كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: مع نشر قانون الموازنة العامة للسنة الجارية في الجريدة الرسمية وبدء العد العكسي لاعتماد سعر الدولار الجمركي الجديد وزيادة رواتب القطاع العام ثلاثة أضعاف عمّا هي عليه، بدأ الهم المعيشي لدى اللبنانيين يتعاظم وسط مخاوف من تعرّض سعر العملة الوطنية لمزيد من التدهور امام اسعار العملات الاجنبية وفي مقدمها الدولار، فيما يتعاظم العجز الحكومي عن توفير المعالجات، في ظل فراغ رئاسي ينتظر الجميع إنهاءه باتفاق على رئيس الجمهورية الجديد للعبور من خلاله الى تكوين سلطة جديدة يعوّل عليها ان تضطلع بمهمة الانقاذ المنشودة وتعيد لبنان الى موقعه ودوره الملحوظ في محيطه العربي وعلى الساحة الدولية.
تحولت الانظار الى التوازن الاجتماعي ومدى صموده في وجه الموازنة العامة للدولة التي دخلت حيّز التنفيذ مُصطحبة معها زيادات على الرسوم والضرائب يصل بعضها الى عشرة اضعاف، ما بدأ يترجم قفزات جنونية في كل الاسعار مرشحة للتصاعد على يد التجار الذين تحوّلوا كالمنشار نزولا وصعودا يستنزف جيب المواطن بلا اي رحمة، ما طرح السؤال عن مدى قدرة اللبنانيين على التأقلم مع الارقام الجديدة؟ وهو السؤال الذي ارتسم منذ ان بشّرت مساعدة وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى بربارا ليف بعودة الحراك الى الشارع محذّرة من توترات امنية نَفى معطياتها اكثر من مصدر امني.
وقد عزز هذا النفي وزير الدفاع موريس سليم الذي اكد لـ”الجمهورية” ان “لا خوف على انفلات الوضع الامني، وان كل المعطيات المتوافرة لدى الاجهزة الامنية والعسكرية معطوفة على القراءة الامنية للواقع اللبناني تشير الى ان الجيش اللبناني يسيطر على الوضع الامني على كافة مساحة الوطن ولديه القدرة الكافية التي يثبتها يومياً على ضبط كل ما يخل بالوضع الامني، والاجهزة التابعة للمؤسسة العسكرية لا سيما منها مخابرات الجيش أثبتت مدى قدرتها على ضبط كثير من محاولات الاخلال بالامن من خلال العمليات الاستباقية الى جانب مختلف الاجهزة الامنية التي تقوم بدورها وتحقق الانجازات“.
واضاف سليم: “ليس لدينا في الواقع اللبناني الحالي جهات قد تعمل على خلق اضطرابات امنية، مع العلم انّ عمليات إخلال بسيطة قد تحصل لكنها تحت السيطرة ولا يمكن ان تخلق خللا عاما بالوضع الامني اللبناني”. ودعا الى عدم القلق من هذا الامر، كاشفاً انه “خلال الشهر المنصرم استطاع الجيش اللبناني واجهزته ان يكشف ويفكك شبكة امنية لتنظيم “داعش” في الشمال وتوقيف رأس الشبكة وعناصر اساسية فيها وإحبطَ اي عمل امني كان يمكن ان تقوم به هذه الشبكة، وهذا يندرج في نجاح العمليات الاستباقية التي تساعد على طمأنة المواطنين“.
الاستحقاق الرئاسي
وعلى سعيد الاستحقاق الرئاسي لم يظهر في الافق حتى الآن اي مؤشرات على انّ جلسة الانتخاب الرئاسي المقررة غداً ستنتهي الى انتخاب رئيس، فمواقف الكتل النيابية والسياسية ما تزال على تباعدها فيما الاتصالات الخارجية نشطة، خصوصا بين العواصم المعنية لتوفير مناخات او ممهدات لهبوط “الوحي” او “كلمة السر” التي يلتزمها الجميع كالعادة وينتخبوا الرئيس التوافقي الموعود مشفوعاً بتوافق آخر على رئيس الحكومة العتيد وماهية الحكومة الاولى التي سينطلق بها العهد الرئاسي الجديد.
