شكّل تراجع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن الدعوة التي كان يعتزم توجيهها إلى الحوار، إشارةً واضحة على حجم التباعد الكبير بين القوى السياسية الذي ينعكس بشكل قاسٍ على مجمل الاستحقاقات الأساسية وفي طليعتها انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وقد جاءت المواقف أمس في جلسة مناقشة رسالة الرئيس السابق ميشال عون لتعكس هذه الانقسامات، وسط انعدام أي إشارة جدية على امكانية حصول انتخاب الرئيس وإنهاء حالة الشغور، لتتحول جلسات المجلس النيابي الى مشهد متكرر من استعراض المواقف والسجالات.
وفيما لفت موقف نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي دعا الى البحث في فكرة التشاور بين الكتل النيابية للخروج من الأزمة أو حتى السير بفكرة الحوار الذي كان سيدعو إليه بري، بما يعاكس موقف التيار الوطني الحر الرافض لتلبية دعوة بري، فإن بو صعب نفسه أعلن أنه لن يضع بعد اليوم ورقة بيضاء في جلسات انتخاب الرئيس، معتبرا أنه لم يعد جائزا اعتمادها. وهذا المؤشر يطرح السؤال عما إذا كانت جلسة الخميس المقبل التي دعا لعقدها الرئيس نبيه بري قد تشكل تطورا باتجاه التوافق على اسم رئيس الجمهورية في ضوء، أم أن الأمور ستبقى على حالها.
مصادر سياسية مراقبة استبعدت في اتصال مع “الأنباء” الالكترونية امكانية التوصل الى اتفاق بين القوى السياسية كافة على انتخاب رئيس جمهورية دون تدخل خارجي يلزم النواب بالتعاطي الجدي مع هذا الملف. المصادر رأت أن العقدة هي لدى فريق ٨ آذار الذي لم يسم مرشحه بعد، ولدى نواب التغيير الذين لم ينتهوا بعد من لعبة حرق الأسماء بخلاف فريق المعارضة الذي يتعامل مع هذا الاستحقاق بجدية وفق الاصول الدستورية.
المصادر كشفت ان فريق ٨ آذار ليس لديه مرشحا حتى الساعة لأن حزب الله يخشى تسمية الوزير السابق سليمان فرنجية مخافة إغضاب النائب جبران باسيل، وبالأخص بعد ترشيحه من قبل عون وتأكيده ان انتخابه يسقط عنه العقوبات الأميركية، وهذا أحد أسباب الإحجام بتسمية أي من الاثنين. النقطة الثانية والأهم عدم امتلاك هذا الفريق الاكثرية المطلقة لإنجاح مرشحه، وهذا ما يجعله متمسك بالمرشح التوافقي.
امام هذا الواقع رفض عضو كتلة الكتائب النائب الياس حنكش المقاربات التي تضع الفريق السيادي والفريق الآخر في كفة واحدة وتحميلهم مسؤولية الفراغ. وأشار في حديث مع “الأنباء” الإلكترونية إلى أننا أمام عملية انتخابية، وقد أعلنا عن مرشحنا منذ الجلسة الأولى وهو مرشح واضح لديه برنامج متكامل، وعلى الفريق الآخر أن يسمي مرشحه ونذهب الى الانتخابات ونقبل بالنتيجة أيا تكن. لكن أن يستمر هذا الفريق باستخدام الورقة البيضاء وتعطيل النصاب فهذا غير مقبول.
وقال حنكش إن ما حصل بالأمس في المجلس يؤكد عدم جدية هذا الفريق بالتعاطي السياسي، كاشفا أنه طالب الرئيس بري بتحويل الجلسة إلى جلسة انتخاب الرئيس فلم يوافق، فانسحبنا لأنه في بلد ينزف بشكل يومي وهو منهار اقتصاديا، من المعيب على نواب منتخبين وحائزين على ثقة الناس الا يكون تعاطيهم السياسي على مستوى الازمة التي نعيشها.
وقد لفت حنكش الى دعوة الرئيس بري لطاولة حوار وإلغائها بسبب رفض فريقين مسيحيين المشاركة فيها، داعيا الى تلقف أي مسعى بهذا الاتجاه، لأن ليس لدينا خيارات أخرى.
من جهة ثانية لفت عضو كتلة التنمية والتحرير النائب فادي علامة في اتصال مع “الأنباء” الإلكترونية إلى أن استخدام فريقه السياسي للورقة البيضاء يهدف إلى ممارسة الضغط للاتفاق على مرشح توافقي، ولهذا السبب جاءت دعوة الرئيس بري لحوار حول رئاسة الجمهورية لتقريب وجهات النظر. بكن الكتل المعنية أكثر من غيرها رفضت المشاركة، عندها ارتأى تحديد جلسة انتخاب كل أسبوع.
وأوضح علامة ان الهدف من الحوار كان للتخلص من المتاريس والاتفاق على رئيس توافقي وخلق نوع من الصدمة الايجابية وحث الكتل للوصول الى هذه الصيغة، لأننا لم نعد نملك ترف الوقت. فالبلد ينهار والكل متمترس خلف طروحاته ووجهة نظره، ولا بد في نهاية الأمر من الاستماع للرأي الآخر.
في مقلب آخر رد المجلس الدستوري أمس أربعة طعون بنيابة سينتيا زرازير وفريد الخازن وسعيد الأسمر وفيصل الصايغ ، ويبقى لديه البت بست طعون لا تزال أمامه. وعلى هذا النحو لا يبدو حتى الساعة ان هناك تغييرات فارقة سوف تحصل على الكتل النيابيّة، بصرف النظر عما اذا تم قبول اي طعن من الطعون المتبقية، وهذا ما سيؤدي طبعا إلى بقاء توزيع المواقف النيابيّة على حاله، وانعكاساً على مجمل المشهد النيابي.