13 يوماً من يوم غد تفصل البلاد عن نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، تبدو مقبلة على ترسيخ المعطيات والوقائع التي تثبت ان لبنان ينزلق نحو تجربة جديدة من الشغور الرئاسي بكل ما قد تستبطنه وتحمله من مزيد من السلبيات والاخطار والانهيارات. مرت البارحة الذكرى الثالثة لانتفاضة 17 تشرين الأول 2019 وسط رمزيات مفعمة بالقتامة التامة ليس اقلها ان الانتفاضة التي كان مفجرها المباشر على الأقل زيادة ستة سنتات على المكالمات الخليوية، قفز الدولار في نهاية عامها الثالث سقف الـ 40 الف ليرة، ولا يرف جفن سلطة سياسية او نيابية او مالية او مصرفية، ولا يتحرك الناس في الشارع الا في تظاهرة رمزية متواضعة الحجم سارت من ساحة الشهداء الى ساحة النجمة.
وسط العد العكسي لنهاية العهد العوني وللشغور شبه الحتمي الذي سيخلفه، يعيد مجلس النواب اليوم انتخاب لجانه بما يذكر بتوزع القوى والكتل فيه على نحو عجز معه تحالف من هنا عن إيصال مرشحه الى بعبدا، او تحالف من هناك عن الاتفاق على مرشح. وجلسة انتخاب اللجان التي يفترض ان تليها جلسة تشريعية يفترض ان تكون الأخيرة خارج الاطار الانتخابي اذ ستعقد الجلسة الثالثة لانتخاب رئيس الجمهورية بعد غد الخميس في العشرين من الحالي إيذانا ببدء مهلة الأيام العشرة الحاسمة الأخيرة من المهلة الدستورية والتي يتحول فيها المجلس هيئة انتخابية دائمة حكما.
وفي جلسة اليوم، والذي يفترض ان يقر فيها قانون السرية المصرفية، علمت “النهار” ان مشروع القانون ظل حتى ساعة متقدمة من الليل مثار اخذ ورد، اذ تراجع فريق صندوق النقد الدولي عن القبول بتعديلات كانت ادخلتها عليه لجنة المال والموازنة برفضها اعطاء الادارة الضريبية صلاحية رفع السرية عن الحسابات المصرفية، ما يعرض الخصوصية للاستباحة من موظفين اداريين دون الرجوع الى القضاء، ويجعل المودعين الكبار يهربون حساباتهم الى الخارج، ولا يشجع اي مودع على التعامل مع المصارف اللبنانية مما يشكل ضربة اضافية للقطاع المصرفي. وتردد ليلا ان صندوق النقد ابلغ الجهات المعنية في لبنان عدم موافقته على التعديلات، وبالتالي باتت النسخة النهائية من المشروع بحاجة الى تعديلات اضافية غير مضمونة في الجلسة التشريعية اليوم، خصوصا ان حركة الاتصالات استمرت حتى الليل، ولم تطلع عليها الكتل النيابية.
من جهة ثانية، توقعت أوساط سياسية ونيابية بارزة ان تشهد الساحة السياسية في الآتي من الأيام حركة كثيفة بكل الطابع الاستثنائي الذي تستلزمه محاولات ما يسمى الفرصة الأخيرة المتاحة للحؤول دون وقوع لبنان في محظور الشغور الرئاسي اذ يخشى ان تجاربه السابقة في الفراغ لن تقاس تداعياتها ونتائجها السلبية بالمقارنة مع التجربة الجديدة اذا حصل الشغور، لان لبنان لم يكن ولا مرة سابقا في واقع انهياري كالذي يعيشه راهنا، والذي سيتفاقم على نحو شديد متى صار الفراغ عنوان المرحلة الجديدة التي ستقبل عليها البلاد. وكشفت الأوساط نفسها ان المهلة الأخيرة الفاصلة عن 31 تشرين الأول ستشهد كذلك ما يمكن ان يشكل المحاولة الأخيرة أيضا لبت الملف الحكومي علّ الانفراج على هذا المحور يخفف التوتر السياسي الذي يخشى ان يرافق نهاية الولاية الرئاسية ويتسبب بمزيد من التعقيدات والترددات السلبية. ويبدو ان الحركة التي يقوم بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم تنطلق من هذا الواقع مع عدم تكبير الرهانات على هذا التحرك قبل اتضاح ما اذا كانت ملامح مرونة طرأت على خط بعبدا – السرايا.
بخاري والطائف
واستوقفت في هذا السياق تحركات السفير السعودي وليد بخاري التي بدت بمثابة إعادة تشديد على التزام اتفاق الطائف وسط لحظة الاحتدام التي يجتازها لبنان واستحقاقاته. وغداة تغريدته عن ضرورة الحفاظ على الطائف زار السفير بخاري امس بعبدا وعين التينة. وذكر ان رئيس الجمهورية ميشال عون عرض مع بخاري، العلاقات اللبنانية – السعودية وسبل تطويرها في كل المجالات، والدعم الذي تقدمه المملكة للبنان، لا سيما على الصعيدين الاجتماعي والانساني. وتطرق البحث الى الاوضاع العامة والتطورات الاخيرة. وجدد السفير بخاري “تأكيد حرص المملكة على وحدة لبنان وشعبه وعمقه العربي، انطلاقا من المبادئ الوطنية الميثاقية التي وردت في اتفاق الطائف الذي شكل قاعدة اساسية حمت لبنان وامّنت الاستقرار فيه”، وشدد على “اهمية انجاز الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها”. ولفت بخاري الى ان الرئيس عون “اكد حرصه على تفعيل العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين”. وبعدها، زار السفير السعودي عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري.
