دخول البلد في الشغور والمطالبة شبه اليومية للعديد من القوى السياسية الحريصة والمرجعيات الروحية وسائر شرائح المجتمع اللبناني بضرورة إنهاء هذا الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية يساعد على انتظام مؤسسات الدولة ويسهم بإعادة النهوض الاقتصادي، لم يغيّر شيئاً من واقع الحال الذي بات واضحاً فيه بأن لا فريق يملك أكثرية قادرة على إيصال رئيس يمثله، وبالتالي لا بديل عن التسوية والرئيس التوافقي. وهذا الأمر أعاد التأكيد عليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد زيارته عين التينة أمس، بأن الاتفاق مع الرئيس نبيه بري كان على ألا يكون ثمة مرشح تحدٍ.
في هذه الأثناء، لا تزال مواقف القوى السياسية على حالها، ويستمر الفريق السيادي وبعض الحلفاء من النواب المستقلين بدعم مرشحهم النائب ميشال معوض، فيما تبقى الورقة البيضاء خيار فريق 8 آذار حتى إشعار آخر الى حين اتضاح موقف التيار الوطني الحر الذي يبدو انه سيكون له مرشحه في المرحلة المقبلة.
في هذا السياق، كشف عضو “تكتل لبنان القوي” النائب سيزار ابي خليل عن وجود رأيين داخل التكتل، الأول يشدد على استمرار التصويت بالورقة البيضاء لأن هناك مجالاً للتفاهم على مرشح إجماع، والثاني بوجوب تسمية مرشح والتصويت له في الجلسة المقبلة يكون أفضل للتيار الوطني الحر الذي يمتلك أكبر كتلة نيابية.
أبي خليل لفت في حديث الى جريدة “الانباء” الالكترونية الى أن اجتماع التكتل غداً الثلاثاء سيناقش هذا الموضوع وسيتخذ قراره المناسب بشأنه، مشيراً الى أن أياً من الفريقين مأزوم حتى ولو تمكن من الحصول على 65 صوتاً، حيث يبقى عليه تأمين أكثرية الثلثين أي 86 صوتاً، مؤكداً أن فريقه السياسي قادر على جمع 65 صوتاً كما حصل في معركة نائب الرئيس الياس بو صعب والنائب الان عون، لكنه حتماً لن يؤمن نصاب الثلثين لأن الفريق الآخر لن يمنحه هذه الاكثرية من دون التنسيق معه. ونحن بدورنا سنتخذ الموقف نفسه تجاههم اذا استمروا بمرشح تحدٍّ.
واعتبر أبي خليل أنه “من المؤسف أن لا جديد حتى الساعة والأمور ما زالت تراوح مكانها خصوصا وأن الجميع قادر على تعطيل النصاب”، لكنه قال إن “التيار الوطني الحر عندما طرح التوافق كان يعرف الأجواء التي على الأرجح ستكون لصالحه“.
وحول ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، كرر ابي خليل موقف تكتله بعدم التصويت له، رغم أنه “في المواقف الاستراتيجية نعرف أين يتموضع فرنجية، لكن في الأمور الحياتية لا نعرف موقفه من التدقيق الجنائي ومحاربة الفساد وادارة الدولة وتطوير النظام، فانتخابه يعيدنا الى المنظومة ذاتها“.
وفي رده حول إخفاق العهد بتنفيذ الاصلاحات طوال السنوات الست الماضية، قال ابي خليل إنه “في السنوات الثلاثة الأولى تمت بعض الإنجازات، ولكن بعد 17 تشرين وأزمة كورونا وانهيار الاقتصاد وصلنا الى جهنم”، متمنياً “العودة الى نظام ما قبل التسعين يوم كان رئيس الجمهورية لديه صلاحيات واسعة“.
على خط آخر، نوّه النائب السابق أنيس نصّار مع “الانباء” الالكترونية بمناسبة إحياء منتدى الطائف في قصر الاونيسكو التي أتت بعد الحديث عن إلغاء اتفاق الطائف، مثنياً على مداخلة جنبلاط التي جاءت بمحلها.
وقال نصار إن “ميزة وليد جنبلاط أنه تحدث بواقعية عن تلك المرحلة وكان من الضروري التذكير بها في وقت يتعرض الطائف للمزايدات من قبل البعض والتي وصلت الى حد المطالبة بإلغائه”، مضيفاً “من المؤسف أن هناك جمراً تحت الرماد، وهناك من يطالب بالمثالثة وبمؤتمر تأسيسي ومن يريد تعديل الطائف لاسترجاع صلاحيات رئيس الجمهورية”، مذكراً بأن “هذا المؤتمر أتى بعد سقوط 200 ألف شهيد وآلاف الجرحى والمعوقين”، داعياً الى تطبيقه بكل مندرجاته وأبرزها إنشاء مجلس شيوخ وإلغاء الطائفية السياسية وتطبيق اللامركزية الادارية، و”عندما يطبق الطائف بحذافيره تنتفي الحاجة لتعديله أو تطويره“.
اذا في ظل الكباش الحاصل، لا حل طبعاً الا عبر الحوار الذي نُسف بعدما كان الرئيس بري يسعى للدعوة اليه، وقد أوضح بري أمس تفاصيل ما جرى في دردشة مع الاعلاميين، قائلاً: “حاولت استمزاج آراء جميع الكتل قبل توجيه الدعوات بشكل رسمي، وبعد أن اوضحت كتلتان اساسيتان هما القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر رفضهما لفكرة الحوار، تراجعت عن الموضوع حيث وضعت القوات اللبنانية شرطا تعجيزيا وهو دعوة 128 نائب الى جلسة الحوار فيما تحفظ التيار عن الطرح”، مشدداً على ان “التراجع عن فكرة الحوار لا يعني نعيا للتوافق السياسي. وقد أعلنت انه سيكون هناك جلسة انتخابية كل أسبوع، وعلى الأطراف ان يتشاوروا خلال الفترة الفاصلة بين الجلسة والأخرى للوصول الى التوافق“.
وعليه فإن أبواب الحوار مفتوحة، الأمر الذي أكده جنبلاط أيضاً من عين التينة، ولكن الطابة هي في ملعب الآخرين ومدى استعداد الجميع للجلوس على طاولة واحدة والبت بمصير الاستحقاق الرئاسي وسواه.