انشغلت الأوساط الدولية عموماً والأوروبية خصوصاً بالزيارة المفاجئة للمستشار الألماني أولاف شولتز الى الصين، وما رافقها من مواقف ألمانية تدعو للاستثمار على دور الصين في الوساطة مع روسيا من جهة، ولبناء علاقات تعاون اقتصادي مفتوحة مع الصين. وتحدث المصادر الألمانية المرافقة لشولتز عن اعتراضات أميركية وأوروبية، ومنها مواقف لوزيرة الخارجية الألمانية لخطوة شولتز، خصوصاً بعد مصادقته على بيع حصة كبيرة تعادل ربع الأسهم من مرفأ هامبورغ الألماني لشركة صينية، وتحدث الإعلام الأوروبي عن رفض شولتز عرض الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على شولتز أن يترافقا معاً في الزيارة لإعطائها الطابع الأوروبيّ، معتبراً العرض محاولة لتمييع وظيفة الزيارة التي يريدها شولتز إعلان انفتاح على دور سياسي واقتصادي للصين بصفتها دولة عظمى. وحضرت قراءة الزيارة في الصحف الأميركية بصفتها تعبيراً عن ظهور أولى علامات الإعياء على أوروبا واقتصادها تحت وطأة تكاليف الحرب في أوكرانيا والخصومة مع روسيا.
إقليمياً لفت الاهتمام، الكلام الصادر عن مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، الإمام علي الخامنئي في ذكرى اقتحام الطلاب الإيرانيين للسفارة الأميركية في طهران، ليلاقي الكلام الروسي الصيني في قراءة المشهد الدولي المتغير، مع تقديم شرح مفصل من زوايا جديدة لفهم المتغيرات، ومما قاله الخامنئي أن «النظام العالمي الحالي في حالة تغير، وسوف يسود نظام جديد». وقال إن «هناك ثلاثة خطوط عريضة في هذا النظام الجديد، وهي انزواء أميركا، وانتقال القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية من الغرب إلى آسيا، وانتشار فكر المقاومة وتوسّع جبهتها مقابل الغطرسة».
لبنانياً، مع استمرار الغموض حول آفاق الخروج من المأزق الرئاسي والعجز الحكومي، بعدما سحب رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوته للحوار، في ظل المواقف المعلنة لبكركي خصوصاً وكتلتي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، جاء الإشكال الذي شهدته استديوهات قناة أم تي في خلال برنامج صار الوقت، بين جمهور المشاركين في البرنامج، وتدخل جهاز أمن القناة في الإشكال، وتبادل التيار الوطني الحر والقناة الاتهامات بالمسؤولية عن الإشكال، بعدما وضع الجيش حداً للإشكال الأمني ووضع القضاء اليد على البتً بتحديد المسؤوليات، بينما فتح الإشكال العين على مستوى التشنّج الذي يهدّد بأكثر من حادث أمني، وفرض الدعوة لتهدئة الخطاب السياسي، والابتعاد عن الحقن والتحريض الذي يهدد الاستقرار، ويشارك فيه أغلب الأطراف ولا يتورّعون عن منحه البعد الطائفي.
لم يمر الأسبوع الأول من الشغور في سدة الرئاسة الأولى على خير، فقد عاد الأمن الى الواجهة ليملأ الفراغ الرئاسي الذي يترافق مع وجود حكومة تصريف أعمال متنازع على دستوريتها وشرعيتها، وقد شاهد اللبنانيون نموذجاً من التفلت الأمني على الهواء في استديو «أم تي في» بين مناصري التيار الوطني الحر ومناصري النائب وضاح الصادق، فيما يستمرّ المجلس النيابي بعجزه عن انتخاب رئيس للجمهورية بسبب تشتت الكتل النيابية وصعوبة اتفاق 4 أو 5 كتل على مرشح، ما يزيد المخاطر من حصول أحداث أمنية متنقلة في مناطق مختلفة مع توافر مؤشرات أمنية مقلقة تمثلت باكتشاف الأجهزة الأمنية شبكات إرهابية تتحرّك على الحدود اللبنانية السورية وبعض الأفراد بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي ويزداد الخطر في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وقد حذرت مصادر مطلعة عبر «البناء» من خطر استغلال جهات داخلية وخارجية الفراغ السياسي والاشتباك الطائفي حول صلاحيات الحكومة المستقيلة في إدارة شؤون البلد، والظروف الاقتصادية والاجتماعية، لمحاولة إشعال الوضع الأمني وتهديد الاستقرار الأمني الذي نعم به لبنان خلال العام الماضي، وتحقيق أهداف سياسية مبيّتة. مشيرة الى أن الأجهزة الأمنية لا سيما الجيش اللبناني سيكون لهم دور كبير في حماية السلم الأهلي.
