لم يكن من المنتظر ان تكون الجلسة الثالثة ثابتة رئاسيا، «المسرحية الهزلية» انتهت بمشهد الانقسامات ضمن الفريق الواحد التي لا تزال على حالها، المعارضة مشرذمة، ولا تجد سبيلا للتفاهم على مرشح واحد، فيما تعكس الورقة البيضاء فشل الوساطات في المعسكر الآخر للتوحد حول اسم قابل للتسويق او حتى المناورة، في ظل رفض قاطع من رئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مع العلم انه لا توجد اتصالات ثنائية بين الجانبين، وقد بات واضحا ان كل الاطراف تنتظر بدء «الفراغ» الرئاسي «لتبني على الشيء مقتضاه» مع دخول متسابقين جدد على «الحلبة»، كما ينتظرون تطورات خارجية سيكون لها انعكاس مباشر ومؤثر في العملية الانتخابية وتحديد هوية الرئيس العتيد، خصوصا ان العلاقات السعودية الايرانية تشهد «هبة باردة واخرى ساخنة» ولم تصل بعد الى خواتيمها السعيدة. في هذا الوقت، صدرت الدفعة الاولى من طعون المجلس الدستوري دون أي مفاجآت مع رد خمسة طعون نيابية، فيما تدور الاتصالات الحكومية في «حلقة مفرغة» وسط تبادل للاتهامات بين الرئيس المكلف وفريق رئيس الجمهورية السياسي «بتعطيل» فرص التسوية التي يمكن ان تتحقق بصعوبة قبل نهاية الجاري، في ظل «لعبة» «عض الاصابع» بين ميقاتي وباسيل. وبانتظار وصول «الوسيط» الاميركي عاموس هوكشتاين الى بيروت الاسبوع المقبل حاملا الوثيقة النهائية للاتفاق الذي سيجري التوقيع عليها قبل نهاية الجاري، اعلنت «اسرائيل» عشية الانتخابات التشريعية عن مناورة عسكرية على الحدود الشمالية مع لبنان لاختبار جهوزية المنظومة العسكرية، وخصوصا منظومة «القبة الحديدية» في ظل ارتفاع منسوب القلق الاسرائيلي بعد اثبات منظومة الطائرات الايرانية المسيرة نجاحها في الحرب الاوكرانية، وهي تعد جزءا بسيطا من المنظومة الهجومية التي يمتلكها حزب الله. في المقابل استنفرت المقاومة مختلف قطاعاتها العملانية على الارض استعدادا لاي مفاجآت غير محسوبة، وذلك على الرغم من انخفاض منسوب احتمالات التصعيد.
جلسة «فولكلورية» جديدة
رئاسيا، تكررت المسرحية الهزلية مرة جديدة في ساحة النجمة، وفي غياب واضح للمسؤولية الوطنية عند نواب يتبادلون «التعليقات «السخيفة على «الهواء» في بلد منهار ويواصل رحلته الى قعر «جهنم»، طارت الجلسة في سيناريو بات مملا ومعيبا، وقد حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري، موعداً جديداً لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية يوم الاثنين المقبل في 24 تشرين الأول ، الساعة الحادية عشرة من قبل الظهر، وذلك بعد فقدان النصاب في الدورة الثانية امس بعد انسحاب نواب «كتلة الوفاء للمقاومة» «وتكتل لبنان القوي» «والتنمية والتحرير»، وانعقدت الدورة الأولى في حضور 119 نائباً داخل القاعة العامة، وجاءت نتيجة فرز الأصوات على الشكل الآتي: 55 ورقة بيضاء، 42 ميشال معوّض، بتقدم 6 اصوات عن الجلسة الماضية، 17 لبنان الجديد، 1 ميلاد أبو ملهب، و4 ملغاة، وتعليقاً على عدم حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، الجلسة، قال بري إنّ «رئيس الحكومة ليس نائبًا، ومن غير الضّروري أن يحضر جلسة انتخاب الرّئيس»، مضيفًا: «قولوا بدنا ننتخب رئيس، لجيب أكتر من رئيس حكومة…
انقسام المعارضة
