كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: دخلت الموافقات الأولية للبنان وكيان الاحتلال على مشروع الاتفاق على ترسيم الحد البحري بين الجانبين مرحلة الخطوات التنفيذية. حيث يفترض الإعلان عن موقف رسمي بالموافقة على الاتفاق قبل الشروع في خطوات تنفيذية تتعلق بالصياغة النهائية للأوراق التي يجب أن يوقعها ممثلون عن الطرفين بمشاركة أميركية وأممية، ومن ثم الإعلان عن سريان الاتفاق.
وبعد وقت قليل من تسلم الرئيس ميشال عون النسخة النهائية من مسودة الاتفاق، وبروز تصريحات رسمية لبنانية تشير إلى أن الاتفاق قد تم، كانت حكومة العدو برئاسة يائير لابيد تعلن عن التوصل إلى «تفاهم تاريخي»، لتشهد ساعات النهار والليل أمس، حفلة صاخبة من التصريحات والمواقف كان البارز فيها مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الاتصال هاتفياً بالرئيس ميشال عون في بيروت وبرئيس حكومة العدو «مهنئاً وداعماً».
أما في لبنان، فكان البارز الموقف الذي أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ليل أمس، من أن المقاومة تتعامل بهدوء وإيجابية مع الملف، لكن استنفارها مستمر إلى حين حصول توقيع على التفاهم أو الاتفاق في الناقورة، مكرراً أن المقاومة لم تكن معنية بترسيم الخطوط بل هي مستمرة بالدفاع عن ما يعلنه المسؤولون في الدولة حول حصول لبنان على حقوقه من عدمها.
وقال نصرالله إنه «عندما يعلن رئيس الجمهورية الموقف الرسمي اللبناني الموافق والمؤيد للاتفاق، تكون الأمور قد أُنجزت بالنسبة للمقاومة. وإلى ذلك الحين، يجب أن نبقى يقظين»، ودعا نصرالله في احتفال في ذكرى المولد النبوي في الضاحية الجنوبية أمس، «من يخوّنون ويتّهمون ويعترضون على الاتفاق وتضييع الثروات، إلى انتظار النص النهائي، وحينها يمكنهم الاعتراض، ولكن بروح وطنية وموضوعية وليس بروح تصفية حسابات». وأضاف: «كمقاومة، ما يهمّنا هو استخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية». ونبّه إلى أنه «في اللحظة التي يُوقع فيها الاتفاق، حينها يمكننا القول إن اتفاقاً أو تفاهماً حصل، وبعدها يتّم الاتّفاق على التسمية وما إذا كان اتفاقاً أو تفاهماً. المهم المولود وليس الاسم»، واصفاً ما تحقّق بـ«الإنجاز الكبير» الذي تحقّق «بالتضامن الرسمي والوطني». ولفت إلى أنه بعد إرسال المقاومة مسيّرات فوق كاريش قبل أشهر، «لم نكن بحاجة لإرسال مسيّرات ولا قطع بحرية لأن الهدف منذ البداية كان إفهام العدو أن المقاومة جادة في ما قالت. وهناك أمور كثيرة قامت بها المقاومة شاهدها الإسرائيلي وأدركها وسمع بها من خلال بعض الأنشطة التي توصل هذه الرسالة. وقد عمل الإخوة خلال الأشهر الماضية في الليل والنهار لنكون جاهزين لتنفيذ العمل ولردود الفعل الصادرة من قبل العدو ولما هو أبعد وأخطر، وجهود سنوات نُفّذت في أيام». وتوجه إلى قادة المقاومة ومجاهديها: «ستبقون على جاهزيتكم ويقظتكم إلى حين توقيع التفاهم، وبعد التفاهم يوم آخر».
الإجراءات التنفيذية
إجرائياً، أبلغ الوسيط الأميركي المسؤولين اللبنانيين أن رئيس حكومة العدو يضمن موافقة المجلس الوزاري المصغر وكذلك الحكومة الموسعة على الاتفاق، وأن الإعلان عن الموافقة يبقى مجمد التنفيذ إلى حين الانتهاء من إجراء سيتم التفاهم عليه مع الكنيست. وتبين أن سكرتير الحكومة الإسرائيلية أرسل ليل أمس إلى رئيس الكنيست نسخة عن المسودة وطلب عرضها على أعضاء الكنيست في جلسة اليوم. وذكر مكتب رئيس الكنيست ميكي ليفي، أنه «بناء على طلب الحكومة، وفي ضوء أهمية الموضوع، قرر رئيس الكنيست، السماح بطرح اتفاق تحديد الحدود البحرية الشمالية بين إسرائيل ولبنان، غداً (اليوم) في جلسة الكنيست، انسجاماً مع قرار الحكومة. وسيسمح طرح الاتفاق لأعضاء الكنيست بالنظر في تفاصيل الاتفاق في أسرع وقت ممكن مباشرة بعد جلسة النقاش التي ستجري في الحكومة».