كما حذّرت من محاولة بعض الجهات الإقليميّة من إدخال لبنان في توتر سياسي ببعد طائفي ومذهبي للتشويش على إنجاز ترسيم الحدود الذي تحقق بوحدة المعادلة الذهبية الجيش والشعب والمقاومة والدولة. وتشير الى ما كان قد حذر منه قائد الجيش العماد جوزاف عون قبل أيام من محاولات لضرب الأمن، وتشديده على أن الجيش لن يسمح باستغلال حالة الفراغ لاستهداف الأمن.
وتفاعل الإشكال الذي حصل داخل استديو محطة «ام تي في» وخارجه مساء الخميس الماضي بين مناصري التيار الوطني الحر ومناصري النائب وضاح الصادق، على المستويين السياسي والقضائي والإعلامي، في ظل اتهامات متبادلة بين التيار وإدارة المحطة بتدبير هذا الإشكال لأهداف سياسية.
وتوقعت أوساط سياسية عبر «البناء» أن تتحرك ملفات عدة أمنية وقضائية دفعة واحدة وكانت نائمة في الأدراج، وذلك لخلق حالة توتر وضغط سياسية الى الحد الأقصى لاستخدامها في التفاوض في الاستحقاق الرئاسي.
وإذ أشار الإعلامي مارسيل غانم الى انه تقدم بدعوى قضائية ضد التيار، متهماً إياه بالتخطيط للهجوم على المحطة بهدف شد العصب الطائفي للتيار في الساحة المسيحية، كشف مصدر نيابي في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن مناصري التيار الذين كانوا يشاركون في حلقة «صار الوقت» تعرضوا لكمين محكم ومدبّر من القناة والقيمين السياسيين على البرنامج والمحطة داخل الاستديو واستكمل خارجه، موضحة أن أغلب الجرحى هم من طلاب الجامعات ما يدحض كل الحديث عن وجود حرس قديم للتيار ومناصرين أتوا من خارج المنطقة لتنفيذ مخطط وفق ما ادعى مقدّم البرنامج. متوقفة أمام الكم الكبير من الشتائم والاستهداف والتحريض السياسي الذي تعرّض له التيار ورئيسه جبران باسيل والرئيس ميشال عون، حيث تم تحميل العهد مسؤولية مسلسل الانهيارات الاقتصادية والمالية والأحداث الأمنية حتى تفجير مرفأ بيروت، ما يجافي الحقيقة ويمنح صك براءة لكل منظومة الفساد وتدمير لبنان منذ عقود واستكملت هذا التدمير بوضع عراقيل أمام مسيرة العهد في الإصلاح ومكافحة الفساد وبناء الدولة.
وكشف المصدر أيضاً عن وجود مسلحين تابعين لحماية المحطة وعمدوا الى اطلاق النار في الهواء لإرهاب مناصري التيار، داعياً القوى الأمنية والأجهزة القضائية الى تفريغ محتوى كاميرات المراقبة في المنطقة بداخل الاستديو وخارجه لكشف حقيقة ما حصل. مشدداً على أن الوقائع الأولية تكشف عكس ما تم بثه من أكاذيب وتلفيق.
أما الهدف من افتعال هذا الاشتباك الأمني، فيعزو المصدر السبب الى استكمال استهداف التيار سياسياً بعدما أصيبوا بصدمة بالمشهد الذي شهده محيط قصر بعبدا أثناء انتقال الرئيس ميشال عون الى الرابية، فأرادوا احتواء هذا المد الشعبي الكبير الذي سيصرف ويترجم في السياسة في القريب العاجل لا سيما في الاستحقاقات الرئاسية والحكومية المقبلة، وأكد المصدر العوني أن المعركة مع المنظومة لم تنتهِ بخروج الرئيس عون من قصر بعبدا، بل ستبدأ وستتجسّد بمراحل ومواقع عدة.