وعقب الجلسة، وفيما اكد رئيس حزب الكتائب سامي الجميل استمرار الجهود لتوحيد المعارضة، انتقد عضو تكتل «اللقاء الديموقراطي«، النائب هادي أبو الحسن، واقع المعارضة المنقسم في ظل انتقادات واضحة «للتغييريين» وكتلة السنة المحسوبين على «المستقبل» وقال إنّ «هناك مجموعة تمعن في منع الوصول إلى صوت وازن للمعارضة وهذا شيء غير صحي وغير مفيد وهذا يتلاقى مع إرادة التعطيل»، ودعا زملاءه في المعارضة إلى «التلاقي على مرشح واحد فالسياسة لا تُدار بالإرباك ولا بقلة الخبرة ولا بالنكد السياسي»، مشيراً إلى أنّه «عندما زارنا مجموعة النواب الـ 13 تلاقينا على النقاط الأساسية وطلبنا منهم أن نذهب إلى الأسماء لكن لديهم تخبط وضياع في الأسماء. وفي السياق نفسه، انتقد عضو كتلة «الجمهورية القوية»، النائب جورج عدوان الكتلة «التغييرية»، ولفت الى إن الأمور باتت واضحة، فقد تبيّن اليوم أنّ هناك 56 نائباً لا يمكنهم الاتفاق على مرشّح لخوض الانتخاب من خلاله ولا جرأة لديهم للذهاب نحو دورة ثانية، مضيفاً: «نال المرشح ميشال معوّض 44 صوتاً، ، وهذا يعني أنّه استطاع بين دورة وأخرى إقناع نواب جدد للانضمام إلى معركة السيادة والإصلاح». وتوجّه إلى «التغييريين» بالقول: «عليكم يوم الاثنين أن تحسموا أمركم وكثرة الاجتماعات والأسماء الجديدة لن توصل إلى مكان». من جهته، اكد النائب ميشال معوض، انه لا ينتظر التسويات والمساومات، وقال «ان الكلام عن حرق اسمي غير صحيح على الرغم من كل الحملات التي أتعرض لها «يوم حرقوني ويوم اشتروني ويوم باعوني»، إلا أنني المرشح الجدي الوحيد وأعلن ترشحي بشكل واضح وكتلتي لا تخجل بترشحي».
مواصفات حزب الله الرئاسية
من جهته، رأى عضو تكتل «الوفاء للمقاومة«، النائب علي فياض، أنّ «ما حصل أمر طبيعي فالمطلوب أن يتمّ تزخيم اللقاءات من أجل التوافق على رئيس للجمهورية، معتبراً أنّ التوافق على رئيس لا يعني الإجماع ولكن تأمين الأغلبية مع النصاب. وفيما دعا النائب حسن فضل الله الكتل النيابية التي تصر على ترشيح رئيس تحد الى عدم تضييع الوقت والتوجه الى الحوار للوصول الى توافق على اسم رئيس، كان عضو المجلس المركزي في حزب الله، الشيخ نبيل قاووق، اكثر وضوحا بتاكيده أنّ ما يحصل في جلسات انتخاب رئيس للجمهورية يثبت أن تدخلات السفارتين الأميركية والسعودية عطّلت وتعطّل انتخاب الرئيس في المهل الدستورية «لأنّهما وأتباعهما يريدون فرض مرشّح رئاسي للتحدّي والمواجهة وجرّ البلد للصدام، والكل بات يعلم أن السفارتين قد وضعتا انتخاب الرئيس على المسار الأصعب والأبعد. وحدد مواصفات الرئيس المقبولة لدى الحزب بالقول نريد انتخاب رئيس للجمهورية لا يكون موظفًا عند السفارات، ولا يعاني من عقدة نقص في استرضاء أيّ سفارة من السفارات».
جنبلاط – القوات: الخلاف على الحوار؟
وفي السياق نفسه استقبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط النائب ملحم الرياشي موفداً من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بحضور النواب أكرم شهيب ووائل أبو فاعور وراجي السعد والنقاش تركز على ملف الانتخابات الرئاسية، ووفقا لمصادر مطلعة فان جنبلاط كان واضحا انه لن يستمر في دعم ترشيح معوض الى ما نهاية، لانه مقتنع ان رئيس «التحدي» لن يمر على الرغم من ارتفاع نسبة الاصوات المؤيدة له. ويجب الاستعداد للمرحلة الثانية بعد الشغور الرئاسي، لان تلك المرحلة تحتاج الى مقاربة جديدة براي جنبلاط الذي ابلغ رياشي انه سيستجيب لدعوة الرئيس بري للتشاور والحوار حول رئيس توافقي عندما يدعو الى ذلك، وهو امر ترفضه القوات اللبنانية.
