لم تكن الجلسة الخامسة لانتخاب الرئيس العتيد مغايرة عن سابقاتها، «المسرحية» مستمرة، الممثلون هم انفسهم، دون وجود ابطال وانما كان الجميع «كومبارس» على مسرح «ممل» يستخف بعقول المشاهدين ويلهيهم بنقاشات عقيمة حول نصاب لن يتأمن قبل «نضوج» «طبخة» اقليمية ودولية تبدو انها غير جاهزة بعد فيما البلد يواصل الغرق في ازماته المفتوحة على كافة انواع المخاطر الامنية والاقتصادية.عملية تعطيل الجلسات تكررت، اسماء للحرق في مقابل «الورقة البيضاء»،لا تواصل جديا بين القوى السياسية لايجاد دينامية داخلية تواكب الاستحقاق، الخلافات داخل المعسكر الواحد مستمرة، المعارضات مشتتة، تم تسجيل 44 صوتاً للنائب ميشال معوّض، ونالت الورقة البيضاء 47 صوتاً، وعصام خليفة 6 أصوات، وحملت ورقة واحدة اسم «الخطة ب»، وأُخرى اسم زياد حايك، وثالثة اسم زياد بارود، وضعها نائب رئيس المجلس الياس بو صعب مخالفا قرار رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل الذي تراجع عن التخلي عن «الورقة» البيضاء بعد نصيحة حزب الله، و7 أوراق عبارة «لبنان الجديد»، و «لأجل لبنان» نال صوتاً واحداً.
في هذا الوقت، لا تسويات خارجية في الافق، واشنطن تواصل اقفال «الابواب» امام اي فرصة اقتصادية يمكن ان تريح الوضع الداخلي، وترغب في «اثمان» لا تبدو متاحة في ظل رفض علني من قبل حزب الله لهذه الضغوط التي «التزم» بها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي «غض النظر» عن الهبة الايرانية بعد تبلغه رسميا امس انها تقع ضمن العقوبات. فيما عاد ملف «الترسيم» الى الواجهة من جديد في ظل ترقب لوفاء باريس لوعودها ببدء شركة «توتال» التنقيب في الربيع المقبل على وقع تطمينات اميركية بعدم تراجع اسرائيل- نتانياهو عن الاتفاق، وضمانة توازن «الرعب» التي ارساها حزب الله واعاد التذكير بها بالامس نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم.
مواقف حاسمة
بعيدا عن وقائع جلسة الامس، صدرت مواقف «رئاسية «متزامنة من قبل مسؤولي حزب الله حول مواصفات الرئيس العتيد، والعنوان العام «انه لن يسمح بفرض رئيس للجمهورية بمواصفات أميركية أو سعودية، ولا يريد ان يطعن المقاومة في ظهرها، ولا يريد رئيس تحد مع الانفتاح على حوار داخلي. رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قال»نريد رئيسا للجمهورية لا يتحدى أحدا، نريده أن يعرف قدر الشهداء وأهمية المقاومة في الحفاظ على سيادة لبنان وحمايته، وأن يكون قراره سياديًا لا يرضخ للضغوط لطعن المقاومة في ظهرها.. واكد ان «موضوع رئاسة الجمهورية بهذه الحساسية وبهذه الخطورة.. وفي هذا السياق اكد نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم انه لا يمكن اختيار رئيس تحدٍّ ولا يمكن أن يكون الرئيس تابعاً لأميركا بأوامرها، وفي السياق نفسه، اكد عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق، أنّ»لبنان لا يحتمل مفوّضاً سامياً جديداً ولا يقبل بفرض وصاية أجنبية جديدة من أي دولة كانت، وأضاف: نريد رئيساً بمواصفات وطنية يؤتمن على الوفاق الوطني ويعمل لإخراج لبنان من أزماته ويخفّف من معاناة اللبنانيين..
