أوصى مجلس النواب بِمضي حكومة تصريف الأعمال قُدماً في ممارسة مهماتها، وفق الأصول الدستورية. وحدد رئيس المجلس نبيه بري الخميس المقبل موعدا لجلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية مُتخليا عن الدعوة الى الحوار التي كان يعتزم توجيهها الى رؤساء الكتل النيابية للبحث في الاستحقاق الرئاسي حصراً، وذلك بعدما لمسَ مُسبقاً عدم التجاوب معها من خلال إجماع غالبية الكتل التي شاركت او انسحبت من جلسة امس على دعوة مجلس النواب الى المواظبة على عقد جلسات متتالية الى حين انتخاب الرئيس العتيد.
فسّر مجلس النواب «ماء» رسالة الرئيس السابق ميشال عون بـ»ماء الدستور» الذي، وإن ترك ثغرات في نصوصه القانونية، فلا بديل عنه كمرجعية يستند اليها مهما تعددت الاجتهادات…
وما حصل امس في جلسة مناقشة الرسالة الرابعة لعون في عهده، وبحسب مصدر حكومي، كان من باب الكيدية السياسية، لكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استفاد منها وحسناً فعل رئيس مجلس النواب بإصراره على مناقشة الرسالة وعدم الانصياع الى الآراء التي حاولت ثَنيه مُطالبة بتحويل الجلسة الى جلسة انتخاب رئيس…
وقال المصدر لـ»الجمهورية»: «ما حصل كان متوقعا في اطار النمط الدستوري الطبيعي والعلم الدستوري السليم، خارج الشعبويات التي حاولت اللعب على وتر الطائفية والعواطف المزيفة والانفعالات الشخصانية، اذ تبين ان موقف المجلس النيابي أتى ليؤكد المؤكد ويشدد على التعاون بين الحكومة وبينه وهذا سيكون عنوان المرحلة المقبلة، والذي عبّر عنه صراحة ميقاتي في كلمته». واضاف المصدر: «انقلب السحر على الساحر فبدل التشكيك بشرعية الحكومة وانتزاع التكليف من رئيسها جدّد مجلس النواب الثقة لها وعَوّم صلاحياتها المنوطة بها دستوريا، من دون لا زيادة ولا نقصان بإجماع معظم الكتل النيابية وان اختلفوا في المقاربات حول تحديد الصلاحيات وقراءة الدستور، والاهم ان ميقاتي الذي وقف امام النواب ليرد على الحملة التي شنّت عليه، علمَ انّ وجهه للنواب وفي ظهره قوة المجلس. وعن جلسات مجلس الوزراء قال المصدر: «هذا الامر غير مطروح حالياً وافتعال المشكلة حوله سابق لاوانه مع انه ليس ملغى من الحسبان في حال استجد اي طارئ»… وتوقع المصدر ان يستمر باسيل في قصف جبهة الحكومة وعملها، لكنه اكد في المقابل «ان ميقاتي متيقّظ لهذا الامر ولن يجعله يؤثر على مسار العمل الحكومي».
مخاوف من مراوحة
الى ذلك، لاحظت اوساط نيابية ان بري استطاع ضبط التوتر الذي ساد الجلسة النيابية امس ومنع تفاقمه الى اشتباك طائفي عنيف. ونقلت هذه الاوساط عنه استياءه من بعض الكلام المُسيء الذي صدر عن عدد من النواب. وتخوفت من الدخول في مرحلة من المراوحة المتمادية، بحيث تصبح جلسات الانتخاب الاسبوعية التي سيدعو اليها بري روتينية، معتبرة انّ انتخاب رئيس الجمهورية في ظل الانسداد الحالي يحتاج إلى معجزة.
وأملت الاوساط نفسها في ان لا تستمر المراوحة الى حين حلول استحقاق تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان بديلاً من الحاكم رياض سلامة الذي تنتهي ولايته في تموز المقبل.
تصفية حساب
وكانت جلسة مناقشة رسالة عون في شأن استقالة الحكومة قد تحولت مناسبة لتصفية الحسابات بين عون وميقاتي الذي كشف المستور في كل ما دار بينهما من نقاش حول تأليف الحكومة التي لم تتألف، وشملت التصفية رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي تولى الدفاع بالاصالة عن نفسه وبالنيابة عن عون.
