حدثٌ مفصلي يشكل الطريق الوحيد والممر الالزامي لخروج لبنان من أزماته الاقتصادية والمالية، والكهربائية والصحية والبيئية، ويقطع الطريق نهائيا على الانهيار والفوضى وحروب الازقة والشوارع، وينقل البلد من ضفة الى ضفة، وينهي طوابير الذل والقهر والجوع والموت على أبواب المستشفيات، ويشكل مناخا جيدا لبدء تدفق الاستثمارات والشركات العاملة في البنى التحتية، وبابا للدول لتقديم القروض في ظل الضمانات التي يوفرها قطاع الغاز للذين يريدون تقديم المساعدات.
هذا الحدث هو لكل اللبنانيين الذين قابلوه بارتياح في كل المناطق رغم القلق من ضياع هذه الثروة في زواريب الهدر والفساد مع انتشار معلومات عن بدء التحضير لانشاء عشرات شركات الغاز الوهمية من ابناء كبار القوم والمافيات الذين نهبوا البلد خلال الطائف ولم يشبعوا ؟ ولكن رغم هذا القلق والتساؤلات المشروعة في ظل تجارب اللبنانيين المريرة، فان ما جرى يشكل بديلا عن رهن البلاد لصناديق النقد الدولية والشركات الخارجية والقروض ومعالجة الدين بالدين، وبناء الحجر دون البشر، والاعتماد على سياسات المصارف والفوائد المرتفعة التي طيرت أموال اللبنانيين؟
انزعاج سعودي من مفاوضات الترسيم
اتفاق الترسيم البحري سيسلك طريقه الى التوقيع خلال اسبوعين، وبعد ذلك يتم ارسال الورقتين اللبنانية والاسرائيلية بعد توقيعهما الى واشنطن، وايداع النسختين لدى الامم المتحدة، فلبنان رحب حسب ما أعلنه الرؤساء الثلاثة بالاتفاق الذي حفظ حقوقه كاملة في قانا بالاضافة الى دفع شركة توتال من أرباحها التعويضات للعدو، فيما أعلنت صحيفة يديعوت أحرونوت، ان جميع أعضاء مجلس الوزراء الاسرائيلي المصغر «الكابينت» صوتوا على دعم الاتفاق، وامتنعت وزيرة الداخلية عن التصويت ؤأعرب الوزراء عن دعمهم لتعزيز أجراءات الموافقة على الاتفاقية من قبل الحكومة بشكل سريع، كما أعلنت الحكومة الاسرائيلية الموسعة موافقتها باغلبية ساحقة على ان تحال بعدها الى الكنيست للنقاش وليس للتصويت، ويعطى فترة ١٥ يوما للانتهاء من النقاشات، ثم تعاد الى الحكومة للمصادقة النهائية عليها، قبل الانتخابات بايام، وقد تم تسريب الاتفاقية باللغة العربية بعد ان قامت حكومة العدو بتسريبها بالانكليزية واطلاع كل القوى السياسية على مضمونها، وحسب المعلومات، فان شركة توتال ستبدأ عملها بعد شهر، فيما أعلن أحد الوزراء السابقين للنفط، ان عملية الاستخراج تبدأ بعد ١٨ شهرا، اذا تم تسريع وتيرة العمل، والامر لا يحتاج الى ٥ سنوات كما يشيع البعض .
وقد حظي الاتفاق بدعم دولي شامل، لكن البارز حسب ما سرب من معلومات، ان السفير السعودي في لبنان وليد البخاري أبدى عتبه وامتعاضه وانزعاجه خلال لقاءاته مع سنة ٨ اذار من استبعاد واستثناء وتجاهل الرياض من مفاوضات الترسيم من قبل واشنطن والمسؤولين اللبنانيين الذين لم يضعوا السفارة السعودية في أجواء ما جري من اتصالات متعلقة بمثل هذا الملف الحساس والكبير بتداعياته على لبنان والمنطقة والمتعلق بالغاز واستخراجه، واقتصر الامر على المسؤولين الفرنسيين الذين وضعوا المملكة بالاجواء الايجابية ونجاح المفاوضات، علما ان البخاري يعتبر ما حصل ليس الا محاولة تقليص دور الرياض في لبنان وابعادها عن الملفين الاقتصادي والمالي اللذين تولت ادارتهما منذ الطائف، وتضع بعض المرجعيات تحركات البخاري تجاه سنة ٨ اذار بمثابة الرسائل للجميع بأن الورقة السنية لا يمكن لأي دولة سحبها من تحت سلطة السعودية ومن رابع المستحيلات اضعاف ألاوراق التي تمتلكها السعودية في لبنان.