وإذ علمت «البناء» أن أحد كوادر التيار الوطني الحر سيعقد مؤتمراً صحافياً لشرح ملابسات الحادث، وموقف التيار منه، أشار المصدر أن التيار لم يقرر الخطوات الذي سيلجأ اليها لتبيان الحقيقة والادعاء على إدارة القناة بسبب تهجمهم على مناصري التيار.
وحضرت حادثة «أم تي في» والوضع الأمني عموماً، في اجتماع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية والبلديات بسام مولوي الذي شدد على «الامساك بالأمن خصوصاً في هذه المرحلة». كما اجتمع ميقاتي مع وزير الإعلام زياد مكاري وتم البحث في شؤون سياسية وإعلامية.
ومن المتوقع أن يؤدي مؤتمر إحياء الذكرى الـ33 لتوقيع اتفاق الطائف الذي ينظمه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، الى مزيد من التوتر الطائفي والسياسي في ظل الاتهامات التي توجهها السعودية وحلفاؤها في لبنان لقوى أخرى كحزب الله والتيار الوطني الحر بالمسّ بالطائف.
وعلمت «البناء» أن السفير البخاري سيوجه رسائل عالية السقف للتأكيد على الحضور السعودي المباشر بالساحة السياسية اللبنانية وبأن المملكة هي المرجعية للطائفة السنية في لبنان ولا تعترف بأي قيادة أخرى، ما يعني تكريس السعودية كأمر واقع بحيث تجري مفاوضاتها في الاستحقاقات والملفات لا سيما رئاسة الجمهورية، وليس كما كان سائداً في السابق حيث كان الرئيس سعد الحريري وقوى أخرى وكلاء للسعودية في لبنان. كما سيحذر البخاري الأطراف اللبنانية وجهات خارجية منها فرنسا من أي مس باتفاق الطائف لكونه المظلة الوحيدة المتبقية لضمان استمرارية مصالحها وحضورها ومشاركتها في النفوذ في لبنان وذلك بعد إقصاء الحريري وتشتت القوى السنية بين ولاءات وانتماءات عدة، ولذلك تريد السعودية اظهار أن أغلب النواب السنة تحت لواء السفارة السعودية في لبنان.
وعلمت «البناء» أن الضغوط السعودية نجحت بتأمين حضور أغلبية النواب السنة لحضور المؤتمر باستثناء البعض الذين لا يوافقون على السياسة السعودية في لبنان والذين سبق وقاطعوا اجتماع السفارة السعودية منذ حوالي الشهر.
ويحضر المؤتمر نواب سنة ومن طوائف أخرى، وشخصيات سياسية شاركت في الطائف كالأخضر الإبراهيمي.
وكان ميقاتي استقبل أمس السفير البخاري وبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين. كما تطرق البحث الى موضوع «اتفاق الطائف»، في ضوء اللقاء الذي تقيمه السفارة اليوم.
وفي موقف أميركي لافت، اعتبرت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، أنّ «الوضع في لبنان قد يزداد سوءًا، مع فراغ غير مسبوق في السلطة».
وذكرت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، في حديث لصحافيين، «أنّني لا أجادل في أن «حزب الله« يمكن أن يكون براغماتياً أحياناً ولكنني لست في موقع يمكن أن يقيم مدى براغماتيتهم في موضوع اتفاق الترسيم لأننا لا نتحدث معهم ولا حتى عبر وسطاء».
في غضون ذلك، لم يسجل المشهد الرئاسي أي جديد، في ضوء المراوحة التي أظهرتها وقائع ومواقف الكتل النيابية في جلسة مناقشة رسالة الرئيس عون الى المجلس النيابي، والتوتر السياسي والطائفي الذي رافقها.
