يبدو واضحا ان الغموض الذي ساد بعض جوانب المشهد الداخلي في الفترة الأخيرة والمتصل باتجاهات ما يسمى “محور الممانعة”، قد وجد أخيرا طريقه الى التبدد تماما في ظل مضي “حزب الله” منذ ثلاثة أيام في سياسة تصعيد المواقف وتخليه عن نهج التهدئة الذي طبع مقارباته السابقة للاستحقاق الرئاسي. وتبعا لـ”امر العمليات” الذي اطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسين نصرالله في كلمته الجمعة الماضي، والذي انطوى على ملامح مفاجئة لانطلاق الحملة التصعيدية ضد خصوم الحزب والانتفاضة اللبنانية والولايات المتحدة، راح نواب الحزب يعلون النبرة التصعيدية المتصلة بالاشتراطات التي تكمل مواصفات “الرئيس الذي لا يطعن المقاومة في ظهرها” بحيث تطورت المعادلة الى ان “لا رئيس الا الذي نريده”. الاستدارة التصعيدية للحزب والتي تجلت عبر التخلي المفاجئ عن المناداة برئيس توافقي الى اشتراط رئيس يجسد معادلة “اميل لحود او ميشال عون” اثارت معالم مشهد تصعيدي سيطبع الأسبوع الطالع وما يليه بدليل انطلاق موجة ردود فعل مناهضة بحدة لتصعيد الحزب ناهيك عن بدء بلورة أصداء خارجية راصدة لهذا التصعيد الذي يربط أيضا بمعطيات إيرانية مكشوفة. وايا تكن الدوافع داخلية او إيرانية، فان الخلاصات تصب في خانة واحدة هي ان الحزب يدفع قدما نحو إطالة الفراغ الرئاسي واخضاع لبنان مجددا لسياسة تصفيات الحسابات وتبادل الرسائل الإقليمية.
الاتحاد الأوروبي
ومن غير المستبعد ان تبدأ هذه التطورات الجديدة باثارة أصداء خارجية سلبية حيال معطلي الاستحقاق الرئاسي. ففي هذا السياق افاد مراسل “النهار” في باريس سمير تويني ان الاتحاد الاوروبي ادرج لبنان على جدول اعمال اجتماع وزراء خارجية دول المجموعة الاوروبية الذي يعقد اليوم وغدا في بروكسيل. واشار بيان صادر عن الاتحاد الاوروبي الى ان وزراء الخارجية سيتشاورون ويتبادلون الافكار حول اخر المستجدات والتطورات السريعة للوضع الداخلي اللبناني. ومن المتوقع ان يصدر بيان عن الاجتماع يؤكد ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة باسرع وقت حتى يتم تنفيذ برنامج الاصلاحات الهيكلية الضرورية لنهوض البلد. وكان الاتحاد الاوروبي على لسان الممثل الاعلى للشؤون الخارجية والامن قد اشار الى ان الاتحاد اتخذ الاجراءات التي تسمح له بفرض عقوبات على المعطلين لانتخاب رئيس للجمهورية وهي وسيلة يعتبر الاتحاد الاوروبي انها ستكثف الضغط على الطبقة السياسية اللبنانية وتاكيد من قبل الاتحاد الاوروبي انه يقف الى جانب الشعب اللبناني وتاكيد منه على دعم مطالبه. وتبدو المانيا في طليعة الدول الاوروبية التي تدفع باتجاه امكان معاقبة النظام الايراني وفي السياق “حزب الله” المهدد للاستقرار الداخلي والاقليمي وقد صنفته في شقيه العسكري والسياسي ارهابيا.
وتعتبر مصادر اوروبية ان تحديد الحزب شروطه لانتخاب رئيس للجمهورية وتعطيله العملية الانتخابية الرئاسية اثار ردودا لبنانية وغربية معارضة وهناك تخوف من تحويل لبنان الى ساحة صراعات اقليمية قد تزعزع وضعه الامني بعد ان بات الوضع المالي والاقتصادي مخيفا والانفجار يسابق الوقت، فلبنان يقف على مفترق خطير جدا بين طريقين، فاما المرونة السياسية وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة فاعلة تسمح بانتظام الوضع بالحد الادنى، واما خراب البلد.
فهل سيشكل هذا الاجتماع الانذار الاخير من خلال بيان شديد اللهجة قبل فرض عقوبات على الطبقة السياسية المعطلة، ام ان الخلافات داخل الاتحاد حول الموقف من الوضع اللبناني ستؤدي الى مزيد من المشاورات قبل الاجتماع الذي سيضم خلال اسابيع رؤساء الدول الذين قد يتوافقوا على فرض العقوبات على معطلي الانتخابات الرئاسية ؟
وكانت الرئاسة الفرنسية أعلنت السبت أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تطرقا في الاتصال الذي اجراه ماكرون ببن سلمان الى المخاطر التي تهدد استقرار المنطقة وأعربا عن رغبتهما في تعزيز الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين. وشدّد الرئيس الفرنسي على ضرورة انتخاب رئيس جمهورية في أسرع وقت حتى يتم إدارة برنامج إصلاحات هيكلية لا غنى عنها لنهوض البلاد. واتفق المسؤولان على مواصلة وتعزيز تعاونهما للاستجابة لحاجات الشعب اللبناني الانسانية.