أما المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية فقالت ليل أمس إنه «لا مانع قانونياً من الاكتفاء بعرض الاتفاق مع لبنان على طاولة الكنيست وإن كان من المرغوب عرضه على الكنيست والتصويت عليه». ولم يفهم بشكل دقيق ماهية الفكرة من العرض على الكنيست سواء لرغبة بالتصويت عليه سريعاً أو الاكتفاء بعرضه واستهلاك مهلة 14 يوماً (مهلة إيداع) قبل أن يكون للحكومة الحق بالتوقيع والتصرف بالاتفاق. وهذا يعني أنه بحسب الاتصالات الجارية الآن مع الأميركيين، فإن الإعلان الرسمي لتسليم أوراق المسودة موقعة لن يكون قبل السابع والعشرين من هذا الشهر. ما يعني أنه سيكون أمام لبنان وإسرائيل مهلة أربعة أيام فقط لإنجاز الخطوات التنفيذية قبل دخول لبنان في مرحلة الفراغ الدستوري في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية وقبل دخول إسرائيل الانتخابات النيابية التي حددت في الأول من الشهر المقبل.
ووفقاً للاتصالات الجارية، فإن المشاورات التي جرت بين الأميركيين والإسرائيليين تقضي بأن تعلن حكومة لابيد اليوم موافقتها على المسودة، ما يسمح للبنان بالإعلان عن الموافقة من خلال بيان أو رسالة يوجهها الرئيس عون إلى اللبنانيين اليوم أو غداً على أبعد تقدير. وبعدها يصار إلى انتظار الإجراءات الخاصة بمرحلة الإعلان الرسمي. وتشير التفاهمات الأولية إلى أن لبنان وإسرائيل سيوقعان على نسختين منفصلتين عن الاتفاق، ويقومان بإرسالهما إلى الولايات المتحدة. ومن ثم يتم إيداع نسخة من هاتين الرسالتين لدى الأمم المتحدة.
وحتى اللحظة يحق للرئيس عون أن يوقع على الرسالة أو انتداب من يوقع الرسالة عنه، وهناك نقاش مستمر حول طبيعة الوفد الذي سيتوجه إلى الناقورة لحضور الاحتفال، وحيث من المفترض – حتى اللحظة – أن يحضر الوسيط الأميركي بنفسه وأن يكون هناك ممثل رفيع عن الأمم المتحدة. ويقضي التصور الأولي بأن يقوم الوفد اللبناني بتسليم المسودة الموقعة إلى الوسيط الأميركي في غرفة منعزلة عن الغرفة التي يسلم فيها الوفد الإسرائيلي النسخة موقعة إلى الوسيط الأميركي نفسه. وعلى قاعدة أنه لن يكون هناك لقاء مباشر بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي بخلاف رغبة الجانب الإسرائيلي الذي يهتم باستخدام هذه الصورة في حملته الانتخابية.
الضمانة الأميركية
ومساء أمس، حرصت مساعدة رئيس حكومة العدو على تسريب ما اسموه بفحوى الاتصال بينه وبين الرئيس الأميركي. ونقلت وسائل الإعلام عن مصادر سياسية مشاركة في المفاوضات، أن الولايات المتحدة التزمت بتقديم ضمان لأي احتمال لخرق الاتفاق من قبل الجانب اللبناني، وأن إسرائيل «ستحصل من الإدارة الأميركية على رسالة ضمانات توضح أن الولايات المتحدة ملتزمة بحقوق إسرائيل الأمنية والاقتصادية في سيناريو يقرر فيه حزب الله أو جهة أخرى تحدي الاتفاقية التي تم توقيعها».
وأضافت المصادر أنه «في أساس الرسالة ضمانات لخط الطفافات على أنه دفاع إسرائيلي وحماية الحقوق الاقتصادية لإسرائيل في حقل صيدا وكذلك منع عائدات الحقل من الوصول إلى حزب الله وفقاً للعقوبات الأميركية».
وفي بيروت، علمت «الأخبار» أن الرئيس الأميركي أبلغ الرئيس عون أن واشنطن ملتزمة أن تضمن التزاماً إسرائيلياً كاملاً بالاتفاق وأن الولايات المتحدة ستمنع أحداً في إسرائيل من خرق الاتفاق، وستكون الضامن الأكيد له.
لكن موقع «مكور ريشون» العبري نقل أمس عن مسؤول أميركي «وثيق الاطلاع على المفاوضات» أنه «لا توجد ضمانات بأن يلتزم حزب الله بالاتفاق» مشيراً إلى «أن الإنجاز الذي حققته إسرائيل هو توفر الأمن لمواصلة إنتاج الغاز على طول الساحل فيما إنجاز لبنان القدرة على الازدهار اقتصادياً».
إلى ذلك، فإن الجانب الفرنسي يعمل من جانبه على تقديم ضمانات إضافية للبنان ولإسرائيل، ويفترض أن تحمل وزيرة الخارجية الفرنسية معها إلى بيروت رسالة تؤكد على التزام شركة «توتال» العمل مباشرة بعد إعلان الاتفاق. كما سيجري تضمين اتفاق الشركة مع إسرائيل حول تسوية حقل قانا ضمن الاتفاق نفسه. ويبدو أن الجانب الفرنسي يريد أن يحجز لنفسه موقعاً في الاتفاق بما يسمح له بلعب دور سياسي أكبر في الشأن اللبناني، وهو أمر أثار سخرية جهات معنية لأن باريس كانت طوال فترة المفاوضات ملتزمة بما يطلبه منها الجانب الأميركي ولم تكن لديها أي مبادرة بكل ما يتعلق بالمفاوضات.