في سياق متدرّج وبخطوات مدروسة، يسير “التيار الوطني الحر” باتجاه إعادة تشكيل صورته على صورة قوى “الأمر الواقع” الخارجة عن القانون والشرعية، وفق أجندة “غوبلزية” ممنهجة تحاكي نقل “بارودة” الدعاية الشعبوية إلى الشارع في محاولة يائسة لاستثارة العصب المسيحي بعدما فشل في استدراج البيئة المسيحية إلى شعبويته السياسية والرئاسية، فانتهى إلى ما انتهى إليه من خيبات ونكسات متتالية أخرجته عن سكّة تكريس هيمنته الشرعية على السلطة التنفيذية بشقيها الحكومي والرئاسي، بعدما انكسر مقود التحكم بإدارة الدولة تحت قبضته مع لحظة خروج العماد ميشال عون من قصر بعبدا.
وضمن هذا السياق المتدرّج، يتدحرج باسيل في قيادة التيار العوني من أعلى هرم الجمهورية إلى ميدان الشغب والتخريب واستعراض العضلات الميليشيوية تحت لواء “الحرس القديم”، ساعياً إلى استنساخ صورة “القمصان السود” بصبغة برتقالية في الوسط المسيحي، وقد بدأ هذا المظهر المليشيوي بالتجلي أكثر فأكثر مع بدء العد العكسي لنهاية الولاية الرئاسية العونية، خصوصاً من خلال تعمّد تظهير صورة نائب “التيار الوطني” شربل مارون متوسطاً مجموعة من المسلحين بزي عسكري موحّد وبعضهم ملثمون يرفعون الرشاشات وشارة “التيار” لمناسبة ذكرى 13 تشرين الأول، مروراً بمحاولة استدراج الشارع المسيحي إلى إشكالات مفتعلة من خلال تنظيم احتفالات استفزازية في 30 تشرين الأول على طول الطريق من بعبدا إلى الرابية، وصولاً أخيراً إلى “اقتحام” النائب مارون نفسه على رأس مجموعة من عناصر ميليشيا “الحرس القديم” استديو برنامج “صار الوقت” مساء الخميس وتوليهم مهمة التعدي على جمهور البرنامج وفريق عمل قناة “أم تي في” وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة في المبنى ومحيطه.
وجزم الزميل مارسيل غانم لـ”نداء الوطن” أنّ ما حصل أتى نتيجة “تحضير مسبق للإشكال” قبل انطلاق الحلقة، سواءً من خلال “رسائل التهديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو التواجد بكثرة في محيط الاستوديو”، كاشفاً (ص 5) أنه عندما استشعر خطورة ما يتم التحضير له في هذا المجال أعاد تنبيه ضيفه النائب شربل مارون إلى ضرورة الالتزام بما جرى الاتفاق عليه مسبقاً لناحية عدم جواز تواجد هذا العدد الكبير من “الحرس القديم” ووجوب العمل على ضبط أي تحركات مشبوهة من قبلهم، لكن سرعان ما تم افتعال المشكل وتسارعت الأمور لتتحول من شتائم إلى تضارب داخل الاستوديو ثم إلى شغب وتكسير وتخريب في الخارج.
وشدد غانم على أنّ الأمور تخطت محاولة التعرّض له ولبرنامج “صار الوقت” لتشكّل إستهدافاً واضحاً لمحطة “أم تي في” التي ترفع الصوت في وجه “جميع القوى الإلغائيّة في البلد، وتحديداً “التيار الوطني الحر” وحلفائه”، معتبراً أنّ باسيل “وجد الوقت مناسباً من أجل الإعلان عن الميليشيا المسلحة خاصته من خلال برنامج تلفزيوني هو الأكثر مشاهدة، محاولاً بذلك شدّ عصب مجموعته المتوجسة من المحاسبة مع إنتهاء العهد، عبر إبراز قوته المسلحة على الأرض وأمام الناس، وإيصال رسائل ترهيبيّة تتوعد جميع الذين يطالبون بمساءلة “التيار الوطني” ومحاسبته”.
وإذ تساءل عن مخططات باسيل والتصرفات التي كان ليقدم عليها في حال نجاجه في التمديد لعمر “العهد”، رأى غانم أنّ إعلانه عن “الميليشيا” يتماهى مع محاولاته المتكررة لإطالة مفاعيل عهد الرئيس السابق ميشال عون، ولفت في هذا الإطار إلى أنّ باسيل وجد المناسبة مؤاتية عبر “صار الوقت”، من أجل إظهار صورة تياره المليشيوية بغية “رفع معنويات جمهوره المنهارة، ومحاولة إثبات الوجود (…) على الرغم من رحيل الرئيس عون”.