فبعدما قرأ ميقاتي رسالته الى المجلس التي رد فيها على رسالة عون ومرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، معتبراً انهما غير دستوريين، رد على قول عون في رسالته انه تأخر في تشكيل الحكومة او تغاضى عنه، موردا بعض الوقائع ومنها انه يوم تكليفه تشكيل الحكومة وقبل خروجه من اللقاء معه «قال لي ليست هناك تسمية مسيحية وبالتالي فإنّ تكليفي غير ميثاقي»، فأجبته ان «هناك نوابا مسيحيين قد سمّوني وفي جلسة الثقة آمل ان تكون الميثاقية موجودة».
واذ قاطعه باسيل قائلا له: «لماذا لم تعتذر؟» اجابه ميقاتي : «لأن رغبتك أن أعتذر فإنني لن أعتذر».
واشار ميقاتي الى انه «في 29 حزيران تقدمتُ من فخامة الرئيس بتشكيلة حكومية كاملة، وبدا البعض من ملوك التعطيل يتحدث بمنطق «لماذا قدم الحكومة بشكل سريع؟». يومها تناقشت مع فخامة الرئيس في التشكيلة وسألني عن بعض الاسماء، واعتقدت ان التشاور في الامر سيستكمل، ولكن لم يصلني اي جواب». ثم كشف انه خلال اجتماع في 11 تشرين الاول الفائت «قلت لفخامة الرئيس: هات مرسوم تشكيل الحكومة كما هي في شكلها الحالي لأوقعه، فأجابني قائلا «لقد وضعتُ المرسوم في الدرج وأقفلت عليه ورميت المفتاح»، وبالتالي فإنّ الاتهام بأنني لا اريد تشكيل حكومة باطل، وانا اكثر شخص اريد تشكيل حكومة، وقدّمت تشكيلتي بأسرع وقت».
واعتبر ميقاتي ان «كل ما نشهده هدفه خلق جدلية لمنع الحكومة من ممارسة عملها. انا تحت سقف الدستور والقوانين المرعية الاجراء، وسأقوم بعملي في شكل كامل، كما سأعمل مع السادة الوزراء، كلّ في وزارته، لانجاز ما هو مطلوب. والحل هو في انتخاب رئيس الجمهورية، وهذا الحل هو في عهدة من يطالبون به وليس عندي. يجب انتخاب رئيس الجمهورية الآن وغدا قبل بعد غد». وقال: «أعي تماماً انه عندما يتحدث الدستور عن تصريف الأعمال بالمعنى الضيق، فهو حتما يميّز بين حكومة كاملة الأوصاف وحكومة تصريف الأعمال، وهذا الامر ينطبق في الايام العادية، ولكن عندما تقتضي المصلحة الوطنية العليا، سأستشير المكوّنات المشاركة في الحكومة لاتخاذ القرار المناسب، بدعوة مجلس الوزراء اذا لزم الأمر، وأنا لست في صدد تحدي أحد، ولا ضد احد. سنتشاور في اي موقف ونتخذ القرار المناسب. وعَلّق على مقاطعة باسيل له قائلا: أطلب من رئيس الجامعة اللبنانية إدخال مادة في اختصاص العلوم السياسية عنوانها الآتي: «كيف المفاوضة على شفير الهاوية».
عون يرد
ورد عون مساء امس على ميقاتي بالبيان الآتي: «بلغني ما قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مجلس النواب اليوم في شأن نقاشات جرت بيني وبينه في موضوع تشكيل الحكومة. اؤكد ان ما قاله مُجتزأ ويفتقد إلى الكثير من الدقة والصحّة، وأذكّر بما اعلنت عنه للإعلام بعد آخر لقاء بيننا حين أتاني مودعاً قبل ستة أيام من نهاية الولاية، من انني قلت له أنتظرك لتعود الى بعبدا لنصدر معاً مرسوم التشكيل، بحسب الأصول، لكنه ذهب ولم يعد».
وسألت «الجمهورية» ميقاتي عن ردّه على بيان عون، فاكتفى بالقول: «لم أقرأه».
وكان بري قد تحدث بعد كلمة ميقاتي ومداخلات النواب فلاحظ انّ «كل الكلمات أجمعت على ان الاولوية الاولى ثم الاولى ثم الاولى هي لانتخاب رئيس للجمهورية». وقال: «لن يمر اسبوع الّا وسيكون هناك جلسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس (…) لذا بدءاً من الخميس المقبل الواقع في 10 تشرين الثاني الجاري، الساعة 11 قبل الظهر سيكون هناك جلسة وستوجّه الدعوة لها وفقاً للاصول، كما آمل خلال هذا الاسبوع ان يحصل توافق ما بين المكونات والبلوكات وجميعكم يعرف أين هي العقدة، العقد يجب أن تحل واذا لم يحصل تراجع من هنا وتراجع من هناك لن نصل الى حل».
