قد لا تكون الصورة السلبية التي صدرتها “حفلة” شغب غوغائي اتخذ المتورطون فيها محطة “ام تي في” التي نالها ما نالها مع الاعلام الحر من ممارسات القمع في زمن الوصاية السورية مسرحا لاثارة مزيد من القتامة، في مستوى اثارة القلق الجدي على الاستقرار الأمني بدليل التدخل الخاطف للجيش وانهائه ذيول الشغب بسرعة. ومع ذلك يصعب تجاهل اعتداء موصوف على محطة تلفزيونية ووسيلة إعلامية بارزة وسط هذه الظروف من دون التحذير الصريح من ان الاعتداء الذي استهدفها يتجاوز بتداعياته التقليل من الأهداف الخفية لاثارة الشغب، علما ان هذه الريبة غدت مشروعة اكثر في ظل امتناع الجهة الحزبية – السياسية المتورطة في الاعتداء على “ام تي في”، أي “التيار الوطني الحر” عن الإقرار بتبعة الجماعات التي من صفوفه في اثارة الشغب والامعان في ترسيخ سياسات رمي التبعات والاتهامات على الاخرين. في أي حال رسمت الترددات الواسعة السلبية سياسيا واعلاميا واجتماعيا حيال هذا الاعتداء مزيدا من الغموض حيال الحقبة السياسية المشدودة والمتوترة التي بدأت البلاد تتخبط في ظلها مع توغل الفراغ الرئاسي تباعا نحو مراكمة الزمن الضائع فيما تتفاقم الازمات والمشكلات في كل الاتجاهات. ولكن ما يسترعي الاهتمام في هذا السياق ان الوضع في #لبنان بدأ يوسع دائرة المواقف والمعطيات الخارجية التي تنبئ بتركيز خارجي متعاظم على ازمة الفراغ الرئاسي وهو الامر الذي يترجمه المنتدى اللافت الذي تنظمه السفارة السعودية في بيروت في قصر الاونيسكو لمناسبة الذكرى ال٣٣ لاتفاق الطائف الذي يطلق رسالة ودلالات بارزة حيال الاتجاهات السعودية والعربية عموما في حماية الميثاق والتزام الدستور ورفض أي مس بهما .
كما ان تطورا مهما اخر برز امس في اطلاق السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا مواقف مهمة من الواقع اللبناني في ندوة صحافية دعت فيها الى “الاستفادة من مومنتوم الترسيم ووحدة الموقف والهدف من اجل التقدم الى الامام مع المكونات الاخرى في سلة متكاملة يقدمها لبنان الى المجتمع الدولي . هذه السلة تضم الى اتفاق الترسيم الحدودي انجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الاصلاحات الضرورية واتخاذ الخطوات التي تلبي اتفاق استجرار الغاز بالاضافة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة يعملان مع مجلس النواب من اجل انهاض لبنان مضيفة ضرورة تأمين استقلالية القضاء أيضا”. واذ رفضت الدخول في هوية الرئيس المقبل قالت “اننا نركز على المواصفات التي نراها اولا في وضع مصلحة لبنان اولا قبل اي مصلحة شخصية او حزبية او طائفية وثانيا يمكن ايجاد شخص يتمتع بمؤهلات حل المشكلات ومعالجة التحديات وبناء التحالفات التي يحتاج البلد الى بنائها في الداخل من ضمن الاليات الحكومية ومع المجتمع الدولي . مرشح مؤهل للتعاطي مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . وثالثا ان يكون غير ملوث بالفساد”. وعن سؤال اذا كان جبران باسيل يشتري وقتا لرفع العقوبات عنه قالت شيا “تحدثت بشكل رسمي حول هذا الأمر و حاولت أن أنقل بصراحة تامة أن العقوبات الأميركية تستند إلى قانون الولايات المتحدة ، وبالتالي ، لا ينبغي لأحد أن يستنتج ذلك كجزء من سياسة صفقة . هذه ليست الطريقة التي يعمل بها القانون الأميركي. وكما قلت من قبل، نحن لسنا رخيصين”. وعن قول باسيل ان السفيرة الاميركية سبق ان نقلت اليه طلبا بالانفصال عن ” حزب الله” قبل العقوبات قالت شيا “الولايات المتحدة ليست معتادة على الكشف عن تفاصيل محادثاتنا الديبلوماسية. هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها باسيل عن بعض الأحاديث التي أجريتها معه قبل تعيينه. عندما تحدث في ذلك الوقت ، سرب بشكل انتقائي حول تلك المحادثات. حقيقة الأمر كانت هناك ساعات طويلة من المحادثات. ولذا أفضل أن أترك الأمر عند ما قلته. وقد تحدثت بشكل رسمي ، على الفيديو ، لأقول أن بإمكان شخصين لعب تلك اللعبة إذا أردنا التسريب بشكل انتقائي. لكن هذا في الحقيقة ليس عادتنا أو ما نفضله.”
