الإتصال الهاتفي الذي أجراه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين برئيس الجمهورية ميشال عون لإطلاعه على نتائج الجولات الأخيرة للإتصالات مع الجانب الإسرائيلي، أظهر وجود حلحلة في موضوع الترسيم، بعدما كانت حفلت الأيام الماضية بمواقف إسرائيلية عقدّت المسألة.
وبحسب بيان للمكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية فإن هوكشتاين أوضح أن جولات النقاش ختمت وتم تحديد الملاحظات التي سيرسلها هوكشتاين خلال الساعات القليلة المقبلة في نسخة تتضمن الصيغة النهائية للإقتراح المتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
هذا التطور أعاد الأمور إلى السكة التي كانت تسير عليها قبل البلبلة التي أحدثتها المواقف الإسرائيلية، وعليه عادت إمكانية توقيع الاتفاق لتتقدم بالتزامن مع الاجراءات اللوجستية التي بدأها الجانب الاسرائيلي في حقل كاريش من خلال عملية الضخ التجريبي المعاكس للتثبت من سلامة المضخات التي ستستخدم في إخراج الغاز من هذا الحقل في الأسابيع المقبلة، كما كشفت اسرائيل.
في هذا السياق فإن النائب السابق وهبي قاطيشا رأى أن إسرائيل سوف تبدأ باستخراج الغاز والنفط من كاريش، وبالتالي وفق رأيه، فإن “تهديدات حزب الله نوع من الفولكلور لأن هناك نية صادقة للسير بالترسيم بموافقة كل القوى السياسية ومن بينها حزب الله”، موضحا في حديث مع “الأنباء” الإلكترونية أن “حدود لبنان البحرية تنطلق من الخط 23 وليس 29 وقد ارسلته الحكومة اللبنانية الى الأمم المتحدة منذ عدة سنوات استنادا للمكتب الهيدروغليفي في بريطانيا”، لافتا إلى أن “غالبية مخزون حقل قانا هي من حصة لبنان باستثناء مساحة متعرجة وقليلة منه، لكن لبنان يصر عليه كله وهذا سبب الإشكال الذي وقع مؤخراً”.
واذ اعتبر أن “لإسرائيل مشاكلها الداخلية مثل لبنان وأكثر”، استبعد قاطيشا قيام حزب الله بأي عمل عكسري “لأن الأمور متفق عليها، والحزب لن يحرك ساكنا الا وفق ما تريده إيران”.
وفي ما خص الجدال القائم حول من يملك صلاحية التوقيع على اتفاق الترسيم في حال الشغور الرئاسي، أبدى المحامي الدكتور بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية خشيته من أن يعتبر محضر ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل”، كتوصيف قانوني “qualification juridique”، اتفاقاً دولياً بمفهوم المادة 2 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1969 التي تعتبره كذلك سواء كان بموجب وثيقة واحدة او اثنتين منفصلتين، وذلك بصرف النظر عن التوصيف اللبناني الذي يُعطى لهذا الإتفاق عبر تسميته محضراً أو مراسلة خوفاً من اعتباره “تطبيعا”، مذكراً بأن اتفاق الهدنة وقّعه بالفعل كل من لبنان وإسرائيل بإشراف الأمم المتحدة في 23 آذار 1949 في رأس الناقورة، وقد وقعها آنذاك عن الجانب اللبناني المقدم توفيق سالم والمقدم جوزيف حرب، ووقعها عن الجانب الإسرائيلي المقدم موردخاي ماكليف وينوشوا بيلمان وشبطاي روزين، وبحضور الوسيط الدولي رالف بانش.
واعتبر مرقص أن الاتفاق اليوم يجب أن يكون برعاية رئيس الجمهورية من حيث التفاوض وفقاً للمادة 52 من الدستور بالإتفاق مع رئيس الحكومة، ولا يصبح مُبرماً إلاّ بعد موافقة مجلس الوزراء عليه، على أن تطلع الحكومة مجلس النواب عليه لدى أول فرصة، لا بل إنه وبسبب أن هذا الإتفاق لا مدة زمنية له وليس بأمرٍ عادي، فإنه يجب موافقة مجلس النواب عليه كي يصبح مُبرماً، وفي أقل تقدير، إذا لم يعتبر اتفاقاً، فإن توقيع محضر بهذه الأهمية يتطلب موافقة الحكومة بينما هي حكومة تصريف أعمال ولا يعود إليها ذلك. وتالياً لا حل سوى بمباشرة رئيس الجمهورية الحالي هذه الإجراءات ثم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة لإمرار هذا الاتفاق إلا إذا شكلنا حكومة جديدة ونالت الثقة في الأيام القليلة المقبلة وهو الأمر المستبعد.
في غضون ذلك لا يزال النقاش يجري حول المسار الذي يمكن ان تسلكه الجلسة التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي هذا الإطار استبعد قاطيشا امكانية حصول في جلسة الخميس لاعتقاده أن “فريق الممانعة لا يريد تأمين النصاب”.
قاطيشا اعتبر أن الزيارة التي قام بها وفد من الخارجية الفرنسية الى لبنان “مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، لكن مع الأسف (النائب) جبران باسيل يعمل على الفراغ ولا يريد رئيسا طالما يعتبر نفسه مستبعدا. وهو يريد تشكيل حكومة على مزاجه يكون له فيها حصة وازنة”.
وعلى هذا النحو، فإن لا افق بعد تلوح فيه البوادر التي يتوخاها اللبنانيون لتلمّس تغيراً ما في السياق الذي عاشوه منذ أكثر من ٣ سنوات وتراكمت فيه الازمات، ولا يسعهم الا المزيد من الانتظار تحت وطأة الأثقال التي فاقت قدرتهم على التحمل منذ أمد بعيد.