في تل أبيب أُعلن رسمياً أمس عن بدء إنتاج الغاز من حقل “كاريش” بالتوازي مع الإعلان عن تولي رئيس الحكومة يائير لابيد مسألة التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وفي البيت الأبيض احتفى الرئيسان الأميركي والإسرائيلي جو بايدن واسحق هرتسوغ بإبرام “الاتفاق التاريخي الذي طال انتظاره” بين الجانبين الإسرائيلي واللبناني وفق تعبير بايدن على اعتبار أنه “تطلب شجاعة كبيرة” مجدداً التأكيد أمام هرتسوغ على “التزام الولايات المتحدة الراسخ بأمن إسرائيل”… أما في بيروت، فبدت سلطة 8 آذار مربكة عشية توقيع اتفاقية الترسيم في الناقورة، وبقي رئيس الجمهورية ميشال عون حتى لحظة وصول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين غير حاسم في تحديد طبيعة الوفد اللبناني إلى الناقورة والشخصية التي ستتولى توقيع مذكرة اتفاق الترسيم الحدودي مع إسرائيل، وسط “تخبط” واضح في التسريبات والمعلومات الواردة من دوائر قصر بعبدا في هذا الخصوص.
وإذ اكتفت دوائر الرئاسة الأولى بتعميم موعد وصول هوكشتاين صباح اليوم إلى بعبدا والخطوات التي ستلي ذلك، من بيان مكتوب يلقيه الوسيط الأميركي ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، ليترأس بعدها عون اجتماع الوفد المكلّف تسليم رسالة الموافقة اللبنانية الرسمية على اتفاقية الترسيم البحري مع إٍسرائيل في الناقورة، أوضحت مصادر مواكبة للأجواء المحيطة بإشكالية تشكيل الوفد اللبناني لـ”نداء الوطن” أنّ السلطة بدت أمس كمن “يتقاذف مسؤولية التوقيع على اتفاقية الترسيم، بحيث رفض أكثر من طرف تحمّل هذه المسؤولية خشية وصم اسمه بشبهة التطبيع مع إسرائيل على امتداد التاريخ اللبناني، خصوصاً وأنّ “حزب الله”، وهو الطرف الذي شكل قوة الدفع الأكبر في إبرام الاتفاقية الحدودية مع إسرائيل، نأى بنفسه عن هذه المسؤولية وتوارى خلف الدولة في إنجازها لكي لا يتحمل مسؤولية مباشرة بهذا الشأن أمام الرأي العام وجمهوره“.
وقبيل منتصف الليل، وبينما كان بوصعب يقيم مأدبة عشاء تكريمية على شرف الوسيط الأميركي احتفاءً بإنجاز اتفاقية الترسيم مع إٍسرائيل، كشفت أوساط مشاركة في العشاء لـ”نداء الوطن” أنّ الصيغة التي تم اعتمادها لتوثيق الموافقة اللبنانية الرسمية على هذه الاتفاقية قضت بأن يتولى رئيس الجمهورية نفسه توقيع نص الرسالة الأميركية وتوجيهها إلى الرئيس الأميركي تأكيداً على موافقة لبنان والتزامه كامل البنود الواردة في اتفاق الترسيم الحدودي البحري مع إسرائيل، بينما سيتولى وزير الخارجية عبد الله بو حبيب توقيع رسالة لبنان بهذا الخصوص، وتوجيهها إلى الأمم المتحدة لكي يصار إلى اعتماد الحدود اللبنانية البحرية الجديدة المتفق عليها مع إسرائيل في السجلات الأممية.
في الغضون، بات الشغور في موقع رئاسة الجمهورية بحكم الأمر الواقع أمس في ظل تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري عدم عقد جلسة انتخاب رئاسية اليوم لتزامنها مع موعد إبرام اتفاقية الترسيم، لتتجه الأنظار تالياً إلى موعد توجيه بري الدعوات إلى الكتل النيابية للاجتماع حول طاولة حوار في عين التينة “على جدول أعمالها بند وحيد وهو رئاسة الجمهورية” كما نقل زوار رئيس المجلس عنه أمس لـ”نداء الوطن”، إذ إنّ بري وبعد دعوته إلى 4 جلسات لانتخاب الرئيس وما خلصت إليه هذه الجلسات من نتائج “صار يرى في الأمر مهزلة سواءً بورقة بيضاء من هنا أو ورقة سوداء من هناك وغيرها من الأوراق“.
وإذ استبعد بري، بحسب زواره، حصول أي تقدم في ما تبقى من أيام حول تأليف الحكومة، ووصف الآمال في هذا الصدد بأنها “تتطلب معجزة”، علّق على دعوة الرئيس عون إلى الرئيس نجيب ميقاتي للعودة إليه مساء الثلثاء للاتفاق على الحكومة، مكتفياً بالإشارة إلى “ما تبع هذه الدعوة من هجوم شنه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ضد ميقاتي وما أعقب ذلك من رد، الأمر الذي لا يوحي بأن هناك حكومة” جديدة.
وأوضح بري للذين استفسروا منه عن موعد الدعوة إلى الحوار الرئاسي أنها لن تكون قبل 31 الشهر الجاري “احتراماً لرئيس الجمهورية”، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه تشاور مع الكتل النيابية لأنه سيدعو رؤساءها وليس رؤساء الأحزاب، فلقي تجاوباً منهم. وحين قيل له إن “بعض أوساط حزب “القوات اللبنانية” لم يبدِ حماساً للفكرة، أكد أنه لم يصله أي اعتراض في هذا الشأن من نواب تكتل “الجمهورية القوية”، ولفت كذلك إلى أنه لقي تجاوباً من رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، على أن يحضر رئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” تيمور جنبلاط اجتماع الحوار، فيما تبلغ من رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل استعداده للمشاركة في الحوار في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد. أما عن تمثيل النواب السنّة، ففهم من التقوا بري أن تمثيلهم في الحوار ينتظر أن يتم على أساس 3 مجموعات، بما يشمل نواب الشمال وبيروت وصيدا، مع الإشارة إلى أنّ “من يرفض الدعوة إلى الحوار هو من سيتحمل مسؤولية التغيب عنه“.
وهل سيتناول الحوار المواصفات أم الأسماء الرئاسية؟ ألمح بري أمام زواره إلى أنه لن يعمل على إضاعة الوقت، وقال: “الجميع طرح مواصفات للرئيس، وفي الخطاب الذي ألقيته في مهرجان ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في صور حددتها بالشخصية التي تجمع ولا تطرح ولا تقسم والتي توحد ولا تفرق والتي بقدر ما تحتاج الى حيثية مسيحية تحتاج الى حيثية إسلامية وحيثية وطنية”، لكنّ رئيس المجلس لم يستبعد في الوقت عينه أن يبادر البعض إلى إعادة الحديث عن المواصفات على طاولة الحوار، بينما طرح الأسماء قد يتم في “الوشوشات الجانبية”، حتى لو تناول بعض الحضور بعض الأسماء المرشحة للرئاسة على الطاولة.