وأشارت أوساط سياسية لـ»البناء» الى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري سيستمر في مساعيه لإدارة حوار بالمفرق بين القوى السياسية على أن يتولى حزب الله التواصل والحوار مع الرئيس عون والنائب باسيل، لمحاولة التوصل الى قواسم مشتركة للاستحقاق الرئاسي ومواصفات موحدة لمرشحين يجري تسويقهم لدى الأطراف الأخرى. لكن الأوساط استبعدت أن يتغير المشهد الرئاسي حتى جلسة الخميس المقبل التي دعا اليها الرئيس بري. متوقعة استمرار الفراغ لأشهر عدة قبل أن تتوافر ظروف داخلية وإقليمية ودولية مساعدة لانتخاب الرئيس، متوقعة أن يتحرك الملف الرئاسي جدياً بعد الانتخابات النصفية الأميركية وتبلور المشهد الإقليمي لا سيما المفاوضات حول الملف النووي الإيراني.
وعلى الرغم من الحراك الذي يدور على خطوط القاهرة والرياض وطهران وباريس، لمحاولة إيجاد مساحة مشتركة بين اللبنانيين حيث يجري البحث في مجموعة أسماء وفق معلومات «البناء»، توقع مصدر ديبلوماسي سابق لـ»البناء» أن يتريث الخارج بالتدخل الفعلي لإيجاد حل للأزمة اللبنانية بسبب انشغال قوى إقليمية ودولية بالصراعات والحروب وأزمة الطاقة العالمية، ومشيرة الى أن استمرار قوى سياسية وكتل نيابية على مواقفهم من ترشيح مرشح معين يعكس عدم حماسة الخارج للتدخل المباشر.
وإذ نقل عن باسيل قوله إن تكتله النيابي لن يصوّت بورقة بيضاء في الجلسة المقبلة، نفت مصادر التيار الوطني الحر عبر «البناء» هذا الأمر، موضحة أن التكتل لم يحسم موقفه بعد، على أن يحدد توجهه بعد اجتماع التكتل الثلاثاء المقبل.
وشدد البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الى أن «مقدمة الدستور تشير الى أن لا شرعية لسلطة تناقض الذي هو العيش معًاً مسيحيين ومسلمين بالاحترام المتبادل، وضمانة عقيدة كل دين وممارساته وتقاليده، والمشاركة المتوازنة في الحقوق والواجبات، وفي حكم البلاد وإدارة الدولة. انه الحوار اليومي بين المسلمين والمسيحيين القائم على ثلاثة: حوار الحياة، وحوار الثقافة، وحوار المصير. هذا العيش المشترك في لبنان يتعثّر حاليًا لان قاعدة لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه كما تعلنه مقدمة الدستور، لم يواكبه بكل أسف لدى البعض من شعبه «الولاء للبنان دون سواه».
في المقابل رأى رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله»، الوكيل الشرعي العام للسيد علي الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك ان «وضعنا بعد الفراغ الرئاسي ليس على ما يرام، فالحاجة والضرورة تقتضيان إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالتفاهم والتوافق، على الشخصية التي تلبي طموح اللبنانيين، بالحماية والعدالة والإنصاف، لا يكون مرتهناً للإملاءات من الداخل أو الخارج، لا يهاب في مصلحة وطنه أحداً، قادر على إخراج الوطن من الأزمات، التي تتفاقم في جميع المرافق الحياتية، وفي مقدمتها المعيشية والمالية، بالانفتاح على دول العالم بشرقه وغربه، باستثناء الكيان الصهيوني المؤقت الغاصب لفلسطين».
على صعيد آخر، توفي جريح جديد من جرحى انفجار مرفأ بيروت، وهو شهيد الدفاع المدني عبد الرحمن بشيناتي.
وتوعّد المتحدّث باسم «تجمع أهالي شهداء وجرحى ومتضرّري انفجار مرفأ بيروت»، ابراهيم حطيط السلطة بتحركات صاعقة «نشلّ به حركة مطار بيروت الدّولي بأيّ وقت من الأوقات، ما لم نلمس تجاوبًا قريبًا».
الرئيسية / صحف ومقالات / البناء: تصدع الاتحاد الأوروبي من بوابة العلاقة بالصين: ألمانيا تتميز تحت ضغط الأزمة الخامنئي: العالم يتغير بتراجع أميركي وانتقال الثقل الاقتصادي الى آسيا وصعود المقاومة اتهامات متبادلة في إشكال أم تي في والملف عند الجيش والقضاء… ودعوات للخطاب العقلاني