يشار في هذا السياق الى موقف بارز للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز من لبنان شدد فيه على “ضرورة تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة في لبنان تقود إلى تجاوز أزمته”. وأضاف في الخطاب الملكي السنوي لأعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى أن “على لبنان بسط سلطة حكومته على جميع الأراضي اللبنانية لضبط أمنه والتصدي لعمليات تهريب المخدرات والأنشطة الإرهابية التي تنطلق منها مهددة لأمن المنطقة واستقرارها”.
“عشاء السفارة”
وفي جانب آخر من المشهد الداخلي الاخذ في السخونة وضعت السفارة السويسرية في لبنان وسوريا حدا لعاصفة “عشاء السفارة” اذ اصدرت بياناً اوضحت فيه انه “خلال الشهرين الماضيين، وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الانساني التي تتخذ سويسرا مقراً لها، تواصلت سويسرا مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية للتحضير لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار”. وأضافت “من التقاليد السويسرية بذل مساع حميدة عندما يطلب منها ذلك، تأتي هذه المناقشات المزمع عقدها نتيجة مشاورات سابقة مع جميع الاطياف السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية، في ظل احترام تام لاتفاق الطائف والدستور اللبناني”. وأشارت السفارة إلى أن “العشاء غير الرسمي الذي كان من المفترض أن يُقام هذا الثلثاء (اليوم) في منزل السفيرة السويسرية، يهدفُ إلى تعزيز تبادل الافكار بين مختلف الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية”، وان “الاسماء المتداولة في وسائل الاعلام لا تشمل أسماء المدعوين فعلياً، مع هذا، فقد جرى تأجيل العشاء إلى موعدٍ لاحق”.
الى ذلك، وعشية جلسة الانتخاب المحددة الخميس المقبل، زار رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مع وفد من “تكتل لبنان القوي”، رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة في حضور نواب من “كتلة التنمية والتحرير”. وسلم باسيل الرئيس بري ورقة “التيار الوطني الحر” للأولويات الرئاسية. واعلن انه “من غير الممكن ان نتفق على إنتخاب رئيس للجمهورية في ظل عدم التوافق لا على الثلثين ولا النصف مع أي مجموعة نيابية فمن الضروري ان نتكلم مع بعض ولا اعتقد ان أحدا يتوهم انه من الممكن ان نصل الى نتيجة ونتجنب الفراغ من دون الحوار”. وقال “انا سعيد اننا وجدنا لدى الرئيس بري كل التفهم والاستعداد والايجابية اللازمة للقيام بهذا الحوار. وأعتقد ان لديه دورا في هذا المجال. فالرغبة في التحاور موجودة ليس فقط على المرحلة انما ايضا على الاسماء”. وسأل “كيف بدنا ننتخب رئيس للجمهورية وما منحكي مع بعضنا ؟. هذا لا يلغي الخلافات السياسية وكل واحد عنده موقفه، نحن محكومون، في ظل نظامنا بالتوافق اذا لم يكن هناك إجماع انما بتوافق حد ادنى يؤمن الثلثين ويؤمن النصاب وال 65 صوتا. هذا ممر الزامي ومن كان حريصا على عدم دخول البلد في هذا الوضع الصعب والاستثنائي ولانه إستثنائي قدمنا التنازل الأكبر”. وزار وفد من “التكتل” ايضا “اللقاء الديموقراطي”، عارضا ورقته الرئاسية. وأوضح عضو اللقاء النائب هادي ابو الحسن “لا يمكن ان يستمر لبنان من دون الحوار واهمية ما بحثنا به هي اهمية اتفاق الطائف وتثبيته”. اما عضو لبنان القوي النائب سيزار ابي خليل فقال: كان هناك تلاق على بعض النقاط واتفقنا على استكمال النقاش في جلسات لاحقة. كما التقى وفد من التكتّل كتلة “الوفاء للمقاومة” وسلمها ورقة الأولويات الرئاسية.
وفي السياق الرئاسي ايضا، أعلن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي أن “خيار الرئيس قرار جماعي والتعاون بين جميع الأطراف ضروري ولكن ليس على حساب السيادة وهو مسؤولية إيجابية مشتركة ينبغي ألاّ تبلغ حدّ الفيتو والتعطيل”. وكان الراعي وصل الى القاهرة اول من امس، ملبيا دعوة جامعة الدول العربية، للمشاركة في مؤتمر “التسامح والسلام والتنمية المستدامة في الوطن العربي”.