التعثر الحكومي ؟
وفي ظل انسداد الأفق أمام انتخاب رئيس للجمهورية، لا تزال الاجواء «ملبدة» امام فكرة تعويم الحكومة الحالية، وبعد الاتفاق مبدئيا على فكرة تغيير وزراء بتوازن مسيحي اسلامي 3 وزراء مقابل 3 وزراء، تقدمت العقدة المستجدة التي تبقى دون حل والمرتبطة برفض رئيس الحكومة المكلف قرار الوزير جبران باسيل عدم منح الحكومة الثقة في المجلس النيابي. ووفقا لمصادر مطلعة على الاتصالات التي يقودها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم برعاية مباشرة من حزب الله، فان ما يجري «نكايات» بين ميقاتي وباسيل في ظل رهان الرجلين على «ربع الساعة» الاخير قبل خروج الرئيس عون من بعبدا حيث يامل الطرفان بتحسين شروطهما.
مناورات وتبادل الاتهامات
فالمناورات لا تزال على حالها بين الطرفين دون تحقيق نتائج ملموسة حتى ساعات متقدمة من مساء امس، ولا يزال ميقاتي يرفض تفرد عون وباسيل بتغيير كل الوزراء المسيحيين من حصة الرئيس، دون موافقته المسبقة، علما انه لا يشترط على الرئيس بري التشاور معه قبل تعيين الاسم البديل عن وزير المال الحالي، كما تقول اوساط «التيار» التي اكدت ان الكثير من الخيارات موضوعة على «الطاولة» للتعامل مع فترة الشغور، ومنها قبول الرئيس عون لاستقالتها رسميا قبل مغادرة بعبدا، وسيلي ذلك مغادرة الوزراء المسيحيين الحكومة المستقيلة مع كل ما يعنيه هذا من غياب الميثاقية الطائفية عن الحكومة، التي تعد فاقدة أي شرعية لتسلم صلاحيات الرئيس.»وعندئذ ليتحمل المعطلون المسؤولية». علما ان اوساط «التيار» تتهم الرئيس بري وميقاتي بتضييع الوقت حتى اللحظات الاخيرة لمحاولة حشر الرئيس في «الزاوية». ولفتت الى ان الرئيس لن يقبل تغيير وزير الطاقة الحالي وليد فياض،ولا يقبل اي «فيتو» من ميقاتي الا اذا قبل «الفيتو» المقابل على الوزراء المطروحين من قبله. في المقابل تتهم اوساط رئيس الحكومة باسيل بتعطيل المفاوضات عبر استيلاد الشروط التي لا تنتهي، وتساءلت « لماذا يفاوض في عملية تشكيل الحكومة ويحاول فرض شروطه اذا كان لا يريد منحها الثقة؟
الولادة في 26 الجاري؟
وبحسب اوساط مواكبة للاتصالات، لن تتوقف الجهود وثمة مقترحات جديدة اذا ما تم تسويقها فان الحكومة سترى «النور» بين 26 و27 الحالي، على أن يتم التصويت على منحها الثقة بعد نهاية ولاية الرئيس عون، وهو ما يطمح اليه بري وميقاتي لمنع الرئيس من ترؤس الجلسة الاولى للحكومة كما جرت عليه العادة!
«الدستوري»: لا مفاجآت
في غضون ذلك، لم يسجل المجلس الدستوري المخصّص للبتّ بعدد من الطعون المقدّمة في نتائج الانتخابات النيابية، اي مفاجآت بالامس، وردّ خمسة طعون هي: بول حامض على الياس الخوري (طرابلس)، محمد شفيق محمود على بلال الحشيمي (زحلة)، ابراهيم عازار على سعيد الأسمر وشريف مسعد (جزين)، محفوظ على جميل عبود (طرابلس) «الأمل والوفاء» على فراس حمدان ( حاصبيا مرجعيون)وكان المجلس قد التأم برئاسة رئيسه القاضي طنوس مشلب، وحضور الأعضاء القضاة: عوني رمضان، أكرم بعاصيري، البرت سرحان، رياض أبو غيدا، عمر حمزة، ميشال طرزي، فوزات فرحات،الياس مشرقاني وميراي نجم، على ان تصدر باقي الطعون العشرة تباعا…
مناورات إسرائيلية واستنفار؟
في فلسطين المحتلة، أعلن الجيش الإسرائيلي البدء بمناورة عسكرية لمدة أسبوع في الشمال وسط توترات مع حزب الله، لافتًا الى أن التدريبات ستنتهي الخميس المقبل، واشار الجيش الإسرائيلي إلى أنه من المتوقع سماع دوي انفجارات في المنطقة، وفي محاولة لطمانة المستوطنين افاد البيان ان التدريبات مخطط لها مسبقا، ولا تنبع من تقييم جديد. في المقابل، علمت «الديار» ان مختلف قطاعات المقاومة مستنفرة على الارض وفي كل المراكز المعنية بمراقبة تحركات العدو ، وذلك في اجراء روتيني يحصل مقابل اي مناورة اسرائيلية تجري على الحدود، وذلك تحسبا لأي مفاجأة او تصعيد تبدو احتمالاته منخفضة.