إجتماع نيابي
وعُقد في المجلس النيابي اجتماع موسع ضمّ 19 نائبًا يمثلون 32 نائبًا مستقلين وتغييريين ومنضوين في كتل “الكتائب” و”تجدد” و”مشروع وطن”، و”الائتلاف النيابي المستقل”. وبحسب معلومات وزّعت أنّ المجتمعين “بحثوا في آلية الخروج من الأزمة السياسية المستعصية التي أدخلت البلاد في أتون الشغور الرئاسي في ظل واقع اقتصادي ومعيشي مرير مترافقًا مع تعطيل شامل لمختلف مؤسسات وإدارات الدولة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان”. وأعطى المشاركون في هذا اللقاء “الأولوية المطلقة لكسر جدار التعطيل والاتجاه فوراً لانتخاب رئيسٍ للجمهورية كمدخل لإعادة انتظام المؤسسات تطبيقاً للدستور وإنقاذاً للبلاد”. وحذّروا من “خطورة الغوص في جلسات تشريعية تكون عاملاً في تكريس الشغور الرئاسي”. وشكّلوا لجنة متابعة “لرفع مستوى التنسيق والتحضير للمرحلة المقبلة“.
الخيار الأصلح
الى ذلك قال رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد في احتفال تأبينيّ في بلدة عدشيت الجنوبية: “نحن نريد رئيساً للجمهورية يعرف أهمية دور المقاومة في الدفاع عن لبنان وسيادته وأمن شعبه ويستطيع أن يُقدّر أهمية المقاومة وضرورتها في حفظ لبنان وحمايته”. واضاف: “للأسف إنّ عدداً من المرشّحين للرئاسة يعتبرون أنّ أمن لبنان واستقراره وحفظ كيانه مرهون برِضى الإدارة الأميركية أو بأن يكون لبنان مُنفتح بالعلاقات الدولية على كلّ الدول والأصدقاء”. ورأى ان “علينا أن نختار الخيار الأصلح، وهو أن نأتي برئيسٍ يعتزّ بأداء شعبه وجهاد أبنائه في حماية بلده ويَحرص على ألا يطعن المقاومة في ظهرِها ولا يُخيّب آمال الناس الذين عاشوا الأمن والتحرير في ظلّ فعاليّة المقاومة“.
لا نهاية قريبة
ورأى وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري، في حديث الى برنامج “باللبناني” عبر منصة “بالمباشر”، أن “لا نهاية قريبة للفراغ الرئاسي، والدول الخارجية هي التي تعمل على هذا الملف، في حين أن الأمر من واجباتنا نحن كلبنانيين“.
وعن حظوظ رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجيه في الرئاسة، اعتبر المكاري انه “الأول، ومن يحول دون انتخابه هو النائب جبران باسيل الذي لا يسهّل وصول فرنجيه الى الرئاسة”، نافياً “ان تكون المملكة العربية السعودية ضد انتخاب فرنجيه، فهو أبداً “لم تكن له مواقف ضد المملكة، ولا شيء يمنع أن يكون أحد مقرّباً من “حزب الله” ومن “فريق 8 آذار” وليس ضد السعودية“.
الفراغ الطويل
في غضون ذلك أكّد رئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط أن نواب اللقاء “مستمرون في التصويت للنائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية”، وقال: “لا يوجد لدى الكتلة أي اسم آخر”. وتوقّع “في ضوء ما يجري في جلسات المجلس النيابي ان تطول مدة الفراغ الرئاسي”، وقال: “نحن مع معوض، واذا كان لدى الفريق الآخر أي اسم للتوافق، نبحث بالأمر اهلا وسهلا”. واعتبر ان “دعوة البطريرك الراعي لعقد مؤتمر دولي لخلاص لبنان ليست بجديدة، فنحن نتفهّم موقفه في هذا الخصوص“.
