إطار السعي لايجاد مقاربات تسمح بتقريب وجهات نظر الكتل النيابية، باتجاه رئيس ينسجم مع البرنامج الذي وضعه صندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من دائرة التضخم غير القابل للسيطرة عليه، وبالتالي التهام ما تبقى من قدرة شرائية لدى المكلف اللبناني فضلاً عن الاحتفاظ بالحد الأدنى من احتياط المصرف المركزي لمواجهة الصعوبات المتوقعة خلال العام المقبل.
وفي هذا الاطار تصل الاسبوع المقبل (يوم الجمعة 14 ت1 على الأرجح) وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى بيروت للقاء كبار المسؤولين ووزير الخارجية، وفي اولوية مباحثاتها الانتخابات الرئاسية، مع اقتراب موعد انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 (ت1) 2022.
وكشفت مصادر ديبلوماسية عن سلسلة اجتماعات عقدت قي باريس خلال الأيام الماضية، حضرها مسؤولون بالخارجية الفرنسية وديبلوماسي عربي بارز، تناولت الوضع في لبنان، والانتخابات الرئاسية، وكيفية مساعدته لحل الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها وقالت: ان المجتمعين خلصوا في اجتماعاتهم التي استمرت ثلاثة أيام، الى تسريع الخطى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يحظى بالتفاف اللبنانيين من حوله، ولا ينحاز لفريق من دون الآخر، او يوالي دولة خارجية على حساب المصلحة اللبنانية، ويحافظ على المصلحة اللبنانية العليا، ويتمتع بعلاقات جيدة مع اشقائه العرب وأصدقائه بالخارج. وشددت المصادر على ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية بهذه المواصفات، وتشكيل حكومة جديدة تعبرّ عن تطلعات اللبنانيين وامانيهم، يشكل المدخل الضروري لبداية انقاذ لبنان من ازمتة ،والحصول على مساعدة الدول العربية والصديقة والصناديق الدولية، في حين ان توجه بعض الاطراف لانتخاب رئيس صدامي، يعبر عن توجهات فريق دون الآخر، ويجنح بلبنان للاصطفاف الى سياسية المحاور والصراعات بالمنطقة، ومعاداة الدول العربية، لن يكون موضع ترحيب وتعاون من الدول المذكورة، ما سيؤدي حتما إلى ابقاء لبنان غارقا بازمته المعقدة، ومعزولا عن اشقائه وأصدقائه بالعالم .
المسعى السعودي مستمر
وفي التحرك السياسي ايضاً، استقبل الرئيس تمام سلام امس في منزله في المصيطبة، سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري، وجرى عرض للاوضاع والتطورات في لبنان والمنطقة، وتم «تأكيد حرص المملكة على انجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها بما يؤدي إلى استقرار لبنان ووحدة شعبه».
ومع تبدل الأولويات في بعبدا، وإيلاء الاهتمام لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، توقع مصدر نيابي ان تتحول بعبدا إلى منصة للمطالبة بانتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية والتحذير من مخاطر الفراغ الرئاسي.
وهذا ما تحدث عنه النائب العوني السابق انطوان بانو لجهة ان الفراغ يؤدي إلى حدوث خلل جسيم في التوازن الوطني.
فالرئيس ميشال عون ابلغ الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زمي، أثناء استقباله قبل ظهر امس في قصر بعبدا، أن الأولوية المطلقة يجب أن تكون راهناً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن وجود الرئيس اساسي لتشكيل حكومة جديدة وليس العكس. واعتبر الرئيس عون ان الجهود يجب ان تنصب على انجاز الاستحقاق الرئاسي، لأن بلداً مثل لبنان بخصوصيته وتميزه وتعدديته، لا يمكن ان تتحقق فيه الشراكة الوطنية الكاملة والميثاقية في غياب رئيس الجمهورية، ما يمكن ان يعرضه لأوضاع تؤثر على وحدته وتضامن ابنائه.
وكان الدبلوماسي العربي ملأ الفراغ السياسي الرسمي بجولات على الرئيسين عون ونجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، داعياً الى التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية وتلافي الفراغ، مبدياً قلقه من عدم التوصل الى توافق على انتخاب الرئيس. ونفى زكي الحديث عن مبادرة عربية في ما خص لبنان، لكنه حسب معلومات «اللواء» فإن السفير زكي حمل مخاوف الجامعة العربية من تدهور الاوضاع اللبنانية اكثر، لا سيما التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية، وماذا يمكن ان تقوم به الجامعة العربية للمساهمة في حلحلة العقد. مؤكداً التضامن مع لبنان في كل ما يريده لكنه دعا الكتل النيابية التي التقاها امس الاول الى بذل مزيد من الجهد من اجل تلافي العقد وانتخاب رئيس للجمهورية.