«الهلع» من المسيرات
تاتي هذا التحركات في ظل ارتفاع منسوب القلق الذي وصل الى حدود «الهلع» من مسيرات حزب الله الايرانية الصنع بعدما اثبتت نجاحها في الحرب الاوكرانية بعدما ادخلها الروس الى ساحة المعركة. وبحسب صحيفة «يديعوت احرنوت»، تبدو الاجهزة الامنية والعسكرية الاسرائيلية مهتمة جدا بفك «ألغاز» تلك الطائرات الموجودة بكثافة لدى الحزب في لبنان. ولفتت الى ان القلق لا يرتبط بالكاميرات المركبة على المسيرات من طراز “مهاجر 6” التي حسنت من قدرات الجيش الروسي على جمع المعلومات في ميدان القتال وسمحت له بالعثور على بطاريات المدفعية ومضادات الطائرات، وحركة طوابير المدرعات الأوكرانية الكبرى، وانما مصدر الخطر يكمن في المُسيرات «الانتحارية» من طراز شاهد 136 التي اثبتت فعاليتها وخطورتها في الميدان، خصوصاً اتجاه أهداف مدنية ثابتة أو محمية. فوفقا للمعلومات الاسرائيلية فان هذه الطائرة صغيرة وخفيفة، لكنها محملة بالوقود وبضع عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة المدمرة، وتتجه إلى هدفها حتى مدى ألف كيلومتر فأكثر بواسطة جهاز «جي.بي.إس» ثم تتفجر فيه. وعندما يكون هذا مبنى سكنياً كبيراً أو محطة توليد طاقة يكفي جهاز «جي.بي.اس» يمكن شراؤه بكميات في السوق المدنية لتحقيق النتيجة المرغوب فيها والنتيجة «قتلى وجرحى، لاجئون ينزلون إلى محطات المترو، توقف الكهرباء، ونقص في المياه». وهو سيناريو ممكن ان يحصل في «اسرائيل» في اي حرب محتملة مع حزب الله.
خطورة «شاهد 136»
ووفقا للاستنتاجات الاسرائيلية، فإن مُسيرات «شاهد136» تشكل مشكلة حقيقية في اوكرانيا، ليس فقط لقدرتها على احداث الاضرار المادية، وانما الاضرار المعنوية والنفسية لدى المدنيين بفقدان الثقة بإمكان منع تلك الطائرات من تنفيذ مهامها، خصوصا انه في ميدان المعركة يمكن استخدام شاهد 136 في مهمتين: الأولى، كمسيرة انتحارية محملة ببضع عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة الحساسة التي تتجه للتحطم على هدف معروف مكانه. أما الشكل الثاني فهو “كسلاح جوال” يرسل للتحويم فوق منطقة القتال إلى أن يجد لنفسه دون توجيه من بعد، بل بواسطة «حساس» أو كاميرا لديه هدف معد مسبقاً لتدميره. فعندما تشخص «الحساسات» مثل هذا الهدف تتجه نحوه إلى أن تضربه وتتفجر فيه. وتبقى المشكلة في استخدام أسراب كبيرة من عشرات المسيرات بدلاً من اطلاق اثنتين أو أربع معاً.
القلق من «الكابوس»
ولفتت «يديعوت احرنوت» الى ان اميركا والناتو يعملان بمساعدة «اسرائيل» على تطوير أساليب ناجعة للتصدي لأسراب كبيرة من المسيرات وتحييدها قبل أن تضرب أهدافها، لكن في المقابل يعمل العلماء والخبراء الإيرانيون على تحسين الدقة ويزيدون قدرة مسيراتهم وصواريخهم التدميرية حسب التجارب العملانية في اوكرانيا بل سيتعلمون أيضاً كيف يجعلون مسيراتهم وصواريخهم آمنة أكثر في وجه الوسائل المضادة. واذا كانت اوكرانيا اليوم ميدانا للاختبار يبقى القلق الاسرائيلي من انتقال «الكابوس» الى جبهتها القتالية مع حزب الله.