موقف مصري
ولفت موقف للسفير المصري ياسر علوي من الاستحقاق الرئاسي إثر زيارته البطريرك الراعي، شدد فيه على “أهمية استكمال الاستحقاقات الدستورية وإعادة استكمال تكوين السلطة السياسية في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية فورا وتشكيل حكومة وبدء ورشة عمل يحتاج إليها لبنان بشكل حاد”. وأضاف: “لا يليق بشعب لبنان العظيم أن يستمر الفراغ كأن لا يوجد بينه رئيس يتم التوافق عليه للقيام بالبلد. الاستحقاق الرئاسي يحتاج إلى الانتقال من مرحلة التفاوض بالتلميح الى مرحلة التفاوض المباشر بين البرلمان”. وقال: “آن الأوان أن تتحاور هذه الكتل على المكشوف وتكشف أوراقها وتبدأ بالتفاوض الجدي لإنتاج الرئيس الذي يليق بهذا البلد ويبني الجسور مع الدول“.
رؤساء الحكومات
في هذه الأجواء توقفت مراجع معنية عند اجتماع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والرئيسين الأسبقين للحكومة فؤاد السنيورة وتمام سلام مساء الاثنين الماضي في دارة رئيس الحكومة، بحثاً عن الظروف التي أدت اليه في ظل الأجواء التي تتحكم بأعمال جلسات مجلس النواب المخصصة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية والوضع الناشئ عن مجموعة الأفكار المؤدية الى “تشريع الضرورة“.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” ان الفكرة انطلقت لعقد هذا اللقاء منذ الاجتماع الموسع للنواب السنة الذي عقد في دار الفتوى في 23 تشرين الأول الماضي، وخصّص للبحث في صلاحيات رئيس الحكومة في مرحلة تصريف الاعمال وتولّي جزء من صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتقلت وكالة الى مجلس الوزراء مجتمعاً، كما بالنسبة الى التحضيرات لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.
ولفتت المصادر التي تابعت تفاصيل ما تم التفاهم عليه أن البحث تناول المواقف المتشنجة من انتخاب الرئيس والمواقف السلبية التي أدت الى تعطيل العملية بعد عبور البلاد المهلة الدستورية التي سبقت نهاية ولاية الرئيس ميشال عون. ولفتت الى ان اللقاء كان مناسبة للرد على موقف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الاخيرة والتصويب على اتفاق الطائف في الذكرى الثالثة والثلاثين لتوقيعه والمناقشات في شأن ما آل إليه وسط خلافات في تفسيره والتأخير في تطبيقه نصا وروحا، وتقدير جهود الرئيس ميقاتي في ادارة مرحلة الشغور بهدف متابعة تسيير شؤون الدولة والمواطنين واستكمال العمل لحل الأزمات المتراكمة التي يعانون منها. ورحّبت بحراكه الاقليمي والدولي لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.
وانتهت المصادر الى القول ان اللقاء قصد الرد على خطاب قادة “التيار الوطني الحر”، عندما لفتت الى ان المجتمعين شددوا على “ضرورة وقف الخطاب المعيب بكل المقاييس وحملات الكراهية التي تشنُّ لبث الفتن والتفرقة بين اللبنانيين، وعلى أهمية تحلّي الجميع بالروح الوطنية العالية في هذه المرحلة المصيرية واعتبار وحدة لبنان وأبنائه وأولوية إنقاذه ومصلحة المواطنين اللبنانيين هي طريق الخلاص التي تسمو على كل اعتبار آخر“.
الكابيتال كونترول
من جهة ثانية، اعتبرت أوساط مواكبة لجلسة اللجان النيابية المشتركة التي انعقدت امس لمواصلة مناقشة قانون “الكابيتال كونترول” انّ المنحى البطيء جداً الذي يتخذه النقاش حول بنود القانون لا يؤشر إلى جدية ومسؤولية في مقاربته”. وأشارت هذه الاوساط الى “انّ المداولات النيابية في خصوص القانون تسير على إيقاع السلحفاة”، مبدية خشيتها من “ان لا ينتهي النقاش الا بعدما يكون القانون قد فقد كل جدواه بالنسبة إلى المودعين اللبنانيين“.
