مرت ذكرى 17 تشرين «باردة» ودون «روح»، بعد 3 سنوات «ماتت الثورة» ولم تجد من يرثيها، تحرك رمزي خجول في الشارع، وكأن لا ثورة ولا ثوار ولا من يحزنون، والنتيجة ان اللبنانيين يقبعون في قعر «جهنم».
في هذا الوقت وبعد ساعات على اعلانها «النفير» العام دفاعا عن اتفاق الطائف، اجهضت سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت عشاء السفارة السويسرية بشبهة التآمر على وثيقة الوفاق الوطني اللبناني. حملة اعلامية مبرمجة، بيان تهديد من العشائر العرب للنائب «التغييري» ابراهيم منيمنة، سبقه انسحاب غير مفاجئ لـ «القوات اللبنانية»، وتلاه تحرك «ماراثوني» من السفير السعودي الوليد البخاري بين بعبدا وعين التينة امس، لتعلن بعدها السفارة السويسرية تأجيل العشاء «غير الرسمي» الذي كان من المفترض أن يُقام اليوم الثلاثاء في منزل السفيرة السويسرية ماريون ويشلت إلى موعدٍ لاحق.
في هذا الوقت وبالتوازي مع تجاوز الدولار عتبة الـ 40 الفا، وتحليق اسعار المحروقات، اعاد «الوسيط» الحكومي اللواء عباس ابراهيم تشغيل محركاته في محاولة اخيرة لاستيلاد الحكومة في «الربع الساعة» الاخير قبل انتهاء الولاية الرئاسية، بدعم من خلف «الستار» من حزب الله الذي يعمل على تقريب وجهات النظر بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي لا يبدو مستعجلا على حسم الامور، مستفيدا من عامل الوقت الضاغط على العهد وفريقه السياسي.
رئاسيا تبدو «الحركة دون بركة» حتى الآن قبيل الجلسة الثالثة المقبلة. وفي هذا السياق، يبدو حراك تكتل «لبنان القوي» على القوى السياسية شكليا حتى الآن، في ظل «النوايا» المبيتة بينه وبين خصومه في السياسة التي لا يمكن اخفاؤها بتصريحات عامة حول ضرورة الحوار للوصول الى اتفاق على رئيس «توافقي». وما تحقق بالامس مجرد «كسر جليد» شكلي بين عين التينة وميرنا الشالوحي!
«اجهاض» العشاء
فبعد ساعات من الجدل حيال الدعوة السويسرية، ووسط حديث عن التحضير لمؤتمر في جنيف الشهر المقبل، اعلنت السفارة تأجيل العشاء الى اجل «غير مسمى»، مع ترجيح الغائه نهائيا، وقالت في بيان أنّ سويسرا «تعمل بنشاط في لبنان منذ سنوات عدة، بما في ذلك في مجال منع نشوب النزاعات وتعزيز السلام. وخلال الشهرين الماضيين، وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الإنساني التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، تواصلت سويسرا مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية للتحضير لمناقشات تشاورية وليس لمؤتمر حوار. ولفتت إلى أنّ من التقاليد السويسرية بذل مساع حميدة عندما يُطلب منها ذلك، وهذه المناقشات المزمع عقدها، تأتي نتيجة مشاورات سابقة مع جميع الأطياف السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية، في ظلّ احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني. وأشارت إلى أنّ العشاء «يهدف إلى تعزيز تبادل الأفكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية، وأنّ الأسماء المتداولة في وسائل الإعلام لا تتضمّن أسماء المدعوّين فعلياً».
الرياض كانت «تعلم»؟
وفيما اكدت اوساط ديبلوماسية ان الرياض كانت في اجواء هذا الحراك السويسري قبل اكثر من شهر، وانقلابها عليه كان مستغربا وغير مبرر بعدما قدمت سويسرا كامل التوضيحات، وعلم ان ابرز المدعوين إلى هذا العشاء هم: النائب وائل أبو فاعور عن الحزب «التقدمي الاشتراكي»، النائب ملحم رياشي عن «القوات اللبنانية»، النائب علي فياض عن حزب الله، النائب آلان عون عن «التيار الوطني الحر»، النائب إبراهيم منيمنة عن «تكتل التغيير»، ومستشار الرئيس نبيه بري علي حمدان عن «حركة أمل»، والوزيرة السابقة ريا الحسن، فيما لم تتم دعوة ممثل عن حزب «الكتائب».