ماذا يريد حزب الله؟
في هذا السياق، اكدت مصادر مقربة من الحزب ان كلام مسؤولي حزب الله حيال عدم القبول برئيس يحمل مواصفات سعودية، مفهوم وواقعي، وهو يدرك في الاساس ان المملكة لم تعد تملك الحضور على الساحة اللبنانية لفرض ما تريده، وفي عز قوتها كانت ترضخ للتسوية مع طهران او بالاحرى مع الحزب المخول وحده ادارة الشؤون اللبنانية. اما القول بانه لا قبول بمواصفات اميركية للرئيس، فليس فقط مرتبطا بحالة عدائية غير قابلة لاي مساومة مع واشنطن، وانما بواقعية سياسية تفرضها معطيات تراجع قدوة ونفوذ الادارة الاميركية الحالية في العالم ولبنان ليس بمنأى عن هذا التراجع الملموس.
«رسائل» للداخل والخارج
فاذا كان الطرف الآخر يمسك بعصا «تعطيل» وصول رئيس من فريق 8 آذار، فان الحزب بحسب تلك الاوساط يريد افهام من يعنيهم الامر في الداخل والخارج، ان التعطيل واغراق البلاد في ازماتها الاقتصادية لن يؤدي الى «الاستسلام» امام قوة غير واقعية لم تضمحل وانما تراجعت بقوة بدليل «تمرد» حلفائها في الخليج، وبدء «التذمر» في اوروبا من الحرب الاوكرانية. اما الجديد فهو يرتبط بنتائج الانتخابات النصفية التي زادت الرئيس جو بايدن وحزبه ضعفا،الان الحزب الجمهوري، الذي كان حزب الأقلية في مجلس النواب، سيصبح حزب الأغلبية في المجلس، وإن كان بفارق طفيف. وهكذا ستتسع هوامش المناورة التي ستمنح له في أعماله. وذلك بهدف التضييق على خطى وإجراءات التشريع من إدارة بايدن ووضعها في موقف الدفاع الدائم بفضل سيطرة الأغلبية في لجان مجلس النواب، مثلما أيضاً بفضل قدرتها على تأخير بل إحباط مخططات الرئيس في كل السياسات الداخلية.
النتائج تعاكس شيا!
وعلى عكس ما تحاول الترويج له السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا،فاذا كانت «الموجة الحمراء» الجارفة، التي بشر بها دونالد ترامب ، لم تضرب مجلس الشيوخ مع نجاح الحزب الديمقراطي في الحفاظ على تفوقه الأدنى في المجلس،يدور الحديث عن «انتصار» ديمقراطي محدود، فهذا الإنجاز لن يمنع شل عملية التشريع لمجلس النواب، وذلك ضمن إمكانية حقيقية لعرقلة عمل الإدارة والانزلاق إلى عصر من الجمود والمواجهات الحزبية الداخلية المتواصلة. هذه المواجهات ستبث ضعفاً واسعاً في المجال الداخلي والدولي معاً، وستصعب مدى قدرة الولايات المتحدة على تأدية دورها بصفتها قوة عظمى، فالرئيس بايدن خرج مصاباً برضوض ومتعثراً من الانتخابات النصفية.
لا هدايا لواشنطن
ومحاولة الولايات المتحدة مواصلة تصميم المحيط الدولي بيد واثقة وقوية حين تكون سيطرة الإدارة في الداخل جزئية وهزيلة جداً قد تضررت بشدة،ولهذا لن تكون الساحة اللبنانية «هدية» لادارة ضعيفة تفقد سيطرتها على قيادة العالم. ومن هنا يدرك حزب الله هذا الواقع ويدعو المراهنين على الاميركيين الى التواضع قليلا وادراك ان التسوية لا بد منها ووفقا لمعطيات واقعية لا اوهام.
ما الجديد في الجلسة؟
حملت الجلسة الخامسة تبدلات في توزيع الاصوات حيث ارتفع سكور النائب ميشال معوض وكاد يلامس الخمسين لولا غياب عدد من النواب المصوتين له عادة، عن الجلسة، في وقت انخفض عدد الاوراق البيضاء ودخلت اسماء جديدة الى عملية الاقتراع منها زياد بارود وزياد حايك. كما اثارت مسألة النصاب نقاشات حادة بين بري وعدد من النواب، وافضت الجلسة الى نيل النائب ميشال معوض 44 صوتا، ورقة بيضاء 47 صوتا، «لبنان الجديد» 7 أصوات، عصام خليفة : 6 اصوات، زياد بارود صوتا واحدا، زياد حايك صوتا واحدا، «لأجل لبنان» صوتا واحدا وورقة ملغاة… وسُجلت ورقة باسم «الخطة ب» كشف النائب ميشال الدويهي انه من وضعها، وهي تعني «رئيسا انقاذيا وسياديا»، فيما خالف النائب الياس بوصعب قرار «تكتل لبنان القوي» ووضع اسم زياد بارود الذي سارع الى القول عبر تويتر : أوّد أن أفترض حسن نيّة الصوت الكريم ولكنني لست معنيًا بترشيح لم أعلنه حتى اللحظة.
