فيما تتواصل فصول جلسات انتخاب رئيس للجمهورية في مجلس النواب، والتي تتوالى مشاهدها في التكرار دون نتيجة، يحاول الفريق السيادي التمسك منذ الجلسة الأولى بخيار الذهاب بمرشح واضح انطلاقاً من حسّ المسؤولية الوطنية، فيما الافرقاء الآخرون يعملون على إطالة أمد الشغور الرئاسي عبر إمعانهم في استخدام الورقة البيضاء، أو بوضع أسماء لا قيمة فعلية لترشيحها، ثم تطيير النصاب.
في هذا السياق، أسف عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غياث يزبك لأن “تكون صورة مجلس النواب على هذا النحو، حيث أن دور النائب والمجلس يتم تشويهه بشكل ممنهج”، متسائلا “كيف يمكن أن يكون لنا دولة ووطن وسط هذا المشهد؟“.
النائب يزبك رأى في حديث مع “الانباء” الإلكترونية أن “حزب الله الذي يدير البلد لا يريد أن يفرض سليمان فرنجية على جبران باسيل، ولا يريد أن يُغضب باسيل لأنه يؤمّن له الغطاء المسيحي. أما بقية القوى السياسية فهي بانتظار أن تنضج الطبخة”، وأضاف: “أما المضحك المبكي فهو إدخالهم مفردات جديدة على اللعبة السياسية من خلال القول ان الرئيس المنتخب هو رئيس تحدي بنظرهم، فإلى هذا الحد أصبحت الديمقراطية عرضة للتشويه لا لشيء إلا لارضاء نزواتهم؟ هم باختصار يريدون رئيساً للجمهورية على شاكلة ميشال عون، وليس امامهم سوى سليمان فرنجية او جبران باسيل طيّع ليّن“.
وردا على سؤال حول التواصل مع الرئيس نبيه بري، لفت يزبك إلى أن التواصل قائم لكن “المشكلة أنه يفسر الدستور على طريقته. فهناك عدم وضوح في موضوع الأكثرية والنصاب، لأن الدستور لم يقل لنا ما يجب أن لا نعمل”، مبدياً خشيته من “نفس انقلابي، لكننا في المقابل لن نستسلم لأننا نؤمن بالديمقراطية والشعب اللبناني يستحق أفضل من ذلك بكثير“.
بموازاة ذلك تبقى اهتمامات الناس منصبّة على الجانب المعيشي والاقتصادي الذي يثقل يوميات الحياة، وقد أشار الخبير الاقتصادي والمالي انطوان فرح إلى أن “الوضع الاقتصادي يمضي من سيىء الى اسوأ، وحتى الآن لا توجد إمكانية لوقف هذا الانحدار، فيما الدولار ماض في وتيرته التصاعدية وأسعار السلع والمحروقات إلى ارتفاع، والقدرة الشرائية للمواطنين تتراجع بشكل خطير“.
فرح وفي حديث مع “الأنباء” الإلكترونية، رأى أن “الخروج من الأزمة مرتبط بإمكانية نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وصولا الى خطة التعافي وتمويل هذه الخطة من قبل صندوق النقد الدولي، لكن حتى الآن لا يبدو أن حكومة تصريف الأعمال قادرة على تحقيق الإجراءات المطلوبة لإنجاح هذه المفاوضات، وقد وصلنا الى مرحلة حساسة مع صندوق النقد“.
فرح لفت إلى موضوعين هما “الأكثر حساسية وخطورة: خطة التعافي وهنا نتحدث عن توزيع الخسائر واتخاذ قرار ماذا سيكون مصير المودعين، وإعادة هيكلة المصارف أي ماذا سيكون مصير القطاع المالي والمصرفي”، وأضاف: “الأمران متلازمان ولا نستطيع أن نقوم بمشروع اعادة هيكلة المصارف قبل ان نعرف كيف سيكون مصير توزيع الخسائر وما هي المسؤولية التي تتحملها الدولة التي ارتكبت جرما باعتبارها المساهم الأساسي بالانهيار واعترفت بهذه المسؤولية، وحتى الآن لا تريد أن تشارك بمسؤولية هذا الإنقاذ”، لافتا إلى أن “رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي استدرك هذا الأمر ووعد بروحية جديدة بخطة التعافي لكي تساهم الدولة بالمساعدة بتعويض الودائع لكي تحفظ حقوق المودعين وحقوق الناس. لكن يبدو ان عجز ميقاتي عن الإيفاء بهذا الوعد قد يكون السبب بأن الوفد المفاوض مع صندوق النقد ليس على المستوى المطلوب أو متسامح اكثر من اللزوم او يقدم الوعود ثم يود التراجع، لذلك اليوم بوضع سيء وعلينا ان ننتظر انتخاب رئيس جمهورية لكي يعاد صوغ الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد لكي نصل إلى اتفاق معه“.
وفي ضوء ذلك لا يبدو حتى الساعة أن الأمل كبير بالوصول إلى اتفاق مع الصندوق، وهذا ما يعني للأسف استمرار الانحدار بانتظار عهد جديد وطريقة إدارة مختلفة لمجمل الحياة العامة.