التوصية
بعدها تلا بري نص الموقف الذي اتخذه مجلس النواب، بإجماع الحاضرين من اعضائه، ومما جاء فيه: «استناداً الى النص الدستوري حول أصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور، ولمّا لم يرد أي نص دستوري آخر حول مسار هذا التكليف وإتخاذ موقف منه، وبما أن فخامة رئيس الجمهورية قد قام بإستشارات ملزمة وفق ما ورد وبعد إطلاعه رئيس المجلس النيابي، أتت نتيجتها تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة. وبإعتبار أن أي موقف يطاول هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلا دستوريا ولسنا في صدده اليوم وفي الصفحة الرابعة من رسالة فخامته يشير الى ذلك وحتى لا تطغى سلطة على أخرى، ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة، وحرصا على الإستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة إقتصاديا وماليا وإجتماعيا تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات، يؤكد المجلس ضرورة المضي قدما وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلّف للقيام به بمهامه كحكومة تصريف أعمال».
من المداخلات
وقال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد في مداخلة له انّ «عون أشار إلى ثغرة في الرسالة وهي عدم وجود مدة لتكليف رئيس الحكومة». وقال رعد: «نحن بذلنا جهودا مضنية لتشكيل حكومة، صحيح أنّه يجب الإلتزام بالدستور والميثاق الوطني ولكن الأولوية القصوى هي إنتخاب رئيس للجمهورية». واضاف: «نحن مع الحوار والتوافق وإلّا لا يمكن الوصول إلى نتيجة بالإستحقاق الرئاسي».
وقال النائب مروان حمادة: «الضرب بالميت حرام لأن هذه الرسالة لم يعد لها قيمة، لأنه مع خروج المكلّف يسقط تكليف رئيس الحكومة»، ليردّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي، قائلاً: «عندما وصلت الرسالة وحدّدت الجلسة كان لا يزال الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية وأنا طبّقت القانون بالدعوة إلى الجلسة».
وطلب النائب الياس بو صعب الكلام، وقال: «كلام النائب حمادة لجهة «الضرب بالميت حرام» هو كلام غير مقبول».
«إيدك عشواربك»
ودار سجال بين النائبين ستريدا جعجع وباسيل، حيث قال الأخير: «ليتم إنتخاب الرئيس من الشعب»، فردّت جعجع: «إمشي لكن بسمير جعجع فهو الأقوى مسيحياً».
وردّ باسيل: «لا تشوشي في أمور جانبية»، فكان جوابها: «هو الأقوى مسيحياً حط إيدك عا شواربك»، ليعود ويقول: «اللي بيحط إيدو عا شواربو هوي اللي بيحكي عن داعش وسوريا مش أنا»، لتردّ ستريدا: «اللي عندو شوارب بيكون رجّال».
ولاحقاً، اشار باسيل في مؤتمر صحافي إلى أنّ رسالة عون «كانت لتفادي سابقة دستورية ممكن أن يقع فيها البلد وكانت تهدف إلى حَض المجلس لانتخاب رئيس أو أخذ موقف في موضوع تأليف الحكومة، والرئيس عون تَيقّن أن هناك تعطيلاً لتأليف الحكومة بإرادة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي»، موضحًا أنّ «الارادة بعدم تشكيل الحكومة كانت واضحة».
واعلن «أننا لن نقبل بوجود وصاية على التيار الوطني الحر لتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية».
موقف «القوات»
وفي سياق متصل قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» ان الانتخابات الرئاسية تخضع للآليات الدستورية لا الحوارية، والنصوص الدستورية واضحة لجهة الدعوة إلى جلسة انتخاب بدورات متتالية ومفتوحة على غرار جلسات الموازنة، بما يشكل ضغطا على الكتل النيابية والنواب من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وكل من ينسحب من هذه الجلسات يتحمّل مسؤوليته أمام الرأي العام.