لقاء الثلثاء
اما في الداخل، فارتسمت معالم تحركات ومواقف من شأنها جعل الأسبوع الطالع عرضة لتسخين سياسي مرجح ان في ما يتصل بالاستحقاق الرئاسي وان بملفات التشريع . ومن المقرر ان يعقد لقاء غدا الثلثاء لعدد من نواب المعارضة “التغييريين” والمستقلين في احد فنادق بيروت. وذكر ان الدعوات وجهت الى نحو أربعين نائبا من كتل الكتائب و”التغيير” و”تجدد” وصيدا و”الاعتدال الوطني” ومستقلين لحضور اللقاء الذي سيتقرر فيه موقف المجتمعين من حضور الجلسات التشريعية والانتقال الى مرحلة أخرى في الاستحقاق الرئاسي وسيجري التنسيق بين المجتمعين والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب “القوات اللبنانية”.
المؤتمر الدولي
وغلبت السخونة على مجمل المناخات الداخلية، فيما بدأت أوساط نيابية وسياسية تتداول علنا المخاوف من تمدد الفراغ الرئاسي الى امد لا يمكن تحديده. وعلى عادته منذ بدء الاستحقاق اطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مجموعة مواقف بارزة امس فلفت الى “اننا كلما وصلنا إلى استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية يبدأ اختراع البدع والفذلكات للتحكم بمسار العملية الانتخابية ونتائجها على حساب المسار الديموقراطي”. وقال”يتكلمون عن رئيس توافقي. الفكرة مرحب بها في المبدأ، شرط أن لا تكون حقا يراد به باطل، وشرط أن يتم إختيار رئيس حر يلتزم بقسمه والدستور؛ ويكون قادرا على وقف النزاعات وإجراء المصالحات، وشد أواصر الوحدة الداخلية. الرئيس التوافقي بمفهومنا هو صاحب موقف صلب من القضايا الأساسية، وصاحب خيارات سيادية لا يساوم عليها أمام الأقوياء والمستقويين، ولا أمام الضعفاء والمستضعفين، لا في الداخل ولا في الخارج. الرئيس التوافقي هو الذي يحترم الدستور ويطبقه ويدافع عنه، ويظل فوق الانتماءات الفئوية والحزبية، وهي تلتف حوله وتؤيده ويكون مرجعيتها وتطمئن إلى رعايته. ليس الرئيس التوافقي رئيسا ضعيفا يدير الأزمة، يداوي الداء بالداء، ويداري العاملين ضد مصلحة لبنان. ولا رئيس تحد يفرضه فريقه على الآخرين تحت ستار التفاوض والحوار والتسويات والمساومات ، أو يأتون ببديل يتبع سياسة الأصيل نفسها. فيتلاعبون به كخف الريشة ويسيطرون على صلاحياته ومواقفه ويخرجونه عن ثوابت لبنان التاريخية ويدفعونه إلى رمي لبنان في لهيب المحاور”.
واما الأبرز في موقفه فكان في إعلانه انه “أمام فشل مجلس النواب الذريع في إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، بحيث كانت الجلسات الخمس في مثابة مسرحية -هزلية أطاحت بكرامة الذين لا يريدون انتخاب رئيس للبلاد، ويعتبرون أنه غير ضروري للدولة، ويحطون من قيمة الرئيس المسيحي-الماروني، بالإضافة إلى فشل كل الحوارات الداخلية أو بالأحرى تفشيلها من سنة 2006 حتى مؤتمر إعلان بعبدا سنة 2012، لا نجد حلا إلا بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان يعيد تجديد ضمان الوجود اللبناني المستقل والكيان والنظام الديمقراطي وسيطرة الدولة وحدها على أراضيها استنادا إلى دستورها أولا ثم إلى مجموع القرارات الدولية الصادرة بشأن لبنان”.
وسارع المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الى اصدار رد على البطريرك فاعتبر أن “الحل السيادي الانقاذي يمر بالمجلس النيابي حصرا لا بأي مؤتمر دولي”، وقال: “من يصنع التاريخ أو يضيعه الكتل النيابية وليس أي كيان آخر، ولبنان الآن رهين الخيارات السياسية للكتل النيابية، والبلد طوائف ومذاهب والشراكة الوطنية والحسم النيابي ضرورة إنقاذية للبنان وتطويب لبنان للخارج ممنوع، والمؤتمر الدولي تذويب للسيادة اللبنانية، وتجريب المطابخ الدولية مرة أخرى نحر للبنان، والحرب الأهلية مثال قريب على اللعبة الدولية، لذلك الحل السيادي الإنقاذي يمر بالمجلس النيابي حصرا لا بأي مؤتمر دولي، والتخلي عن السيادة اللبنانية أمر مرفوض بشدة، وأزمة الفراغ الرئاسي يجب أن تنتهي على كراسي مجلس النواب لا عبر مطابخ البيع والشراء الدولية”.
وكان رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد اكمل دورة التصعيد التي باشرها السيد نصرالله فقال “أننا في مواجهة الاستحقاق الرئاسي نعرف من نريد ونتحرك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من نريد”، معتبرا أن “الشغور الرئاسي يصنعه عدم التفاهم على الرئيس اللائق بشعبنا المقاوم، وعندما يحصل هذا التفاهم، يكون هناك رئيس للجمهورية، ونحن مستعجلون على ذلك أكثر من كل الآخرين، والمسألة ليست بارتفاع الصوت، وإنما بجدية الفعل”.