واعتبرت الاوساط ان ما يجري هو معيب بالدرجة الأولى في حق النواب الذين لا يزالون يماطلون في إقرار القانون ويقفزون من تأجيل الى آخر بينما يستمر في الوقت الضائع استنزاف ما تبقى من احتياطي مصرف لبنان. ولفتت الى ان إصرار حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة على عدم حضور الجلسات النيابية ينطوي على إهانة متمادية للمجلس النيابي، فيما يبدو وكأن هناك نوابا قرروا ابتلاع ألسنتهم والتغاضي عن هذه الإهانة.
“شخص خارق“
وأكد رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل، بعد اجتماع اللجان، أن “ما يحصل اليوم هو مهزلة، و”الكابيتال كونترول” هو فكرة ضبط التحويلات المالية إلى الخارج، ويضاف إليها ضبط السحوبات في الداخل”. واعتبر “أن البعض يربط خطة التعافي الكاملة بالسحوبات الداخلية، وهذا خطأ كبير. وربط التحويلات الخارجية بالسحوبات الداخلية “ما بيمشي”، مشدداً على أن “إقرار القانون يتعطل لصالح استمرار التحويلات إلى الخارج بطريقة استنسابية”. وهاجَم باسيل سلامة من دون ان يسمّيه فقال: “هناك شخص خارق لكل الأحزاب والقضاء والإعلام، كان عصيّاً على القضاء والأمن في السابق، واليوم بات عاصياً على المجلس النيابي الذي طلب الاستماع إليه إلا أنه لم يحضر“.
إتفاق “توتال” وإسرائيل
وفي الوقت الذي يغرق لبنان في الشلل الحكومي وفي ظل خلو سدة الرئاسة، أعلنت شركة “توتال انيرجين” عن انطلاق أنشطتها الاستكشافية في البلوك الرقم 9 بعد شهر وأربعة أيام على الإعلان عن اتفاق الترسيم في 11 تشرين الأول الماضي، عندما أعلن الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون موافقته على مضمونها، قبل ان يتبادل الجانبان اللبناني والاسرائيلي وثائق الترسيم في 27 من الشهر عينه في مقر قيادة “اليونيفيل” في الناقورة.
وقالت مجموعتا “توتال انيرجين” الفرنسية و”إيني” الإيطالية عمّا سمّتاه في بيان لهما “اتفاقية إطارية مع إسرائيل بشأن حقل الغاز المشترك مع لبنان”، انّ هذه الاتفاقية جاءت “تطبيقاً لاتفاق الحدود البحرية الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل ولبنان في 27 تشرين الأول 2022″، علماً انها أي “توتال اينيرجين” هي الشركة المشغّلة للرقعة الإستكشافيّة الرقم 9 ولها حصة 60 % إلى جانب شريكتها “ايني” التي لها نسبة 40 %.
وقال البيان “تِبعاً لتوقيع اتفاقية الإطار هذه، سيبدأ الشركاء في الرقعة الرقم 9 عمليات استكشاف لمنطقة يحتمل أن تحتوي على الغاز، قد سبق وتم تحديدها، والتي قد تمتد في كل من الرقعة الرقم 9 والمياه الإسرائيلية جنوب خط الحدود البحرية الذي تم تحديده أخيرا. ويبدأ الآن التحضير لأنشطة الإستكشاف من خلال تجهيز الفِرَق وشراء المعدّات المطلوبة والاستحصال على سفينة الحفر“.
وقال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة الفرنسية باتريك بوياني: “تفتخر الشركة، بصفتها المشغّلة للرقعة الرقم 9، بارتباطها بالترسيم السلمي للحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان. ومن خلال تقديم خبرتنا في عمليات الاستكشاف في البحر، ستستجيب لطلب البلدين بتقييم حجم الموارد الهيدروكربونية وإمكانات الإنتاج في هذه المنطقة“.