وبعد ساعات على تغريدة للسفير السعودي في لبنان وليد بخاري يحذر فيها استبدال اتفاق الطائف بكيانات لا تُشبه لبنان الرسالة، قام بزيارتين الى قصر بعبدا حيث التقى رئيس الجمهورية ميشال عون، وإلى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأوضحت رئاسة الجمهورية، في بيان، أنّ الرئيس عون بحث مع بخاري «العلاقات اللبنانية- السعودية وسبل تطويرها في المجالات كافة، والدعم الذي تقدّمه المملكة للبنان لا سيّما على الصعيدين الاجتماعي والإنساني، وتطرّق البحث إلى الأوضاع العامة والتطوّرات الأخيرة». وأشارت إلى أنّ «بخاري جدّد التأكيد على حرص المملكة على وحدة لبنان وشعبه وعمقه العربي انطلاقاً من المبادئ الوطنية الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف الذي شكّل قاعدة أساسية حمت لبنان وأمّنت الاستقرار فيه»، كما أكد على «أهمية إنجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها».
اسباب الهلع؟
ووفقا لزوار السفارة السعودية، جاء التحرك السعودي الرافض على خلفية التوقيت والمضمون، ولفتت الى ان البخاري يتحدث عن توقيت غير بريء لانه يناقش امورا اساسية ويدخل الفرقاء اللبنانيين بمناقشات تهدد السلم الاهلي، بينما التركيز الآن يجب ان يكون على احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية، وهو ابلغ الرئيسين عون وبري «بهواجس» المملكة. وكان لافتا ان «التعليمة» السعودية الموحدة للمعتذرين والمنتقدين ركزت على رفض المؤتمر التأسيسي وعادت «نغمة المثالثة» الى الواجهة من جديد. وقد برر رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب «القوات» الوزير السابق ريشار قيومجيان، اعتذار حزبه عن حضور العشاء قبل الغائه بالقول «أن الدعوة كانت موجهة من منظمة «هيومن دايلوغ» وليس عن طريق السفارة، بهدف تبادل الآراء حول الاوضاع العامة في لبنان، إلا أنها اخذت منحى حوار بين المكونات اللبنانية ومقدمة لمؤتمر حوار في سويسرا، وموضوعه البحث عن طائف جديد»، واضاف نحن «كحزب قوات لبنانية لسنا في هذا الوارد»..
وفي دلالة على «خرق» الرياض لتكتل «التغيير» خرج النائب وضاح الصادق عن طوره احتجاجا على دعوة النائب منيمنة الى العشاء، وهدد بفرط تحالف النواب الـ 13، رافضا اي كلام عن مؤتمر تأسيسي في هذه الظروف.!
حركة «بلا بركة» رئاسياً
رئاسيا، لا جديد عمليا يمكن ان يوصل الى انتخاب رئيس جديد قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ووفقا لمصادر مطلعة فان كل الاطراف السياسية باتت تسلم بهذا الامر، وتعدّ العدّة لجولة «كباش» قاسية بعد الفراغ الرئاسي. وفي الوقت المستقطع، وفيما رفضت «القوات» الحوار رئاسيا مع «التيار الوطني الحر»، كسر تكتل لبنان القوي «جليد» العلاقة مع الرئيس نبيه بري دون «اوهام» كبيرة، «بردم الهوة» بين الطرفين، حيث لا تزال الاختلافات كبيرة، حيث زار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل على رأس وفد عين التينة امس، في اطار الجولة على الأطراف السياسية في لبنان لعرض «ورقة الأولويات الرئاسية»، وسلّم برّي «ورقة الأولويات».
