صدق من قال عنه “جنرال المعارك الخاسرة”، فهو كما بدأ مسيرته العسكرية والسياسية أبى إلا أن يختتم سيرته الرئاسية بهذه الصفة… بهذه الخلاصة اختصرت أوساط حكومية نتيجة “الرسالة” التي وجهها الرئيس السابق ميشال عون في نهاية عهده إلى المجلس النيابي فجاءت “ارتداداتها عكسية” عليه، بعدما خلصت رسالة عون نفسه إلى تحصين جبهة الرئيس نجيب ميقاتي الحكومية ومنحته “هديتين نيابيتين مجانيتين” أكدتا على دستورية “التكليف” و”التصريف” في قبضته.
ومَن أبرع من رئيس المجلس النيابي نبيه بري في اقتناص “الهدايا المجانية” والتقاط الفرصة التي لمحتها “عين التينة”، ليسارع إلى تحويل وتحوير مسار “رصاصة العهد الأخيرة” لتكون بمثابة “رصاصة الرحمة” على عون وعهده، فرفع “مطرقته” تحت شعار “لبيّك” ميقاتي، وانتصر له “تكليفاً وتصريفاً” باسم المجلس والدستور، قبل أن يختتم الجلسة بموعظة “رئاسية” وعد من خلالها بعقد جلسة انتخاب أسبوعية بانتظار حلحلة العقد التوافقية بين المكونات والبلوكات النيابية… و”جميعكم يعرف أين هي العقدة”، في إشارة وضعها بعض المراقبين في خانة “التصويب على عقدة جبران باسيل الرئاسية التي تحول دون حصول اتفاق أو توافق على أي مرشح رئاسي، أقلّه بين صفوف “حزب الله” وحلفائه في قوى 8 آذار“.
وإثر انتهاء جلسة تلاوة ومناقشة رسالة عون اتخذ المجلس النيابي موقفاً “بإجماع الحضور” ذكّر فيه بأن تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة أتى بنتيجة “استشارات نيابية ملزمة” قام بها رئيس الجمهورية في حينه، وأنّ أي “موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلاً دستورياً” وهذا ما أكد المجلس أنه ليس “بصدده اليوم” ولا يرغب بالتالي في “الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة”، ليحسم الموقف النيابي من “الرسالة” العونية بإعلان “ضرورة مضي رئيس الحكومة المكلف قدماً للقيام بمهامه كحكومة تصريف أعمال“.
أما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فتولّى مهمة تطويقه ميقاتي نفسه من خلال إقدامه بدايةً على “سابقة” تلاوة نصّ الرسالة المضادة التي كان قد وجهها إلى رئيس المجلس إثر توقيع عون مرسوم استقالة الحكومة، قبل أن يبادر إلى “فضح” المسار التعطيلي للتأليف الذي سلكه رئيس الجمهورية كاشفاً عن جملة معطيات ووقائع متصلة بكواليس اجتماعاته التشاورية مع عون، بدءاً من معايرته في اللقاء الأول بتكليفه “غير الميثاقي”، مروراً بعدم التجاوب مع طلبه زيارة بعبدا لاستكمال مشاورات التأليف والتسريبات الإعلامية التي تؤكد أنّ “الرئيس لا يريد تحديد موعد” للرئيس المكلف، وصولاً إلى مفاتحته رئيس الجمهورية خلال اجتماعه معه “في 11 تشرين الأول الفائت بحضور وزير الخارجية عبدالله بو حبيب والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير” بالاستعداد لتوقيع مرسوم تشكيل الحكومة “كما هي بشكلها الحالي”، فأجابه عون: “لقد وضعت المرسوم في الدرج وأقفلت عليه ورميت المفتاح”، فضلاً عن التضارب الذي حصل بين نفي عون نيته إصدار مرسوم استقالة الحكومة قبل أسبوع وبين توقيعه قبيل مغادرته بعبدا.
وكما توعد باسيل ميقاتي في الجلسة بإصدار بيان توضيحي رداً على كلامه، صدر ليلاً بيان باسم عون قال فيه: “بلغني ما قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مجلس النواب بشأن نقاشات جرت بيني وبينه في موضوع تشكيل الحكومة، أؤكد أنّ ما قاله مجتزأ ويفتقد إلى الكثير من الدقة والصحّة، وأذكّر بما أعلنت عنه للإعلام بعد آخر لقاء بيننا حين أتاني مودّعاً قبل ستة أيام من نهاية الولاية، من انني قلت له أنتظرك لتعود إلى بعبدا لنصدر معاً مرسوم التشكيل، بحسب الأصول لكنه ذهب ولم يعد“.
ومساءً، استرعت الانتباه حادثة الشغب التي افتعلها مناصرو “التيار الوطني الحر” ممن يطلقون على أنفسهم مسمى “الحرس القديم” في استديوات برنامج “صار الوقت” عبر شاشة “أم تي في”، خصوصاً وأنّ الزميل مارسيل غانم كشف بعد إقدام العونيين على تخريب محتويات استديو التصوير وسلب بعض الأدوات التقنية منه، وصولاً إلى تحطيم الأملاك العامة والخاصة في الخارج على وقع أزيز الرصاص، عن رسالة من أحد مناصري “التيار الوطني” كان قد توعد فيها قبل انطلاق الحلقة قائلاً: “رح نفرجي لمارسيل غانم الليلة”، كما أبرز غانم في ختام الحلقة فيديو يبيّن سيدة كانت موجودة بين حضور البرنامج وهي تتحدث من الاستديو عبر الهاتف وتقول لأحدهم: “يلا فوتوا بسرعة” وذلك لحظة افتعال مناصري “التيار الوطني” المشكل في الاستديو.
تزامناً، برزت الرسالة الحازمة التي وجّهها قائد الجيش العماد جوزيف عون خلال اجتماع مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة أمس، مشدداً من خلالها على كون المؤسسة العسكرية لن تسمح مع دخول البلاد في مرحلة الشغور الرئاسي بأي “محاولات لاستغلال الوضع بهدف المساس بالأمن، وتحوُّل وطننا إلى ساحة مفتوحة لأي حوادث أمنية أو تحركات مشبوهة”، داعياً “أصحاب الشأن إلى التحلّي بالمسؤولية حفاظاً على المصلحة العامة، واللبنانيين إلى عدم السماح باستغلالهم والانجرار وراء عناوين وشعارات مشبوهة“.
وفي ملف الترسيم البحري جنوباً، حرص قائد الجيش في كلامه على وضع الملف في خانة الإنجاز السياسي، مرحّباً “بإجماع السلطة السياسية” على هذا الإنجاز، مع التأكيد في الوقت عينه على أنّ “الجيش أدى دوره التقني المطلوب منه في هذا الخصوص على نحو كامل“.