واعتبرت المصادر ان الانتخابات الرئاسية مسألة ديموقراطية والحوار يحصل بين الكتل بين دورة وأخرى، ولا يجوز مصادرة قرار النواب بطاولات الحوار وتحويل المجلس المنتخب حديثا ملتقى لتفاهمات خارجه بدلا من ان يكون رئيس الجمهورية من صناعته. ورأت ان الحوار يجري على مواضيع وقضايا وطنية وسياسية خلافية، فيما آلية انتخاب رئيس الجمهورية واضحة تماما، وجلّ ما هو مطلوب تطبيقها من خلال جلسات انتخاب فعلية لا فولكلورية، والشغور الرئاسي لا يجب ان يحصل أساسا، لأن على النواب تحمل مسؤولياتهم بانتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية.
وشددت المصادر على ضرورة القطع مع المرحلة السابقة التي يصار فيها إلى ممارسة التعطيل بهدف وضع البلاد أمام أمر واقع معيّن، فيما المطلوب إعادة الاعتبار للحياة الديموقراطية والبرلمانية، والخضوع للنتيجة الديموقراطية، ومن يخسر يتجه إلى المعارضة، والدستور وضع من أجل ان يطبّق لا من أجل ان يعلّق تطبيقه تحقيقاً لمآرب انقلابية على الدستور. وأكدت ان الحوار لا يؤدي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو ملهاة اعتاد عليها اللبنانيون، خصوصا انه لم يطبِّق اي بند تمّ التوافق عليه في الجلسات الحوارية السابقة، وتحول صورة ومشهدية فقط لا غير، وكل الخشية من ان يكون الهدف من الحوار تمييع انتخاب رئيس للجمهورية، فيما المطلوب العودة إلى الدستور الذي يشكل وحده المعبر لإخراج لبنان من أزماته.
وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد اكد للسفير البريطاني هايمش كاول، الذي زاره امس، أن «الحل الوحيد لوضع لبنان على سكة الإنقاذ يكمن في انتخاب رئيس إصلاحي وإنقاذي، يعمل بشفافية وجدية من أجل التغيير الفعلي واخراج البلد من أزمته، رئيس يعمل على استعادة هيبة الدولة وإقرار الإصلاحات المطلوبة والسهر على حسن سير المرافق العامة ومكافحة الفساد، ولا يعير أهمية سوى للمصلحة اللبنانية الوطنية العليا، من هنا تأتي الضرورة القصوى في العمل على إجراء الإنتخابات الرئاسية بأسرع وقت ممكن وعدم إطالة أمد الفراغ، لأن البلاد لا يمكن أن تحتمل مزيدا من التدهور».
الجيش غير معني
في غضون ذلك قال قائد الجيش العماد جوزف عون خلال اجتماع مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة، في حضور أعضاء المجلس العسكري، ان «دخول البلاد في مرحلة الشغور الرئاسي وسط التجاذبات السياسية بين الأفرقاء، قد يترافق مع محاولات لاستغلال الوضع بهدف المساس بالأمن»، مشيرا إلى أن «الجيش غير معني بتاتا بهذه التجاذبات، ولا ينحاز إلى أي طرف أو جهة، إنما ما يعنيه بالدرجة الأولى هو صون الاستقرار والسلم الأهلي». وقال: «لن نسمح باستغلال الوضع وتحوُل وطننا ساحة مفتوحة لأي حوادث أمنية أو تحركات مشبوهة. ممنوع الإخلال بالأمن، لأنه من الثوابت الأساسية للجيش وسيبقى كذلك». ودعا العماد عون «أصحاب الشأن إلى التحلي بالمسؤولية حفاظا على المصلحة العامة»، كما دعا «اللبنانيين إلى الوعي وعدم السماح باستغلالهم والانجرار وراء عناوين وشعارات مشبوهة، لأن الوطن يحتاج الى جميع أبنائه». وأضاف: «الوضع الأمني ممسوك، وحماية لبنان مسؤوليتنا. لم نقبل سابقا أي مساس بالأمن والاستقرار ولن نقبل به اليوم».
الخزانة الأميركية
من جهة ثانية أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات تستهدف أفرادا مرتبطين بـ»حزب الله» وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وكيانات للنفط والشحن وسفناً. وكشفت وكالة «رويترز» أن «الخزانة الأميركية فرضت حزمة عقوبات جديدة على إيران»، موضحة أن «العقوبات التي فرضتها الوزارة تضم 14 مسؤولاً و3 كيانات إيرانية على صلة بقمع الاحتجاجات وانتهاكات السجون».