بري يتعهد بالدعوة «للحوار»
ووفقا للمعلومات، فان بري وعد ببذل كل جهد لعدم وقوع الفراغ، وقال انه سيدعو لجلسات متتالية، كما تعهد بالدعوة الى حوار جامع للتوافق على اسم رئيس للجمهورية اذا وقع الفراغ. وأعلن باسيل بعد اللقاء أنّه لمس لدى بري كلّ التفهّم والاستعداد والإيجابية للقيام بالحوار، وأشار إلى أنّ أنّ الرغبة في الحوار موجودة ليس فقط على البرامج، بل على الأسماء أيضاً. أضاف باسيل أنّ «نظامنا يحتّم علينا التوافق بالحدّ الأدنى لانتخاب رئيسٍ للجمهورية»، معتبراً أنّ «الحريص على عدم الدخول في الفراغ يجب أن يتكلّم مع الآخرين». ورأى أنّ «من الطبيعي أن يكون هناك تواصل، وإلا كيف سننتخب رئيس جمهورية إن لم نتواصل مع بعضنا»؟ مضيفاً: «إنّنا نسعى للاتفاق على آفاق العهد الجديد ونحاول أيضاً التوافق في ما بيننا كقوى سياسية لتجنب الفراغ».
حمادة مشغول «بارامكو»!
وقبل عين التينة، زار التكتل ممثلاً بالنواب سامر التوم، سيزار أبي خليل وغسان عطالله، كليمونصو حيث التقى رئيس كتلة «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط والنائبين مروان حمادة وهادي أبو الحسن، وبحسب مصادر مطلعة فان النقاش لم يدخل بالأسماء الرئاسية، وتمت نقاش الخلافات حول اكثر من ملف ومنها «وحدة» السلاح بيد الجيش، وقدم الوفد شروحات مستفيضة لنواب «الاشتراكي» حول العقبات التي حالت دون نجاح خطط الكهرباء. وكان لافتا سؤال النائب حمادة عن عدم ادانة «التيار» قصف ارامكو السعودية من قبل الحوثيين، فكان الجواب انه «التزام بقرار الحكومة بالنأي بالنفس».! وبعد اللقاء، أعلن أبي خليل أنّه «كان هناك تلاقٍ على بعض النقاط، وكان هناك نقاش في نقاط أخرى واتفقنا على استكمال النقاش في جلسات لاحقة»، مشدّداً على أنّ»رئيس الجمهورية يبقى شريكاً أساسياً لتشكيل الحكومة». من جهته، أعلن أبو الحسن «أنّ اللقاء كان صريحاً وسيتم استكمال النقاش مع الكتل كافة رغم الاختلافات الموجودة من أجل خلاص لبنان».
من هو مرشح حزب الله؟
كما زار النائب آلان عون كتلة الوفاء للمقاومة، وعلم في هذا السياق، ان حزب الله لا يمانع انتخاب اي رئيس شرط ان لا يكون معاديا للمقاومة. وقال عون بعد اللقاء «أن كل فريق لديه قناعاته وتصوره لرئيس الجمهورية، ولكن المصلحة برئيس توافقي»، مشيراً إلى أن العنوان الأساسي في هذه المرحلة التوفيق وليس الدخول في معارك وتحديات ولمسنا واقعية في تعاطي حزب الله مع الموضوع الرئاسيّ» .وأضاف: «نتعاطى مع الإستحقاق الرئاسي بواقعيّة، ونعمل على دعم المرشحين لتسهيل ونجاح عملية الانتخاب».
محاولة «الفرصة الاخيرة»
حكوميا، يحاول «الوسيط» الحكومي المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم محاولته الاخيرة لإيجاد ثغرة لاستيلاد الحكومة قبل نهاية العهد. وفي هذا السياق، زار رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي وكذلك النائب طلال ارسلان، فيما تواصل ميقاتي مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وعلم ان اللواء ابراهيم يحاول اولا فك عقدة الوزير الدرزي قبل الانطلاق في اتصالاته لتفكيك فكفكة العقد الأخرى، وستكون الساعات المقبلة حاسمة في هذا الاطار، فالوقت بات ضيقا جدا لان الأيام العشرة الأخيرة من انتهاء ولاية الرئيس عون تدخل المجلس النيابي في حال انعقاد دائم إلى حين انتخاب الرئيس، ولا يحق له في خلال هذه المهلة القيام بأي عمل آخر بعد تحوّله الى هيئة ناخبة بدءاً من الجلسة المقررة الخميس المقبل.