رئاسة الجمهورية
الجلسة الثانية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية ستكون على «شاكلة» سابقتها لجهة التصويت للبنان، والورقة البيضاء وزيادة نائبين او ثلاثة لميشال معوض، وربما خروج سليم ادة من السباق الرئاسي مع تعدد اتجاهات التغييريين، في حين يغيب نواب التيار الوطني عن الجلسة احتجاجا على تحديد موعدها من قبل بري يوم خروج رئيس الحكومة العسكرية آنذاك، العماد ميشال عون من بعبدا وما يعنيه هذا اليوم للعونيين، وحسب المتابعين لأجواء ألاتصالات، فان ما جرى يعكس مدى الخلاف بين بري وباسيل وسقوفه العالية، وبالتالي فان الفراغ الرئاسي شبه حتمي، ولن تعبد طريق بعبدا دون تسوية خارجية بمشاركة أميركية سعودية سورية فرنسية ايرانية مستحيلة حاليا في ظل الاشتباك السعودي الاميركي حول قرار اوبك، وتعثر مفاوضات الملف النووي، ويبقى القلق الاكبر من المعلومات المسربة من شمال سوريا عن امكان انتقال التوتر الاميركي الروسي الى اراضيها، والخوف من حادثة ما تؤدي الى تدحرج الاوضاع نحو الاشتباك المباشر بين الجنود الاميركيين والروس نتيجة تصاعد العمليات العسكرية ضد القوات الاميركية في التنف وبالقرب من حقول النفط «كونيكو» في دير الزور واعلان القوات الاميركية في بيانات رسمية عن تعرضها للاعتداءات، مقابل تنفيذ الطائرات الاميركية عمليات انزال في المناطق الخاضعة للجيش السوري للمرة ألاولى منذ دخولها الى سوريا متزامنة مع عودة الاشتباكات اليومية الى أدلب و الغارات الروسية المكثفة واجراء القوات الروسية والسورية تدريبات واسعة تحاكي الدخول الى مناطق جديدة وسط عودة الاشتباكات الواسعة بين الفصائل المسلحة في ادلب واغتيال قيادات داعش، وبالتالي فان الساحة السورية مقبلة على تطورات مهمة مع وجود وفد تركي في دمشق لمناقشة العلاقات بين البلدين بشكل ايجابي، هذه التطورات ستنعكس حتما على لبنان واستحقاقاته الرئاسية وتفرض أقصى درجات تحصين الساحة الداخلية سياسيا وماليا.