لماذا تراجع «التيار»؟
وفي وقت غاب رئيس التيار الوطني النائب جبران باسيل عن الجلسة لوجوده في قطر، قال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ألان عون «نحن لا نريد القيام بعملية استعراضية ولا نستطيع الاستمرار بالورقة البيضاء الى ما لا نهاية»، مشيرا الى ان «خيارنا بالانتظار هو خيار مسؤول لان النقلة التي نحاول ان نخلقها تحدث فرقا بالمشهدية السياسية ونعطي اليوم فرصة للتفاهم من خلال هذا الخيار. وكان حزب الله قد نجح في إقناع رئيس «تكتل لبنان القوي» النائب جبران باسيل بعدم الاقدام على «دعسة» ناقصة بالاقتراع بورقة بيضاء لأنها ستفسر تحديا لترشيح الحزب «غير الرسمي»للنائب السابق سليمان فرنجية لخوض «السباق»، ما سيمنح خصوم «التيار» انتصارا مجانيا دون تحقيق اي مكسب لان اي تبني لترشيح شخصية سواء كانت من «التيار» او من خارجه سيكون «حرقا» لها، ولن تضيف اي جديد على الصعيدين الانتخابي والسياسي.
جدل حول النصاب
وبعد تلاوة النتيجة، طلب رئيس مجلس النواب، نبيه بري، اختتام الجلسة، بعد فقدان النصاب في الدورة الثانية، وهو الأمر الذي خلق جدلاً بينه وبين النائب سامي الجميّل، الذي سأل: على أيّ مادة تستند لتحديد النصاب في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية؟، ليردّ عليه بري متهكّماً: «مادّي إجريها من الشباك»، ما دفع الجميّل إلى التصريح، عقب انتهاء الجلسة، قائلاً: «حاولنا أن نعلم على أيّ مواد يستند الرئيس بري لتطبيق نصاب الثلثين في جلسة انتخاب الرئيس»، لافتًا إلى أنّ المادة 49 لا تحدّد نصاباً للجلسة وحين يرفض بري هذا الشيء يُفترض أن يخبرنا على أيّ أساس.
خلف والمادة 49
وعقب الجلسة، قدّم النائب ملحم خلف «موقفاً قانونياً، دعا فيه إلى استنباط حلول من النصوص الدستورية نفسها، مشيراً إلى أنّ المادة 49 من الدستور لم تنصّ بصورة صريحة على النصاب المطلوب لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بل اكتفت بتحديد الغالبية المطلوبة لانتخابه في دورة الاقتراع الأولى وحددتها بغالبية الثلثين من مجلس النواب أي 86 صوتاً من أصل 128 نائباً يشكلون المجلس النيابي، لينتقل المجلس إلى دورة ثانية وثالثة حتى ينال المرشح الغالبية المطلقة من الأصوات أي 65 صوتاً..
«الترسيم» الى الواجهة من جديد
في ملف «الترسيم» أكد الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، أن الاتفاق بين لبنان وإسرائيل يعزز الأمن في المنطقة نظرا لوجود حدود بحرية نهائية بينهما، مشيرا إلى أن «الاتفاق لا يحل النزاعات بين لبنان وإسرائيل ولا ينهي التوتر بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، وأوضح في حديث لـقناة «الجزيرة»، أن شركات الغاز ستبدأ العمل بعد الاتفاق معها وسيتدفق الاستثمار الأجنبي إلى لبنان لتعزيز ازدهاره. واكد انه واثق من أن إسرائيل ستواصل الامتثال لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. وفي السياق نفسه،كان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قد اكد انه لا يتوقع أن يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل بنيامين نتنياهو اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وقال بشأن إعلانه معارضته لإنجاز الترسيم « أنا لا أتوقع أن يعارضه وأن يسلك الطريق الذي يُسقط هذا الاتفاق بل هو غير قادر على ذلك. واضاف مع كل هذا نحن نعتبر أن ضمانة الترسيم البحري هي قوتنا وتماسكنا في لبنان في مواجهة التحديات، فإذا أخلَّ الإسرائيلي لدينا القدرة الكافية لنعيده إلى الصواب أو نمنعه من ارتكاب الحماقات».