وتوقفت المصادر المتابعة عند تركيز الرئيس عون على موضوع انتخاب الرئيس كأولوية أكثر مما على موضوع تشكيل الحكومة، وهو تطور مهم قد يضع تشكيل الحكومة على الرف مؤقتاً، حيث اعتبر عون ان البلد بلا رئيس للجمهورية لا يمكن ان يقوم، بخاصة في بلد مثل لبنان بتعدديته وخصوصياته المعروفة إذ لا يمكن ان يغيب الفريق المسيحي عن السلطة في حال حصول فراغ رئاسي.
وعلمت «اللواء» انه خلافاً لما تردّد عن مقاطعة نواب «تكتل لبنان القوي» لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية يوم الخميس المقبل لمصادفته ذكرى خروج العماد ميشال عون من قصر بعبدا بالقوة العسكرية في 13 تشرين، نظراً لرمزية التاريخ بالنسبة لعون شخصيا وللتيار وجمهوره. قالت مصادر التكتل: ان لا قرار رسمياً بعد والموضوع قيد الدرس ولا زال امامنا مزيد من الوقت، لكن بالتأكيد سيكون هناك موقف. ورجحت بعض المعلومات ان يقاطع التيار جلسة الانتخاب. وفي الاطار، تمنى النائب آلان عون تأجيل الجلسو إذا كان هناك امكانية لمراعاة مشاعر كتلة اساسية بالمجلس وجمهور كبير تابع لها، داعياً إلى جلسة اخرى يشارك فيها الجميع من دون اي اعتبارات، معتبراً ان الورقة البيضاء لا تزال خيار التكتل الوطني الحر.
ايام صعبة
ومع اعادة تموضع الاولويات، وتراجع فرص تأليف الحكومة، إلا إذا حدثت المعجزة، دخل التجاذب في اسرائيل وارتجاجاته المرتقبة على المسار التفاوضي بمجمله بين بيروت وتل ابيب اياما صعبة، من زاوية احتمال التصعيد العسكري الاسرائيلي قبل العودة إلى التفاوض غير المباشر حول ملف الترسيم.
وفي الاطار، دخلت جهات دولية على خط التهدئة قبل اي تصعيد محتمل على الجبهة الجنوبية، وأجرت في اليومين الاخيرين اتصالات على اعلى المستويات في لبنان في محاولة للتوسط مع حزب الله لمنع تدحرج الامور صوب حرب مفتوحة، والمطلب الأهم كان بعدم تعرض الحزب للمنصات العائمة قرب حقول النفط في كاريش وعلى طول الساحل الفلسطيني المحتل.
فقد بقي موضوع ترسيم الحدود البحرية مدار تسريبات متناقضة وغامضة في الكيان الاسرائيلي مقابل موقف رسمي لبنان واحد وهو انتظار الخطوة التالية للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين وسط كلام لمصادر اميركية مجهولة تتمنى تراجع لبنان عن مطالبه وشروطه وملاحظاته على مسدوة اقتراح هوكشتاين، الذي من المفترض ان يكون قد سلّم نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب الملاحظات الاسرائيلية الخطية على اقتراحه، ما يوجي بأن التفاوض مستمر حول المسائل التقنية.
وعلمت «اللواء» ان بو صعب على تواصل دائم مع الوسيط الاميركي لمناقشة الوضع، حيث تبين ان الكيان الاسرائيلي متحفظ على نقطتين فقط من مسودة الاتفاق، هماعلى الارجح التمسك بخط العوامات الذي وضعته اسرائيل لأسباب امنية حسب ما تدعي، وموضوع اتفاقها مع شركة توتال على نصيبها من الارباح من حقل قانا او الحقول الاخرى المختلف عليها.