تشكيل الحكومة
اتصالات التأليف متوقفة منذ ليل الجمعة – السبت الماضيين، التي شهدت اجتماعا بين المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تبعها اجتماع اخر بين الحاج وفيق صفا وباسيل في اللقلوق، ومنذ ذلك التاريخ توقفت الاتصالات مع تسريبات بأن لا حكومة في الافق في ظل الجدار السميك من عدم الثقة بين بري وميقاتي من جهة وباسيل من جهة ثانية، ولا أحد يريد التنازل للآخر مهما وصل حجم التمنيات من حزب الله لاقناع الطرفين بالتنازل لبعضهما بعضا مع تمسك كل طرف بشروطه، مضافا اليها استياء باسيل من محاولات بري وميقاتي تأليب وزراء ونواب التيار ضده من الياس بوصعب الى هكتور حجار ووليد نصار ونجلا رياشي وعبدالله بو حبيب، ويروي باسيل في مجالسه، انه خلال جلسة مناقشة الموازنة وبينما كان الوزيران نصار وحجار يجلسان الى جانبه على مقاعد النواب، نادى عليهما ميقاتي وأبلغهما قرار رئيس التيار باستبدالهما، وانه رافض للطرح ومتمسك بهما، متمنيا عليهما مفاتحة رئيس التيار بقراره، وخلال جلسة باسيل مع وزراء التيار في منزله في اللقوق أثار هؤلاء خلال الاجتماع ما نقله لهم ميقاتي، فسادت البلبلة وابلغ بعدها باسيل العاملين على خط التأليف انه انسحب من البحث في تأليف الحكومة الجديدة، وانه زاد اصرارا وتمسكا باستبدال وزراء الخارجية والشؤون الاجتماعية ونجلا رياشي وتعيين مكانهم وزراء راديكاليين يمثلون الصقور في التيار الوطني الحر وهذا ما رفضه بري وميقاتي، في حين يؤكد باسيل أنه تراجع عن طرح تعيين ٦ وزراء سياسيين نتيجة تمنيات حزب الله ومن حقه تعيين أسماء جديدة لتمثيل التيار مع الوزير الدرزي مثلما يريد بري استبدال وزير المالية يوسف خليل بياسين جابر، ومن هنا ڤان الاتصالات متوقفة كليا وبقاء الحكومة الحالية هو الخيار الاقوى، الا اذا حدثت تطورات قبل يوم أو يومين من مغادرة عون بعبدا.
التصويت اللبناني في الامم المتحدة
مارست الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا والعديد من الدول الاوروبية ضغوطا كبيرة على الدولة اللبنانية، وتحديدا على الرئيس عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، وتمكنوا من انتزاع قرار لبناني بالتصويت ضد روسيا في الامم المتحدة وقرارها باجراء استفتاء لضم الأقاليم الاربعة الاوكرانية حسب واشنطن والاتحاد الاوروبي، وفي التفاصيل، انه ومنذ ١٠ أيام زار سفراء الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا والمانيا وعدد من الدول الاوروبية وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب وحاولوا الاستفسار عن الموقف اللبناني من التصويت في الامم المتحدة حول مشروع القرار بادانة الاستفتاء الروسي، ولم يجدوا الجواب الشافي عند أبو حبيب مؤكدا لهم ان القرار بحاجة لمشاورات بين الرؤساء الثلاثة مشيرا إلى ان موقفه الشخصي ضد القرار الروسي، وطرح بو حبيب الموضوع مع الرؤساء فلم يجد الجواب الشافي و تريثوا في الرد، ومنذ ٤ أيام عاد السفراء الى الخارجية ونقلوا موقفا حازما من بلادهم حمل نوعا من التهديد والانذار باتخاذ المزيد من قرارات العزل ضد لبنان اذا لم يصوت ضد روسيا والالتزام بالاجماع الدولي، وتريث بو حبيب باعطاء الموقف النهائي مجددا بانتظار الرد الذي لم يأت بعد، ثم عاد السفراء وتواصلوا مع بو حبيب صباح امس الاول فأتصل الأخير بالرئيسين عون وميقاتي وتم التوافق على عقد اجتماع في القصر الجمهوري ونقل وزير الخارجية الاجواء الدولية، و اتخذ القرار بالتصويت ضد روسيا من دون النظر الى مصالح لبنان والدخول في خلافات مع موسكو، وكان يمكن الامتناع عن التصويت كالعديد من الدول وتجنب لعبة المحاور والنأي بالنفس عن صراعات لا أحد يعرف كيف ستكون نتائجها وتداعياتها على المنطقة والعالم. وقد وضع ميقاتي السفير الروسي في حيثيات القرار اللبناني وضرورة تفهم موقفة، وعدم القدرة على مواجهة الدول الكبرى مع الحرص على أفضل العلاقات مع روسيا.