بزخم لم يشهد له العهد مثيلاً في عزّ أيامه، تفتّق ذهن الرئيس ميشال عون عن كل “الإنجازات المكسورة عليه” على امتداد ستة أعوام فقرر أن ينجزها في ستة أيام، مدفوعاً بـ”أدرينالين” الترسيم البحري مع إٍسرائيل الذي وضع ولايته الرئاسية على “جهاز تنفس اصطناعي” أتاحت من خلاله التقاطعات الإقليمية والدولية ضخّ بعض الأوكسيجين في عروق العهد قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة… لكنّ رئيس الجمهورية وفي آخر سكرات ولايته، أقدم على “دعسة ناقصة” تجاوز فيها خطوط “محور الممانعة” الحمراء، ما استدعى من حليفه الرئيس السوري بشار الأسد توديعه بـ”صفعة ودّية” على الجبين، جعلته يستفيق من نشوته ليتذكّر بأنّ “العين لا تعلو على الحاجب“.
إذ وبينما كان عون يستنفر الجهود والوفود باتجاه دمشق، معلناً انتداب نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب إلى العاصمة السورية غداً لمناقشة ملف الترسيم البحري بين البلدين، سارع الأسد إلى “ترسيم حدود” عون نفسه في التعاطي مع رعاة عهده الإقليميين، فأوعز إلى المسؤولين في السفارة السورية في بيروت لإبلاغ وزارة الخارجية اللبنانية بقرار الاعتذار عن عدم استقبال الوفد الرئاسي العوني “لارتباطات وانشغالات مسبقة”، علماً أنّ مصادر لبنانية نقلت عن مسؤولين سوريين اكتفاءهم لدى استيضاح مراجعيهم عن أسباب قرار إرجاء الزيارة بالقول إنّ هذا الموضوع “مو وقتُه الآن“.
وأوضحت المصادر أنّ مسألة الترسيم الحدودي مع سوريا “متشعبة ومعقدة ومتداخلة بين البر والبحر”، مشيرةً إلى أنّ هذه المسألة مرتبطة مباشرةً بوضعية “مزارع شبعا” التي لا يزال لبنان ينتظر من سوريا توثيق لبنانيّتها في الأمم المتحدة، ولفتت في هذا السياق إلى أنّ الجانب السوري لا يبدي حماسة للخوض في هذا الملف خصوصاً مع “عهد منتهي الصلاحية” كما أنّ “حزب الله” ليس في وارد الدفع باتجاه حلّ الإشكالية الحدودية بين لبنان وسوريا “لما لها من منافع تفوق مضارها بالنسبة للحزب”، مبديةً أسفها لكون تعذّر ترسيم الحدود البحرية مع سوريا “سيعيق عمليات تلزيم الشركات عمليات التنقيب والحفر في البلوكات الشمالية للبنان“.
واليوم، علمت “نداء الوطن” أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سيزور قصر بعبدا للقاء عون في “زيارة وداعية” بحسب ما وصفتها مصادر مطلعة، مشيرةً إلى أنّ الزيارة لن تكون مخصصة للبحث في ملف التأليف، بل ستركز على الشق البروتوكولي في وداع رئيس الجمهورية على بعد أيام من نهاية عهده، مع التطرق في الوقت نفسه إلى استحقاق توقيع اتفاقية الترسيم البحري مع إسرائيل بعد غد الخميس في الناقورة، على أن يبقى بطبيعة الحال مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة معلقاً حتى آخر أيام الولاية العونية، في ظلّ إبداء ميقاتي استعداده الدائم لزيارة بعبدا “ولو قبل ساعة” من مغادرة عون القصر، لتوقيع مراسيم التأليف في حال التوافق على تشكيلة وزارية خالية من “التعديلات الجوهرية والشروط التعجيزية“.
وفي الغضون، يتسارع العد العكسي للدخول في مرحلة الشغور الرئاسي، خصوصاً وأنّ الجولة الانتخابية الرابعة أمس في الهيئة العامة أبقت القديم على قدمه لناحية تشابه مجرياتها مع مجريات الجولات الرئاسية التي سبقتها. وإذ تسرّع رئيس المجلس النيابي نبيه بري في نهايتها بتحديد يوم الخميس المقبل موعداً جديداً لانعقاد الجولة الرئاسية الأخيرة قبل نهاية المهلة الدستورية، سارع نائبه بو صعب إلى “وشوشته” مذكراً إياه على الأرجح بأنّ الخميس سيكون “يوم الترسيم”، فأعاد بري الطلب إلى النواب عدم التقيّد بهذا الموعد وانتظار ما سيصدر عنه بهذا الخصوص في وقت لاحق.
واستنسخت الجلسة الرئاسية أمس وقائع “مسرحية الورقة البيضاء وحرق الأسماء وتطيير النصاب”، مقابل محافظة تكتلات وكتل المعارضة على جدية ترشيحها وتصويتها للنائب ميشال معوّض، بينما برز خلالها وعلى هامشها اتساع رقعة التصدع والتشرذم بين صفوف تكتل “نواب التغيير”، الأمر الذي جسده خروج التجاذب بين أعضائها إلى العلن كما حصل بين النائبين وضاح الصادق وفراس حمدان أمام عدسات المراسلين الصحافيين، سيما وأنّ الصادق آثر التصويت لصالح معوّض في الدورة الانتخابية أمس رفضاً لاستمرار زملائه في التعاطي “بخفّة” مع الاستحقاق الرئاسي.
وتمثلت هذه “الخفة” أمس بإصرار النواب التغييريين على التصويت لصالح عصام خليفة في صندوق الاقتراع رغماً عن إرادته وبخلاف مناشداته الصوتية لهم بعدم الاقتراع لاسمه، غير أنّ مصادر معارضة رأت أنّ “أخطر ما في هذه الخفة أنها لم تعد تجسّد تسجيلاً لموقف اعتراضي على أداء السلطة والمنظومة الحاكمة، بل أصبحت تشكّل “مطيّة” للجبهة النيابية العاملة على فرض الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، سيّما وأنّ النواب التغييريين الذين ضيّعوا أكثر من فرصة للتوافق ضمن المهلة الدستورية على مرشح مشترك مع سائر قوى المعارضة يحظى بأكثرية 65 صوتاً، بات أداؤهم أشبه بدور “الساعد الأيمن” لمخطط هذه الجبهة في إحداث الشغور“.