وفي الكيان الاسرائيلي استمر دفق التسريبات غير الرسمية، حيث ذكرت الإذاعة الإسرائيلية العامة، «أن المفاوضات بشأن الترسيم لا تزال متواصلة بين الطرفين عبر الوسيط الأميركي في محاولة للتوصل إلى اتفاق بين الطرفين. وقالت الإذاعة: إن إدارة الرئيس بايدن تمارس ضغوطاً على لبنان للتراجع عن جزء من مطالبه الأخيرة، مضيفة أن الوسيط الأميركي على اتصال مع الطرفين الإسرائيلي واللبناني، فيما وصف مسؤول إسرائيلي الوضع بأنه بمثابة «محاولة لمدّ المباحثات بالتنفس الاصطناعي». ونقل موقع «واللا» الإسرائيلي عن مسؤول سياسي كبير في تل أبيب قوله: أن الملاحظات اللبنانية على مسودة الاتفاق تضمنت «تغييرات جوهرية وجديدة»، موضحا ان اسرائيل ليست مستعدة لقبولها.
كما نقل الموقع عن عضو بارز في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض قوله: إنّ المحادثات بين اسرائيل ولبنان على الحدود البحرية وصلت إلى نقطة حرجة لكن الإدارة الأميركية تعتقد أنه لا يزال من الممكن التوصل إلى اتفاق.الفجوات ضاقت وهناك التزام بالتوصل إلى اتفاق، ونعتقد أنه يمكن التوصل إلى التسوية المطلوبة.
ووفقاً للتقارير الإسرائيلية، فإنّ المشكلة ترتبطُ بـ«خط العوامات» الذي تعتبره اسرائيل مهماً جداً للغاية بالنسبة لها لأسباب أمنية.
وقال ليئور شيلات مدير عام وزارة الطاقة الإسرائيلية، امس الجمعة لموقع «واللا»، إن أرباح الغاز الطبيعي من الخزان الواقع في منطقة الخلاف مع لبنان تقدر بحوالي 3 مليارات دولار، أنه من المفترض أن تحصل تل أبيب على نسبة 17% فقط. وأوضح الموقع أن أرباح هذا الموقع أو خزان الغاز الطبيعي في البحر المتوسط ستقسم بين شركة «توتال» الفرنسية ولبنان وإسرائيل، وأنه سبق وقدرت أرباحه بما يزيد عن 20 مليار دولار في السابق بحسب ما نشرت في وسائل الإعلام. وفي السياق، أفادت صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، بأن «المنظومتَين السياسية والأمنية تستعدان لإجراء فحوصات في حقل الغاز خلال الأيام القريبة، وعلى الأرجح أن تبدأ ذلك يوم الأحد مع مطلع الأسبوع المقبل». وأشارت إلى أن «التشغيل سيكون تجريبياً؛ حيث سيجرَّب تدفق الغاز من جهة الساحل (شمالاً) باتجاه المنصّة المتنقلة على بعد مئة كيلومتر. وبعد ذلك ستبدأ في السحب ودفق الغاز من الحقل إلى الشاطئ».
لكن الخارجية الاميركية اشارت في بيان لها إلى ان واشنطن ستواصل العمل مع لبنان واسرائيل لحل الخلافات القائمة، ونعتقد ان اتفاقاً بين الطرفين بشأن ترسيم الحدود البحرية لا يزال ممكناً.
تعاميم المركزي
مصرفياً، اصدر البنك المركزي سلسلة من تعاميم تتعلق بالفواتير المخصصة لاستيراد القمح والادوية والحليب والمستلزمات الطبية والنفط.
فقد اصدر مصرف لبنان تعميماً في شأن استيراد المحروقات طلب فيه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من المصارف استثنائياً اخذ موافقة من مصرف لبنان مسبقا على فتح الاعتمادات او دفع الفواتير المخصصة لاستيراد المشتقات النفطية (بنزين، مازوت، غاز) على ان يتم لاحقاً تزويد مديرية القطع والعمليات الخارجية لدى مصرف لبنان بالفاتورة النهائية ووثيقة الشحن ومحضر التفريغ. وأصدر تعميماً حول استيراد الادوية والمستلزمات الطبية.
وعلى صعيد اضراب المصارف، التي اقفلت امس إلى «اجل غير مسمى» حسب مصدر مصرفي مكتفية بخدمة الصراف الالي. وكشف المصدر المصرفي في السياق، عن اجتماع ستعقده جمعية المصارف الاسبوع المقبل عقب العطلة الرسمية في مناسبة عيد المولد النبوي والتي تصادف يوم الاثنين 10 الجاري، على ان تبحث في خلاله ما اذا كانت ستمضي في قرار الاقفال ام ستعدل عنه، وذلك في ضوء المستجدات والحيثيات التي ستتوفر لها.