متى التنقيب؟
في هذا الوقت، طمأنت باريس المسؤولين اللبنانيين بقرب بدء شركة «توتال» الفرنسية العمل في البلوك رقم 9 و»حقل قانا» بعد الحصول على التطمينات والضمانات المطلوبة، إقليميا ودولياً، ووفقا لمصادر رسمية لبنانية، حصلت الحكومة اللبنانية على وعد رسمي فرنسي بان تبدأ الشركة عملها في الربيع المقبل، وقد باشرت في اتمام الاجراءات الروتينية، على أن تعقب ذلك مرحلة الاستخراج بعد التأكد من حجم المخزون. وفي هذا السياق، تبدو هذه المهلة معقولة جدا ومنطقية بحسب تلك الاوساط، مع العلم ان اي تأخير او مماطلة جديدة ستطون لها تداعيات كبيرة وتعتبر نقضا للاتفاق، وفقا لحزب الله الذي جدد التاكيد مؤخرا للفرنسيين بان اتفاقا لم ينص فقط على ترسيم الحدود وانما رفع «الفيتو» الغربي عن استخراج الغاز، ولا يمكن التساهل في اي عملية تلكوء غير منطقية من الشركة الفرنسية!؟
واشنطن تعرقل «الهبة» الايرانية
في غضون ذلك، تاكدت المعلومات حول التحذير الاميركي من استجرار النفط الايراني الى لبنان، فقد استقبل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامنثا پاور في حضور عدد من الوزراء والسفيرة الاميركية دوروثي شيا. ووفقا للمعلومات، تبلغ ميقاتي في الاجتماع أن الولايات المتحدة تعتبر كل النفط الإيراني خاضعاً للعقوبات، وهو لذلك صرف النظر «مبدئيا»عن قبول الهبة من دون الحصول على استثناء من وزارة الخزانة الأميركية على غرار ما يحصل مع العراق. وبحسب مصادر مطلعة، سيركز الآن على مسار التفاوض مع الجزائر، ومحاولة تامين تمويل لمؤسسة كهرباء لبنان لشراء كميات كبيرة من الفيول تسمح بزيادة ساعات التغذية إلى عشر ساعات يومياً. وفي ظل رفض مصرف لبنان تغطية اي انفاق دون قانون من المجلس النيابي يسمح بسلفة خزينة لمصلحة المؤسسة بقيمة 300 مليون دولار أميركي، سيلتقي مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري في اليومين المقبلين للتوصل إلى قرار حول هذه النقطة.
ايجابية بري.. ولكن؟
وعلم في هذا السياق، ان بري يتعامل بايجابية مع هذا الملف، لكن المخرج القانوني لن يكون سهلاً، ولا سيما أن مجلس الوزراء لم يقرّ أي سلفة متصلة بتمويل استيراد الفيول اللازم لتشغيل معامل الكهرباء، واي انعقاد لمجلس الوزراء قد يشكل عقبة إضافية في ظل «الكباش» مع التيار الوطني الحر حول حدود تصريف الاعمال في الحكومة. وفي هذا الاطار صعد ميقاتي مواقفه وقال أنّ «هواة التعطيل وإضاعة الفرص لا يريدون، حتى أن نقوم بواجبنا، المطلوب دستورياً ووطنياً، ويحاولون وضع كلّ العراقيل أمام مهمتنا الواضحة، وباتوا يجاهرون بإرادة التعطيل والسعي لشلّ الحكومة، معتبراً أنّ هذا التعطيل لن يصيب إلا شؤون البلد والمواطنين.
عون امام النيابة العامة
قضائيا، ستمثل يوم الاثنين المقابل المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون امام النّيابة العامة التّمييزيّة، جراء الدعوى المقامة ضدّها من الرئيس بري وزوجته اثر اتهامها بتغريدة بانهما مع مسؤولين لبنانيين سبق وهربوا اموالا طائلة الى سويسرا.