بعد سنواتٍ ست، كانت نموذجاً من أقسى نماذج الحكم السياسي الذي أرهق اللبنانيين، خرج ميشال عون من قصر بعبدا عائدًا الى منزله في الرابية، ومنتصف ليل اليوم يخرج من الرئاسة التي اتاها على متن الدستور الذي لطالما انتقده ورفضه، ويعود مجدداً للانقلاب عليه.
أراد عون قبل ساعات من تحوله إلى رئيس سابق إدخال البلاد بفوضى دستورية من خلال الرسالة التي وجهها الى المجلس النيابي بعيد توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة المستقيلة حكمًا مع انتخاب مجلس نيابي جديد، وهي خطوة وصفها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بالمرسوم السياسي لا الدستوري.
يغادر ميشال عون في نهاية ولاية حفلت بمخالفات دستورية، الى موقع أحب على قلبه كما يبدو، موقع تدمير كل ما بناه دستور الطائف الذي أخرجه مهزوما من قصر بعبدا عام 1989.
وفي طريق العودة الى الرابية حاول أمام محازبيه تبرئة ذمته من وصول البلد إلى ما وصل اليه جراء الاخفاقات والأخطاء المميتة التي أوقع عهده فيها وهي تحمل في معظمها بصمات الحاشية والصهر. ولعل الاحتفالية الباهتة التي أقامها له التيار العوني لدى خروجه من القصر أريد من خلالها التعمية على فشل عهده وترك البلد متخبطا بالفوضى.
في هذا السياق رأى النائب بلال الحشيمي في حديث الى جريدة “الانباء” الالكترونية أن “عون تعمد مغادرة القصر الجمهوري قبل يوم من انتهاء ولايته للقول انه غير مستقتل على السلطة”، مؤكداً أن “مرحلة عون انتهت مع ما حملته من مآس ومعاناة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية”، وتمنى أن “يكون ما جرى كابوساً وتخلصنا منه كي نذهب الى انتخاب رئيس جمهورية ينتشل البلاد من جهنم التي أوقعنا بها“.
ووصف الحشيمي توقيع عون على استقالة الحكومة بأنه “لزوم ما لا يلزم، لأنه سبق له واجرى استشارات نيابية وبنتيجتها تم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، ولم يسهل له مهمته كما يقتضي الواجب”، ورأى أن “توقيعه على استقالة الحكومة هو ورقة خاسرة لإرضاء الرأي العام العوني”، وأشار الحشيمي إلى أن عون “لم يفعل شيئا طوال الست سنوات الماضية سوى توظيف ازلامه ما أدى إلى فشله في ادارة الحكم، لأنه لم يكن لديه معيار موحد لإدارة البلد، فهذا البلد للجميع ولا يمكن أن نؤسس دولة بهذه الذهنية“.
وسأل الحشيمي: “هل يعقل أن يشترط لتشكيل حكومة تعيين وزراء موالين لجبران باسيل لأنه منزعج من تعاون الوزراء الحاليين مع الرئيس ميقاتي؟ هذه هي السياسة التي أبقت البلد دون حكومة طيلة ثلاث سنوات وأوصلتنا الى حالة البؤس والى جهنم”، داعيا في مواجهة ذلك الى “انتخاب رئيس جمهورية سيادي يحافظ على الدستور والطائف، ويكون رئيسا فعليا للدولة ويشكل حكومة ويتعاون معها لرفع المعاناة عن الشعب اللبناني”، رغم أنه توقع “إطالة أمد الشغور الرئاسي بعد الكلام غير المطمئن لعون وباسيل“.
بدوره رأى الكاتب والباحث السياسي الياس الزغبي أن “إخلاء عون قصر بعبدا تم بمشهدين مشهد طبيعي هو مراسم الوداع الرسمية، ومشهد غير طبيعي هو المشهد الشعبوي الذي لم يحدث أبداً مع جميع الرؤساء السابقين للجمهورية“.
الزعبي، وفي حديث مع “الأنباء” الإلكترونية، رأى أن “هذا الإخلاء الشعبي كان بمثابة حاجة ملحة وضرورية للتعويض السياسي والشعبي عن الاخفاقات والفشل، وعما أدت اليه السنوات الست لعهده، ويمكن القول مجازا أنه كان بمثابة عزاء شعبي وسياسي ليس من شأنه أن يغير شيئا في المرحلة المقبلة“.
ورأى الزعبي أن “اللافت في بداية خطاب عون كان قوله انه يترك الحجر ويعود إلى البشر. فبهذه الجملة أدان عهده وصوره كحالة صنمية حجرية لم تعان معاناة الناس. فتحولت الرئاسة الاولى الى حالة ساكنة جامدة. وحين كانت تتحرك كانت النتائج كارثية على جميع الاصعدة، وخصوصا على الدستور والقوانين والمؤسسات. واللافت ايضا انه حمّل الفساد لمن رفع شعار الدفاع عن حقوقهم أي المسيحيين حين لم يذكر إلا موقعين رفيعين، رئيس مجلس القضاء الأعلى وحاكم مصرف لبنان. أما النقص الفاضح بخطابه كان سكوته المطبق على ما أقسم عليه اليمين الدستورية أي المحافظة على سيادة الوطن. فلم يذكر ولو بإشارة عابرة مأزق السيادة التي يصادرها السلاح غير الشرعي والحدود السائبة امام كل أنواع التهريب ومصادرة أموال الدولة“.
ولفت الزغبي إلى أنه “في المحصلة يمكن القول أن عون مع تياره، هو بأفضل مرحلة بائسة، ويتجه إلى مرحلة أشد بؤسا لناحية عجزه السياسي والشعبي المتفاقم. وهو سيكون عاجزا مع تياره عن تنفيذ وعده بالنضال سبع عشرة سنة، منها ست سنوات في سدة الرئاسة لم يستطع خلالها ان يحقق اي انجاز. وليس الانجاز الاخير اي الترسيم الذي يتغنى به سوى نتاج صفقة دولية اميركية – ايرانية – اسرائيلية بمشاركة فرنسا، ولم يكن هو وكذلك حزب الله سوى شاهدين على هذا الترسيم. لذلك فإن مصير تيار عون هو الاضمحلال على المدى المتوسط لأنه لا يرتكز على ثوابت وطنية بل على مصالح واجماع في ثنائية السلطة والمال“.
وفي مطلق الأحوال، فإن خروج عون من بعبدا شكل فوق كل الاعتبارات، إشارة البداية لانتهاء مرحلة لم يعش فيها لبنان سور المآسي، وأيا كانت المسؤوليات والصعوبات المقبلة، فإن اللبنانيين لن يذكروا عهد ميشال عون سوى بالسلبية.