وعن اتفاق الطائف قالت “لقد عملت عن كثب مع نظيري السعودي ، وليد بخاري ، وأعتزم الاستمرار في ذلك. أعتقد أن لدينا الكثير من المصالح والقيم المشتركة هنا في لبنان. كلانا يريد أن يرى هذا البلد يعود إلى نقطة الازدهار والاستقرار. من المهم عندما يتعلق الأمر بالطائف ، فإن الولايات المتحدة هي أيضًا من مؤيدي الطائف. كان سلفي الذي كان سفيراً في ذلك الوقت هناك في الطائف حيث كان يجري التفاوض ، لأسابيع عدة ، كما أفهمها. وما زلنا نؤمن بالطائف نصا وروحا”.
المشهد الداخلي
بالعودة الى الداخل وفيما ترددت اصداء سياسية وإعلامية واسعة منددة بالتعرض للحريات #الإعلامية وبالفوضى التي شهدتها محطة “ام تي في” مساء الخميس بفعل عراك بين مناصري “التيار الوطني الحر” ومواطنين اخرين عبر برنامج “صار الوقت” اجتمع امس رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي وتم البحث في الوضع الامني من كل جوانبه وعمل وزارة الداخلية. وشدد مولوي على “الامساك بالأمن خصوصا في هذه المرحلة”.
وتتجه الأنظار قبل ظهر اليوم الى قصر الاونيسكو حيث يعقد منتدى احياء الذكرى الـ33 لتوقيع اتفاق الطائف الذي تنظمه السفارة السعودية ودعي اليه عدد كبير من الشخصيات السياسية والديبلوماسية والاجتماعية وسيكون من المتحدثين البارزين فيه الأمين العام سابقا للجامعة العربية الأخضر الابراهيمي الذي كان له دور بارز في التوصل الى اتفاق الطائف كما ستكون كلمة للسفير السعودي وليد بخاري وصفت بانها على مستوى بارز من الأهمية. وعشية هذا المؤتمر زار السفير بخاري امس الرئيس ميقاتي في السرايا الحكومية .
اما في المواقف من الاستحقاق الانتخابي، فرأى رئيس الهيئة الشرعية في “حزب الله”، الوكيل الشرعي العام للسيد علي الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك ان “وضعنا بعد الفراغ الرئاسي ليس على ما يرام، فالحاجة والضرورة تقتضي إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالتفاهم والتوافق، على الشخصية التي تلبي طموح اللبنانيين، بالحماية والعدالة والإنصاف، لا يكون مرتهنا للإملاءات من الداخل أو الخارج، لا يهاب في مصلحة وطنه أحداً، قادر على إخراج الوطن من الأزمات، التي تتفاقم في جميع المرافق الحياتية، وفي مقدمتها المعيشية والمالية، بالانفتاح على دول العالم بشرقه وغربه، باستثناء الكيان الصهيوني المؤقت الغاصب لفلسطين
الراعي في البحرين
وفي ظل هذه الأجواء التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، خلال استقبال الملك لرؤساء الكنائس المشاركين في أعمال “ملتقى البحرين للحوار”، حيث دار الحديث بينهما عن الأوضاع في لبنان. وقد شدد ابن عيسى على محبته وقربه من لبنان وشعبه، معرباً عن أسفه لما بلغت اليه الحال فيه. وأضاف متوجها الى البطريرك الراعي “نحن نتابع مواقفكَ وكلماتكَ ونرى فيها مصلحة كبرى للبنان هذا البلد الذي يسبب لنا وضعه الحالي جرحا في القلب”، مؤكداً أنّ “نحن العرب لن نترك لبنان الذي نحبه كثيراً”.
من جهته، قال الراعي “اختبار العيش المشترك في لبنان، من حيث آتي، قائم على نظامه السياسي، اذ نقرأ في مقدمة الدستور:” لا شرعية لسلطة تناقض الذي هو العيش معًا مسيحيين ومسلمين بالاحترام المتبادل، وضمانة عقيدة كل دين وممارساته وتقاليده، والمشاركة المتوازنة في الحقوق والواجبات، وفي حكم البلاد وادارة الدولة. انه الحوار اليومي بين المسلمين والمسيحيين القائم على ثلاثة: حوار الحياة، وحوار الثقافة، وحوار المصير. هذا العيش المشترك في لبنان يتعثّر حاليًا لان قاعدة ” لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه “. كما تعلنه مقدمة الدستور، لم يواكبه بكل اسف لدى البعض من شعبه “الولاء للبنان دون سواه”. تجدر الاشارة الى ان العيش المشترك قائم على التعددية الثقافية والدينية، وقد اقره الميثاق الوطني سنة 1943، وكرّسه اتفاق الطائف سنة 1989، ودخل في صلب الدستور اللبناني”.