ولفتت اوساط مطلعة الى ان هذا التحرك لا يواكب من اي جهة خارجية وهو امر مستغرب، وكان لافتا ان وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لم تركّز على مسألة ضرورة تشكيل حكومة كاملة الأوصاف خلال زيارتها لبيروت قبل ايام، وهي تعتبر ان الاولوية هي لاختيار رئيس جمهورية جديد ضمن المهلة الدستورية، وربطت تشكيل الحكومة الجديدة بانتخاب الرئيس.!
حرب او اتفاق؟
في هذا الوقت، تحدثت وسائل إعلام «اسرائيلية» عن توجه للمصادقة على اتفاق «الترسيم» البحري في 28 الجاري اي قبل انتخابات «الكنيست» بأيام، حيث سيدعو يائير لبيد الحكومة «الإسرائيلية» للاجتماع والمصادقة على الاتفاق. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر وزاري بارز تأكيده انه «منذ زمن طويل لم يكن هناك تطابق مثلما حصل إزاء الاتفاق مع لبنان، شمل آراء رئيس الأركان ورئيس هيئة الأمن القومي ورئيس «الموساد» ورئيس «الشاباك»، بل حتى الذين لم تعجبهم التنازلات الإضافية لرئيس الحكومة يائير لابيد، وكذلك من يعتقد أنه كان بالإمكان تحقيق اتفاق أفضل بقليل، لم يخطر على باله التصويت ضد الاتفاق، وخصوصاً بعدما اطلع على المواد الاستخبارية، التي عرضتها الأجهزة الأمنية على الوزراء ضمن خيارَين: الحرب أو الاتفاق.
وكشف ان الأجهزة الأمنية وضعت وزراء الحكومة أمام خيارين: حرب في مواجهة حزب الله أو اتفاق مع أثمان اقتصادية. وهي نفس المعادلة التي ستوضع أمام المحكمة العليا التي ستنظر في الامر من زاوية تهديدات حزب الله التي يعرف الجميع انها جدية. ولهذا لا تتوقع المصادر الاعلامية «الاسرائيلية» ان تشذ المحكمة عن قرارات وزراء الحكومة، وستبرر قرارها بالمصلحة الامنية العليا. فيما تضغط واشنطن بقوة كي لا تحصل اي مفاجأة في «الربع الساعة الاخير»، وقد اجرت اتصالات عالية المستوى لإقفال اي اجتهادات قانونية يمكن ان تعيق تأخير او تنفيذ الاتفاق.
اقرار «اسرائيلي» : لا تطبيع
وفي هذا السياق، اقرت صحيفة «يديعوت احرنوت» بان اقرار اتفاق الغاز غير المباشر مع لبنان بوساطة أميركية «لم يذكر في متنه اي اشارة توحي بان الامور ممكن ان تتطور الى التطلع إلى السلام اوالتطبيع بين الدولتين». ولفتت الى دور حزب الله الكبير في الدفع نحو اتمام الاتفاق، وقالت: ان حقل «كاريش» يوجد بكامله في منطقة المياه الاقتصادية لـ «إسرائيل» منطقة في المياه الدولية توجد فيها للدولة حصرية على المقدرات الطبيعية، وهي حقيقة معترف بها في الأمم المتحدة، ولكنها مرفوضة فقط من قبل حزب الله. وقالت: ان الإنتاج من الحقل لم يبدأ بعد، لأن حزب الله هدد ونحن «فزعنا».. وخلصت الصحيفة الى القول: «بعد نحو أسبوعين من الاتصالات وصلنا لتسوية الحدود البحرية بين الدولتين، غياب اي ذكر للتطبيع يجعل الاتفاق تنازلاً «اسرائيلياً» سياسياً – إلى جانب التنازل الجغرافي الاقتصادي – وهو يضعف مصالحنا الوطنية الحيوية. إذا لم نكن نطالب بالسلام، بل ولا نصر حتى على ذكره، فإنه لن يأتي»، حسب تعبير الصحيفة.