صحيح أن فراغ 2022 الذي دخلته البلاد مع انتهاء عهد الرئيس ميشال عون لم يكُن الأول في تاريخ لبنان، لكنه شكّل محطّة بارزة في عملية استنزاف النظام القائم بتركيبته السياسية – الطائفية والمذهبية راسماً صورة قاتمة للمستقبل، بعدما ظهّرت هذه الأزمة مكامِن خلل لم تعُد تنفع معها أي «إسعافات» في ظل واقع اقتصادي بالغ الدقة. وعشية دخول الفراغ أسبوعه الثالث، أكدت الجلسة الخامسة التي التأمت أمس في مجلس النواب «عقم» المجلس الذي يحول دون استيلاد رئيس جديد، حيث تحولت الهيئة العامة من هيئة انتخابية إلى هيئة لمناقشة مواد الدستور أنتجت نقاشاتها خلافاً حول «نِصاب الانتخاب» و«نصاب الحضور» ومشاهد متكررة لم يتغيّر فيها سوى تراجع في عدد الأوراق البيضاء وظهور أسماء جديد كاسم الوزير السابق زياد بارود الذي سمّاه نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، وزياد الحايك، مع بقاء اسم عصام خليفة الذي سمّاه عدد من نواب «التغيير»، بينما عمد البعض الآخر بالإضافة إلى النواب السنة المستقلين إلى التصويت بورقة كُتب عليها «لبنان الجديد» وورقتين واحدة «لأجل لبنان» وأخرى ملغاة باسم «الخطة ب». أما النائب ميشال معوض فحصل على 44 صوتاً (نواب القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب الكتائب، كتلة التجدد، وعدد من النواب المستقلين) وكان بالإمكان أن يحصل على 4 أصوات من نواب «التغيير» غابوا عن الجلسة.
ما حصل أمس، يُمكن أن تكون له تداعيات أو تنتج منه تطورات في أي جلسة مقبلة، بخاصة بعدَ الخلاف الذي حصل حول نصاب الانتخاب والحضور، بعدَ أن تقدّم النائب ملحم خلف بمطالعة مقترحاً خلالها أن لا يتمّ اعتماد نصاب الثلثين، فرد رئيس مجلس النواب نبيه بري «أنت تطرح شيئاً غير وارد»، قبل أن يطير النصاب ويرفع بري الجلسة إلى الخميس المقبل. ما حصل من سجال حول المواد الدستورية يؤشر إلى تطورات قد لا تكون في مصلحة فريق 8 آذار، بخاصة إذا أصر المجلس على انتخاب الرئيس من قِبل ثلثي الحاضرين لا عدد النواب ككل، بالتالي ستكون حظوظ معوض مرتفعة، بخاصة إذا حصل تدخل من الأطراف الخارجية التي تدعمه وضغطت على بعض النواب لانتخابه. وهنا، يأتي دور التيار الوطني الحر الذي سيكون لعدم التزامه الورقة البيضاء في الجلسة المقبلة دور في رفع حظوظ معوض.
وعلى عكس الجو المتوتر في ساحة النجمة، هدأت الاتصالات السياسية التي اختزلها في الأسابيع الماضية حراك تولاه شخصياً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مع باسيل قائم في شكل رئيسي على البحث في إمكانية إبرام تسوية أو اتفاق مع رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية تؤدي إلى انتخابه رئيساً للجمهورية من دون أن يؤدي هذا الحراك إلى نتيجة مع تمسك باسيل بموقفه الرافض، كما كان لبرّي حراك موازٍِ مع رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط لإقناعه بعدم الوقوف ضد خيار فرنجية في حال توافرت ظروف داخلية وخارجية لانتخابه، وفي اليومين السابقين لم تُسجّل في الكواليس السياسية أي مشاورات جديدة مختلفة عن السائد ما يبقي الملف الرئاسي بلا أفق.