على رتابة مجرياتها ونتائجها المعلّبة سلفاً في صندوق الاقتراع، انعقدت جولة الانتخاب الرئاسي الخامسة منذ انطلاق المهلة الدستورية والأولى بعد شغور سدة الرئاسة الأولى، فجاءت مشهديتها تكراراً واجتراراً لأحداث سابقاتها تحت وطأة استمرار “قوى التعطيل” في خطف الاستحقاق وتكبيله بأغلال التخبط والتناحر بين صفوف مكوناتها، مقابل تجديد قوى المعارضة وحدة صفّها خلف ترشيح النائب ميشال معوض… وما بين الجبهتين يتواصل الأداء الهزلي الهزيل على ضفة “التغييريين” المستغرقين في لعبة “حرق الأصوات” في موقد الشغور ليقدموا عن قصد أو جهل خدمة جليلة إلى قوى السلطة باسم الناس الذين ثاروا عليها.
لكن على رتابتها سجلت وقائع الجلسة الرئاسية الخامسة جملة مؤشرات بالغة الدلالة في الشكل والمضمون، زادت منسوب الضغط على قوى 8 آذار بعدما ارتفع الحاصل الانتخابي لمرشح المعارضة إلى حدود الخمسين صوتاً، مقابل انخفاض مجموع الأوراق البيضاء من 63 صوتاً مع بداية الجولات الانتخابية إلى 47 صوتاً أمس، أما في الشكل فبدأ الضغط الرئاسي ينعكس توتراً ملحوظاً على أداء تكتلات الثامن من آذار في ضوء تضعضع جبهتها الداخلية وضعف حجتها في تبرير عرقلتها للاستحقاق أمام الرأي العام…
حتى رئيس المجلس النيابي نبيه بري بدا أمس فاقداً حنكته المعهودة في إدارة جلسات الانتخاب مع انزلاقه إلى استخدام عبارات لا تليق بموقعه ولا بموقع الرئاسة الأولى حين اعتبر رداً على استفسارات النواب حول “المادة الدستورية” التي يرتكز عليها في تحديد نصاب الثلثين في دورتي انتخاب رئيس الجمهورية أنّ عملية احتساب النصاب تتم بموجب “مادّة إجرها من الشباك“.
أما في جديد بازار الترشيحات “الخلّبية” في صندوق الاقتراع، فزجّ النائب الياس بو صعب باسم الوزير السابق زياد بارود عن حُسن أو سوء نية في “محرقة” تسجيل النقاط، الأمر الذي دفع بارود نفسه إلى التغريد على افتراض “حسن نية الصوت الكريم” ليؤكد أنه ليس معنياً بترشيح لم يعلنه “حتى اللحظة”، مضيفاً: “الرمادية لن تكون في قاموسي، فالترشّح يكون صريحاً ومباشراً أو لا يكون“.
كذلك الأمر، ورداً على الضخّ الإعلامي الممنهج حول تركيب “صفقة” تقوم على انتخاب رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل تسمية السفير نواف سلام لرئاسة الحكومة، بادر سلام إلى دحض هذه الأنباء المفبركة التي “لا علاقة لها بالحقيقة من قريب أو بعيد”، نافياً ما أشيع عن عقده لقاءين مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل سعياً للوصول إلى رئاسة الحكومة، متسائلاً “عمّن وراء هكذا “أخبار” وما الهدف منها ومن ترويجها؟“.
في الغضون، بدأ “حزب الله” يخرق جدار صمته الرئاسي ليحدد على لسان قيادييه المواصفات التي يشترطها في شخص الرئيس المقبل للجمهورية، وأهمها أن يكون على شاكلة الرئيس ميشال عون في الدفاع عن سلاح “الحزب” بغية وقف عرقلة الاستحقاق وتعطيل إنجازه. وبهذا المعنى أتت سلسلة المواقف التي أطلقها نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم ورئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد لتصب في خانة اشتراط انتخاب رئيس جمهورية يكون “منسجماً مع القوى الموجودة في لبنان والممثلة بالمجلس النيابي ولا يكون تابعاً لأميركا” بحسب تعبير قاسم، و”يعترف بالمقاومة وأهمية المقاومة في الحفاظ على سيادة لبنان وحمايتها” وفق ما شدد رعد… بينما اختزل الشيخ نبيل قاووق الموقف من المواصفات التي يطلبها “حزب الله” في شخص رئيس الجمهورية بألا يكون “رئيساً بمواصفات أميركية أو سعودية“.
وفي مستجدات تأثيرات السلاح الميليشيوي المتفلت على الأراضي اللبنانية، برزت أمس حادثة إصابة طائرة تابعة لطيران الشرق الأوسط برصاصة خرقت هيكلها الخارجي وصولاً إلى داخل مقصورة الركاب فيها أثناء هبوطها على مدرج مطار رفيق الحريري الدولي، الأمر الذي بات يهدد حركة الملاحة الجوية باتجاه بيروت في حال قررت شركات الطيران الدولية وقف رحلاتها إلى لبنان خشية تعريض سلامة ركابها للخطر، لا سيما وأنّ رئيس مجلس إدارة “MEA” محمد الحوت أكد لوكالة “رويترز” أنّ “7 أو 8 طائرات أصيبت برصاصات طائشة من مناطق مجاورة لمطار بيروت كل عام، لكن هذه الحادثة هي المرة الأولى التي تصاب فيها طائرة أثناء تحركها”، مشدداً على وجوب “وقف ممارسات إطلاق النار بالهواء في لبنان، خصوصاً في محيط المطار، لأنها تشكّل مصدر خطر على الملاحة الجوية والمطار“.
ولاحقاً، كشف وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي في برنامج “صار الوقت” أنّ التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية حول الحادثة أشارت إلى أنّ “الرصاصة التي أصابت طائرة “MEA” مصدرها منطقة صبرا”، متعهداً مواصلة التحقيقات “لمعرفة هويّة مطلق النار